ليس من الغريب أن نقول إنه ينبغي على المسؤول الإداري القائد أن يتمتع بالعديد من المهارات الحياتية بالإضافة إلى مهاراته المهنية والفنية التي تساعده في تسيير حياته العملية في المكتب أو المؤسسة. فعلى المسؤول الإداري القائد الذي يتمتع بالذكاء الإداري أن يضع ميزانًا حساسًا ما بين هاتين الكفتين، مهارات المسؤوليات الإدارية والمهنية في كفه ومهارات المسؤوليات الإنسانية في كفة أخرى، فهو يتعامل مع البشر وفي الوقت نفسه يتعامل مع جهاز تنظيمي مهني وهياكل تنظيمية وأهداف يجب أن تتحقق في سبيل التنمية والتطوير.
والمهارات ببساطة هي المعارف والسلوكيات الشخصية الفردية والجماعية والإمكانيات اللازمة التي يجب أن يتمتع بها الفرد لتسهم في التعامل بثقة أكبر واقتدار لإدارة النفس وإدارة الآخرين وكذلك مع المجتمع، وذلك عن طريق تطوير آليات لتحمل المسؤولية عن الأفعال الشخصية، وفهم النفس والآخرين وتكوين علاقات إيجابية وشراكات وتفادي حدوث الأزمات واستحداث آليات للتعامل مع الأزمات عند حدوثها، أو حتى قبل حدوثها.
ولقد صنفت منظمة المهارات الحياتية كل تلك المهارات التي يجب أن يتمتع بها الإنسان في أربعة مجالات تبدأ بحرف (H) اإنجليزية، وهي: الرأس (Head)، القلب (Heart)، اليد (Hand)، والصحة (Health)، وقمنا مؤخرًا بإضافة مجال جديد وهو ما يتعلق بالروح والدين والحاجة إلى الله، وهي: (Holy).
ربما هنا وفي هذا المقال لا نريد أن نتحدث عن كل هذه المهارات الحياتية فيما يخص الإنسان بصورة عامة، على الرغم من أنها أمور ممتعة، ولكننا ما نحاول أن نتعرف عليه هنا هي المجالات والمهارات الحياتية التي يمكن أن يستفيد منها المسؤول الإداري حتى يتحول إلى مسؤول إداري قائد يتمتع بالذكاء الإداري الذي يؤهله لإدارة مؤسسة بصورة منهجية منظمة.
المجال الأول، الرأس (Head)؛ وتهتم بالمهارات العقلية والمعرفية والإدارية؛ فمن الجانب العقلي والمعرفي، فإنه يمكن تلخيصه في المهارات التالية:
1. المعرفة لمكونات المجتمع، مثل: القيم، المعتقدات، اتجاهات، تقاليد، ثقافة، هذه الأمور تساعده في كيفية التعامل مع العملاء سواء الموظفين أو الزبائن، وذلك لتحقيق أهداف المؤسسة وتطويرها.
2. مهارات التفكير، فهو يجب أن تكون لديه القدرة عل التفكير الإيجابي والسلبي، والتفكير الناقد والمنطقي، وهذه النوعيات من التفكير تساعده على حل المشكلات واتخاذ القرارات.
3. مهارات التفاوض، فهو يجب أن يتمتع بالقدرة على الرفض والقبول، والإقناع والتأثير، المماطلة وما إلى ذلك، فهو كثيرًا ما يواجه مواقف ستجبره على استخدام تلك المهارات.
4. التعلم والتعليم، وهذه واحدة من مميزات المسؤول القائد، إذ إنه دائم الانخراط في عمليات التعليم، سواء لنفسه أو لفريق العمل الذي يعمل تحت أمرته، فهو لا يتوقف عن البحث والتعلم، مهما كانت المعلومة التي يبحث عنها صغيرة.
أما الجانب الإداري فإنه يشمل الأمور التالية:
1. القدرة على صياغة وتحديد وإدارة الأهداف، وليس المقصود هنا أهدافه الخاصة، وإنما أهداف المؤسسة وخططها الاستراتيجية، فمن المفروض أنه يمتلك هذه المهارات، فهي ليست مهارات بسيطة وإنما تحتاج إلى عقلية معينة يجب أن يمتلكها.
2. التفكير الاستراتيجي وإدارة الأولويات، وضع الخطط والاستراتيجيات والأهداف لا تعد نهاية المضاف، وإنما يقع على عاتقه عمل الموازنات بين الواجب والمطلوب، والتقديم والتأخير، ودراسة الأهم والمهم، حتى يتمكن من إدارة وقيادة المؤسسة التي هو مسؤول عنها.
3. إدارة الأزمات واتخاذ القرارات، في أحيان عديدة تواجه المؤسسة بعض المشكلات وربما أزمات، لذلك فإنه من المفروض أن يمتلك القدرة على استخدام أدوات التفكير الإبداعي من أجل اتخاذ القرارات الناجعة وتحديد البدائل لتحقيق الأهداف.
4. التفكير الاستراتيجي وإدارة التغيير، عادة عندما تتمكن المؤسسات من الواقع الاجتماعي تركن وتدخل في منطقة الراحة، عندئذ تجد نفسها تتراجع خطوة بعد خطوة، سواء كنا نتحدث عن مؤسسات القطاع العام أو القطاع الخاص، عند ذلك فإننا أمام أحد أمرين؛ إما أن تنهار تلك المؤسسة لأنها لا تستطيع التغيير والتحرك أو أنها تبدأ في عمليات التغيير من الجذور حتى تواكب التطور والتقنية لذلك فإنها تستمر، لذلك فعلى المسؤول الإداري القائد وهو من يقود تلك المؤسسة أن يقودها بعقلية التفكير الاستراتيجي حتى يقودها إلى بر الأمان.
5. إدارة الموارد والمتابعة، لا يكتفي المسؤول القائد بوضع الخطط والاستراتيجيات وما إلى ذلك، على الرغم من أهمية ما تم ذكره، وإنما بعد ذلك نأتي إلى عمليات التنفيذ، فالمؤسسات بناء متكامل، وهياكل إدارية منظمة، وإصدار أوامر، وأفراد يجب أن تتبع كل هذه الأوامر من أجل تحقيق الأهداف.
المجال الثاني، القلب (Heart)؛ يهتم هذا المجال بالمهارات المتعلقة بالمجال الوجداني أو المشاعر أو القيم، وما يتعلق بالمشاعر والأحاسيس والانفعالات والاهتمامات، الاتجاهات، الميول والهوايات، الرغبات وما إلى ذلك. وتشمل:
1. الاتصال والتواصل، وهذا يعني التواصل الشفوي والكتابي، والقدرة على التعبير بوضوح ودقة، وكذلك التواصل غير اللفظي، فمن المهم أن يكون الإداري القائد ذا قدرة على قراءة وتفسير الإشارات غير اللفظية مثل تعابير الوجه ولغة الجسم، حتى وإن كان بصورة بسيطة.
2. الإصغاء الجيد، وقد يعتقد البعض أن الإصغاء موضوع تابع للاتصال والتواصل، وهذه حقيقة، ولكننا دائمًا نحاول عند التحدث مع المسؤول القائد أن نفصل الأمرين، لأن عملية الإصغاء في حد ذاتها عملية عميقة ونجد أنه من الضروري أن يمتلكها الإداري القائد، فهي ليست قضية تكميلية وإنما هي ضرورية جدًا، فمن غيرها تصبح عملية الاتصال عديمة الجدوى.
3. الذكاء العاطفي والاجتماعي، وهذا النوع من الذكاءات ترتبط بالقدرة على فهم العواطف الشخصية والتعامل معها بفعالية، وكذلك بناء علاقات جيدة مع الآخرين وإدارتها بشكل جيد، بالإضافة إلى فهم مشاعر الآخرين والتفاعل معها بطرق مناسبة، والتعاطف معها بقدر حدود الوظيفة.
4. التحفيز وإدارة الآخرين، والسعي إلى كسب رضاهم في حدود الوظيفة، فليس المطلوب أن تتنازل وتضرب بالقوانين عرض الحائط، وإنما من المهم على المسؤول الإداري القائد أن يعرف فريق العمل واحتياجاتهم وقدراتهم وأن يعرف إمكانياتهم في العمل، وبناء على ذلك يحفزهم لتحقيق الأهداف، وعندما يحاول البعض أن يعاند أو أن يكابر عندئذ يمكن اللجوء إلى الأنظمة والقوانين.
المجال الثالث، اليد (Hand)؛ يهتم هذا المجال بالمهارات المتعلقة بالمجال الحركي أو العملي أو الجسدي، وما يتعلق بالمجال الأدائي النفس حركي والتطبيقي للخبرات، التطبيقات، الأنشطة، التصاميم، المشاريع، النماذج، الأعمال، المهام. وبالإضافة إلى بعض ما تم ذكره آنفًا فإن هذا المجال يشمل الآتي:
1. تقديم المساعدة والدعم، سواء لفريق العمل أو الخدمات المجتمعية والعمل التطوعي، فهذا المسؤول القائد يجب ألا يجلس في غرف عاجية وإنما يجب أن يضع جزءا من وقته لخدمة المجتمع، سواء من خلال الاشتراك في جمعيات أو الأندية أو حتى المشاركة في بعض الأنشطة التي تقدمها تلك القطاعات الأهلية، فهو جزء من المجتمع فما يحدث في المجتمع تنعكس عليه وعلى أهله وأطفاله.
2. أما بالنسبة إلى أفراد المجتمع فإنه عادة قد يحتاج أحد المراجعين عناية خاصة أو حتى معاملة تحتاج إلى اهتمام خاص، لذلك عليه أن يعرف كيف ييسر الأمور ويخفف من الإجراءات وخاصة تلك التي لا تتعارض مع الإجراءات الإدارية، وأن يفكر بأمور الهندسة الإدارية ومنهجية الكايزن حتى يسهم في التخفيف عن العملاء.
3. تحمل المسؤولية والالتزامات بالقانون والأنظمة، وإن أخطأ يقر بخطئه ولا يلقي اللوم على أحد الموظفين، وكذلك يجب أن يمتلك في مكتبه في العمل نسخة من كل القوانين وأنظمة البلاد، فلربما احتاج إليها في لحظة ما، فكيف يتصرف؟
المجال الرابع، الصحة (Health)؛ ويهتم هذا المجال بالمهارات المتعلقة بالمجال الصحي، وهو ما يتعلق بالصحة في شتى مجالاتها والمكملة للعقل والجسم والمشاعر سواء كانت الصحة الجسدية أو النفسية أو الكينونة الداخلية والخارجية، وتشمل التالي:
1. صحة الجسم، وتًعد من أكثر الأمور التي تهمل، وخاصة فيما يتعلق بالرياضة والتغذية، والراحة والاستمتاع بالإجازات السنوية والأسبوعية، فالمسؤول القائد يمكن أن يعمل طوال اليوم والأسبوع من غير أن يرتاح، ولكن هذا خطأ كبير وشائع، لذلك سيجد نفسه بعد فترة من الزمن أنه لا يستطيع أن يفكر أو يعمل أو يقوم بأي عمل.
2. إدارة الضغوط والمشاعر، في العمل كثيرًا ما يتعرض الإنسان لضغوط العمل، فالمسؤول الذي أعلى منه يطالبه بإنجاز أعمال، والموظفين الذي يعملون معه يريدون بعض الأمور، والعملاء لا يتوقفون، والآلة تدور وهو بين كل هذه التروس يُضغط فإن لم يستطع أن يدير كل هذه المشاعر والغضب والضغوط فإنه حتمًا سينهار.
3. إدارة الوقت وتنظيمه، إن إدارة الوقت ليست بالعملية البسيطة، بحيث نضع أمامنا جدولاً من ورق ونكتب فيه مواعيدنا وخطتنا، وإنما هي عملية ومنهج لإدارة المشاريع والاستفادة القصوى لتحقيق الأهداف سواء إن كنا نتحدث عن اليوم أو الأسبوع أو حتى السنة.
المجال الخامس، الروح (Holy)؛ بعدما وجدنا أن المنظمة لم تضع إلا المجالات الأربعة السابقة، وجدنا أنه من المهم إضافة هذا المجال الخامس، وهو الروح وهو المتعلق بالمجالات الوجدانية والإحسان والجودة والارتباط بالله سبحانه وتعالى وكذلك الولاء والانتماء للوطن، فمن يفقد هذه الجانب، فإن كل المجالات السابقة ستنهار.
هذه بعض الأمور، وطبعًا كلنا نعرف أن ما تم ذكره ما هو إلا غيض من فيض، فربما سنواصل يومًا لاستكمال هذا الموضوع بطريقة أو بأخرى.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك