العدد : ١٧٠٧٥ - الأحد ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٥ - الأحد ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أهمية «بوصلة فلسطين» في معركة التصدي للاحتلال الصهيوني

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الأحد ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

معلوم‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬أدوات‭ ‬تشكيل‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬وإدارة‭ ‬الصراعات‭. ‬وفي‭ ‬أعقاب‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬وطوال‭ ‬عام‭ ‬ونصف‭ ‬عام‭ ‬حتى‭ ‬الآن؛‭ ‬شهدنا‭ ‬‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬العالم‭- ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيصه‭ ‬بعبارة‭: ‬‮«‬الطوفان‭ ‬الإعلامي‭ ‬الجماهيري‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الوعي‭ ‬الجديد‮»‬‭ ‬الرافض‭ ‬للرواية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والمؤيد‭ ‬للسردية‭ ‬الفلسطينية‭.. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬مكسب‭ ‬هائل‭ ‬للقضية‭ ‬المركزية‭ ‬العربية‭: ‬قضية‭ ‬فلسطين‭. ‬فكيف‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الزخم‭ ‬المبهر‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬محتوى‭ ‬و‭/‬أو‭ ‬مستوى‭ ‬الإعلام‭ ‬أو‭ ‬الوعي‭ ‬الجديدين؟

في‭ ‬معرض‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬المزدوج،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬البروفيسور‭ ‬نعوم‭ ‬تشومسكي،‭ ‬المفكر‭ ‬واللغوي‭ ‬الشهير‭-‬شفاه‭ ‬الله‭ ‬وعافاه‭- ‬الذي‭ ‬أظهر‭ ‬لنا‭ ‬كيف‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإعلام‭ ‬سلاحاً‭ ‬مزدوج‭ ‬الاستخدام‭. ‬فوفقاً‭ ‬لنظرية‭ ‬تشومسكي‭ ‬في‭ ‬‮«‬الفلاتر‭ ‬الخمسة‭ ‬للإعلام»؛‭ ‬تتلاعب‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العالمية‭ ‬بتصوراتنا‭ ‬بطرق‭ ‬منهجية‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬محددة،‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬لصالح‭ ‬النخب‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الحقيقة‭.‬

واستنادًا‭ ‬إلى‭ ‬نظريته‭ ‬حول‭ ‬‮«‬صناعة‭ ‬الطاعة»؛‭ ‬فإن‭ ‬الإعلام‭ ‬العالمي‭ ‬والمحلي‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬الانتباه‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬المركزية،‭ ‬حيث‭ ‬تعمل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬الخمسة‭ ‬فلاتر‭ ‬لتُنتج‭ ‬سرديات‭ ‬تخدم‭ ‬السلطة،‭ ‬وهي‭: ‬الملكية،‭ ‬والإعلانات،‭ ‬والنخب‭ ‬الإعلامية،‭ ‬وانتقاد‭ ‬الأصوات‭ ‬المعارضة،‭ ‬والعدو‭ ‬المشترك‭. ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬استهداف‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬تفضح‭ ‬الحقيقة،‭ ‬مثل‭ ‬جوليان‭ ‬أسانج‭ ‬وغيره،‭ ‬وبالذات‭ ‬الشخصيات‭ ‬والهيئات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬ممارسات‭ ‬إسرائيل‭ ‬العدوانية‭ ‬المفزعة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬أو‭ ‬لبنان‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬العادة،‭ ‬يتم‭ ‬خلق‭ ‬عدو‭ ‬وهمي‭ ‬مشترك،‭ ‬مثل‭ ‬الإرهاب،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬س‮»‬‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬لتحويل‭ ‬الأنظار‭ ‬عن‭ ‬الفاعل‭ ‬أو‭ ‬العدو‭ ‬الحقيقي‭ ‬وهلم‭ ‬جرّا‭. ‬وحين‭ ‬ينجح‭ ‬التجهيل‭ ‬ويسود‭ ‬الجهل،‭ ‬تتحقق‭ ‬هزيمتنا‭!‬

ومع‭ ‬تصاعد‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وتضارب‭ ‬السرديات‭ ‬الإعلامية‭ ‬المحيطة‭ ‬بها؛‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬دقيقة‭ ‬تعيد‭ ‬تركيز‭ ‬البوصلة‭ ‬نحو‭ ‬الحدث‭ ‬الأساس؛‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬جرائم‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬المشهد‭ ‬السوري‭ ‬ملتهب‭ ‬بالأحداث‭ ‬والتحليلات‭ (‬وهو‭ ‬قطعاً‭ ‬مشهد‭ ‬مهم‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬تطوراته‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بل‭ ‬والعربية‭ ‬وسيترك‭ ‬بصماته‭ ‬عليهما‭)‬؛‭ ‬فإن‭ ‬صرف‭ ‬الانتباه‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭ (‬بحدث‭ ‬محلي‭ ‬يقع‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭) ‬هو‭ ‬انتصار‭ ‬لإستراتيجية‭ ‬الاحتلال،‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬الأنظار‭ ‬عن‭ ‬مشروعها‭ ‬الاستعماري‭/ ‬الاستيطاني‭ ‬والتوسعي‭ ‬والتهجيري‭ ‬الذي‭ ‬يزداد‭ ‬زخما‭!‬

إسرائيل،‭ ‬التي‭ ‬أنشبت‭ ‬أنيابها‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬عبر‭ ‬قصف‭ ‬ممنهج‭ ‬لمقوماتها‭ ‬واحتلال‭ ‬لأراضيها‭ ‬واستغلال‭ ‬لانشغالها‭ ‬بالصراعات‭ ‬الداخلية؛‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬طموحاتها‭ ‬الاستعمارية‭/ ‬الاستيطانية‭.‬

وهنا،‭ ‬أيضاً‭ ‬يتم‭ ‬سياسيا‭ ‬وإعلاميا‭ ‬إغفال‭ ‬هذه‭ ‬المقارفات‭ ‬والانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬حيث‭ ‬الجذر‭ ‬الحقيقي‭ ‬للمأساة‭. ‬وإسرائيل‭ ‬في‭ ‬مضيها‭ ‬قدمًا‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬استكمال‭ ‬احتلال‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وإخضاع‭ ‬شعبها،‭ ‬وإعمال‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬ومساعي‭ ‬التهجير‭ ‬القسري‭ ‬أو‭ ‬الناعم‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬والاستيلاء‭ ‬الدائم‭ ‬على‭ ‬الأراضي،‭ ‬وجرائم‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬حربها‭ ‬المتواصلة،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬بؤرة‭ ‬الأضواء‭ ‬الإعلامية‭ ‬المركزة‭. ‬

غير‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬العالمي‭- ‬كما‭ ‬شرح‭ ‬تشومسكي‭ ‬بخصوص‭ ‬خطاب‭/‬عملية‭ ‬‮«‬صناعة‭ ‬الطاعة‮»‬‭- ‬يتابع‭ ‬تحوير‭ ‬الحقائق‭ ‬وإشغال‭ ‬الجماهير‭ ‬بقضايا‭ ‬أخرى،‭ ‬مهمة‭ ‬حينا‭ ‬وهامشية‭ ‬أحيانا‭.‬

والحال‭ ‬كذلك،‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين،‭ ‬شعوبًا‭ ‬وإعلامًا،‭ ‬إدراك‭ ‬أن‭ ‬العدو‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬إسرائيل،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬والضفة،‭ ‬وبالذات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬جرى‭ ‬تغييب‭ ‬المجازر‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ (‬والتي‭ ‬تحصد‭ ‬يومياً‭ ‬عشرات‭ ‬الأرواح‭) ‬عن‭ ‬شاشات‭ ‬التلفزة‭ ‬ونشرات‭ ‬الأخبار‭ ‬العالمية،‭ ‬مثلما‭ ‬هي‭ ‬اختفت‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭!‬

ذلك‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬نحن‭ ‬لم‭ ‬نتابع‭ ‬هذا‭ ‬الواجب‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والديني‭ ‬والوطني‭ ‬والقومي،‭ ‬فإننا‭ ‬سنفقد‭ ‬البوصلة‭ ‬الهادية‭: (‬كل‭ ‬الأنظار‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭) ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬بوعي‭ ‬لافت‭ ‬الصديق‭ ‬العزيز‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬النهار‭. ‬

ولو‭ ‬نحن‭ ‬فقدنا‭ ‬هذه‭ ‬البوصلة‭ ‬فإننا‭ ‬سنقع‭ ‬عندئذ‭ ‬في‭ ‬شباك‭ ‬‮«‬جنرال‭ ‬التجهيل‮»‬‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬الجنرالات‭ ‬القادرين‭ ‬دون‭ ‬غيرهم‭- ‬على‭ ‬هزيمتنا‭ ‬استراتيجيا‭.. ‬لا‭ ‬قدر‭ ‬الله‭! ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يتوجب‭ ‬علينا،‭ ‬بمساعدة‭ ‬شرفاء‭ ‬العالم‭ ‬الذين‭ ‬اكتشفوا‭ ‬مؤخراً‭ ‬كذب‭ ‬الرواية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وصحة‭ ‬السردية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬الإبقاء‭ ‬دوما‭ ‬على‭ ‬قضية‭ ‬القضايا‭ -‬قضية‭ ‬فلسطين‭- ‬على‭ ‬الشاشات،‭ ‬وعلى‭ ‬الرادارات،‭ ‬باعتبارها‭ ‬البوصلة‭ ‬المركزية‭ ‬التي‭ ‬حددت‭ ‬وتحددّ‭ ‬اتجاهات‭ ‬السلام‭ (‬وطبعا‭ ‬اتجاهات‭ ‬الحرب‭) ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬قرن‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬الزمن‭!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا