بالتوثيق والرصد والتحليل جاء كتاب «المرأة البحرينية في عهد حمد.. حصاد ربع قرن»، الصادر عن المجلس الأعلى للمرأة، بالتعاون مع مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، بمناسبة اليوبيل الفضي لتولي جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المعظم مقاليد الحكم، ويتناول مسيرة صعود المرأة في مختلف الأصعدة على مدى 25 عامًا، وهو الصعود الذي تحقق لها برؤية إصلاحية شاملة، ودعم مباشر من جلالته، متوجهًا لتأسيس دولة ديمقراطية حديثة، ينعم فيها المواطن بكل حقوقه الإنسانية، وفق أفضل المعايير الدولية، بعد أن جعل المرأة شريكًا أساسيًا في البناء الوطني على قدم المساواة مع الرجل، فكانت عضوًا في صناعة ميثاق العمل الوطني وتفعيله، وترجمت مواد هذا الميثاق، التي تضمنها الدستور في 2002 المنظومة الشاملة لكل حقوقها، ومن ثمّ، كان انضمام البحرين وتصديقها على اتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة السيداو في نفس هذا العام، ومبادرة جلالة الملك بإنشاء المجلس الأعلى للمرأة.
وجاء التنفيذ الجاد والصادق والمبادر من سمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم، قرينة جلالة الملك، رئيس المجلس الأعلى للمرأة، منذ قيام هذا المجلس كمؤسسة رسمية، اكتسبتها الحركة النسائية البحرينية، ليكون المؤسسة المرجعية لكل مؤسسات الدولة فيما يختص بشؤون المرأة، ويعمل بتعاون وثيق مع هذه المؤسسات، سواء كانت حكومية أو خاصة أو مؤسسات مجتمع مدني.
وبرؤية استراتيجية واضحة، وبمشاركة فاعلة مع جميع الأطراف، سعى المجلس، إلى تحقيق أهدافه عبر مرحلتين؛ مرحلة تمكين المرأة البحرينية؛ سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، والتي امتدت من 2005 حتى 2012، ومرحلة نهوض المرأة بنفسها بعد ذلك، حتى غدت اليوم تتمتع بكل حقوقها المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومشارك بفاعلية في كل مجالات البناء الوطني على قدم المساواة مع الرجل؛ عكس هذا الالتزام مؤسسات وتقارير دورية، يأتي في مقدمتها لجان تكافؤ الفرص، والمرصد الوطني للتوازن بين الجنسين، بالإضافة إلى التقرير الدوري الذي يرصد واقع هذا التوازن، ويعمل على دعمه وتعزيزه باستمرار.
يشتمل الكتاب على مقدمة وتمهيد وأربعة فصول، توضح المقدمة مكانة المرأة في المشروع الإصلاحي للملك، والتي ظهرت ملامحها في تعيينها في مجلس الشورى (4 سيدات عام 2000)، وفي المؤسسة الدبلوماسية (سفيرة لدى باريس في 1999)، وصولاً إلى تشكيل لجنة إعداد ميثاق العمل الوطني (6 سيدات في هذه اللجنة)، ولجنة تفعيله (سيدتان)، ومن ثمّ، صدور الدستور البحريني المعدل في 2002، وإنشاء المجلس الأعلى للمرأة، وانضمام المملكة إلى اتفاقية السيداو، وتوالي انضمامها وتصديقها إلى الصكوك والاتفاقيات الحقوقية ذات الصلة بالمرأة.
فيما تناول التمهيد بدايات مشاركة المرأة في الحياة العامة منذ مستهل القرن الماضي، حتى تم منحها حق التصويت في الانتخابات البلدية في 1926، والتحاقها بالتعليم النظامي في 1928، ومن ثم مجالات العمل في التعليم، والصحة، والإعلام، والعمل الدبلوماسي، والتجارة، والعمل في القطاع الخاص، كعاملة وسيدة أعمال، والمجال القانوني كمستشارة قانونية ومحامية، والشأن الاجتماعي، وإنشاء جمعيات نسائية تعنى بشؤون المرأة والطفل، كما كانت مشاركتها في استفتاء عروبة البحرين في سبعينيات القرن الماضي.
وجاء الفصل الأول: فتح الآفاق نحو مجتمع حضاري داعم للمرأة البحرينية، انطلاقًا من رؤية جلالة الملك ومبادئ ميثاق العمل الوطني، ومواد الدستور، والصكوك، والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها المملكة، ليتناول البنية التشريعية العادلة والضرورية لدعم وتثبيت كل حقوق المرأة، وفي مقدمتها الأمر السامي بإنشاء المجلس الأعلى للمرأة، الذي وضع تطوير التشريعات لجهة إكسابها حقوقها، على قاعدة المساواة وتكافؤ الفرص في مقدمة أولوياته الاستراتيجية. وبتنفيذ هذه البنية وإعمالها على أرض الواقع أمكن لها أن تكتسب في فترة وجيزة ما حققه غيرها في مجتمعات غربية متقدمة في عقود طويلة وبعضها يزيد.
واشتمل هذا الفصل على مبحثين، تعرض الأول، للمنطلقات والركائز الأساسية لبناء البحرين الحديثة الداعمة لحقوق المرأة مع بداية تولي جلالة الملك المسؤولية، تلك التي أقرتها الشريعة الإسلامية، وميثاق العمل الوطني والدستور، والتشريعات الوطنية، والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها وصادقت عليها المملكة، وأمكن لهذه المنطلقات تثبيت حقوق المرأة، وأكدت سيادة القانون، وكفالة الدولة المساواة التامة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات والحريات، وأعطت لحفظ كيان الأسرة ودور المرأة فيها وضعًا خاصًا، حيث وجهت المُشرع إلى مراعاة تحقيق التوفيق بين واجبات المرأة الأسرية، وممارساتها الحقوقية وأدائها لواجباتها في المجتمع.
فيما تضمن الثاني، قراءة تحليلية في الحقوق والضمانات الدستورية المتاحة للمرأة ومكنتها من نيل كل حقوقها، وتصنيف هذه الحقوق طبقًا للأدبيات السياسية المتعارف عليها: (الحقوق السياسية والمدنية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، وقد أفرد الدستور بابًا كاملاً لهذه الحقوق (الباب الثالث)، كما جاءت هذه الحقوق في مواضع أخرى في هذا الدستور، لينطلق المجلس الأعلى للمرأة بالتعاون مع مؤسسات الدولة في وضع الاستراتيجية الوطنية لنهوض المرأة البحرينية في 2005، وبناءً عليها تتولى خطط تنفيذها، فيما تناولت الحقوق السياسية: (حق المشاركة السياسية، والتصويت، والترشح للانتخابات النيابية والبلدية، والحق في تكوين الجمعيات والنقابات، وحرية الرأي والتعبير، والحق في التقاضي والمحاكمة العادلة، والحق في حماية الأسرة، والحق في إدارة الشأن العام). وتناولت الحقوق الاقتصادية: (الحق في العمل، والحق في إدارة الأعمال، والحق في الملكية). أما الحقوق الاجتماعية فقط تناولت: (التعليم، الرعاية الصحية، السكن، والضمان الاجتماعي).
وفي الفصل الثاني: المجلس الأعلى.. حجر أساس لعمل مؤسسي وشراكة وطنية تعكس المشهد الحضاري للبحرين الحديثة، تم تناول البعد المؤسسي وبعد الشراكة الوطنية في صعود المرأة البحرينية، حيث جاء المجلس كأحد أهم مكونات المشروع الإصلاحي للملك، ليجعل للعمل النسائي كيانا مؤسسيا رسميا، هو المرجع لكل مؤسسات الدولة في كل ما يتعلق بالمرأة، ويؤسس صناعة التغيير الإيجابي نحو مجتمع يحمل رسالة حضارية لتحقيق المساواة والتوازن بين الجنسين.
وجاء هذا الفصل في ثلاثة مباحث، تناول الأول، الدور البارز لسمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم قرينة جلالة الملك في صناعة التغيير من التأسيس حتى الريادة، والبدايات الأولى لمشروع المجلس، وقراءة في الأمر السامي بإنشائه، وتشكيله في دورته الأولى، ودلالات تشكيله واختصاصاته، ومنهجية العمل وآلية إعداد الخطة الوطنية وأولويات التنفيذ وإعداد الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة، وانطلاق مرحلة التمكين 2007 – 2012، وتدشين النموذج الوطني لإدماج احتياجات المرأة في برنامج الحكومة، وتقييم الخطة الوطنية لتنفيذ استراتيجية النهوض بالمرأة 2007 – 2012، والخطة الوطنية للنهوض بالمرأة 2013 – 2022، ومنهجية إصدار توصيات المجلس وآليات المتابعة والتنفيذ، والتشاركية كمنهج صناعة وتنفيذ التوصيات، ومبادرات سمو الأميرة سبيكة لدعم وتمكين المرأة، وما اشتملت عليه من جوائز.
أما المبحث الثاني: الشراكة الوطنية.. عامل رئيسي لتغيير القناعة نحو مجتمع يحمل رسالة حضارية داعمة للمرأة، فقد تناول ثلاثة محاور: (الشراكة الوطنية، وآليات التشبيك، وتفعيل التعاون المجتمعي)، تناول الأول الملكية الوطنية لمفردات الخطة الاستراتيجية، والنموذج الوطني الذي يعزز هذه الملكية في ضوء مخرجات مؤتمر احتياجات المرأة في التنمية في نوفمبر 2010، وتقييم مرحلة التمكين، ووضع الخطة الجديدة، والمؤتمر الوطني الثاني للمرأة البحرينية 2013، وتقييم المرحلة الانتقالية ودمج خطة نهوض المرأة في برنامج عمل الحكومة، والموازنات المستجيبة لاحتياجات المرأة، ومتابعة تنفيذ سياسة التوازن بين الجنسين، والنموذج الوطني للتوازن بين الجنسين، وإدماجه في الخطة الاستراتيجية 2019 – 2022، أما محور التشبيك فشمل آليات التشبيك مع السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، ولجان تكافؤ الفرص والعضوية في اللجان والمجالس الوطنية، وتناول الثالث الاتحاد النسائي البحريني، واللقاءات التشاورية وإنشاء لجنة التعاون، ولجنة الشباب.
وجاء المبحث الثالث تحت عنوان: المرأة البحرينية من التمكين إلى التقدم والريادة.. سياسات تواكب ركب المستقبل، وتناول إدماج خطة نهوض المرأة البحرينية 2013 – 2022 في مسار العمل الحكومي، نتيجة حضور المجلس ومشاركته في الملتقى الحكومي السنوي، وورش العمل التحضيرية لبرنامج عمل الحكومة، والنموذج الوطني للتوازن بين الجنسين، وآليات الحوكمة لتطبيقات تكافؤ الفرص، وآليات التنفيذ، والتقرير الوطني للتوازن بين الجنسين.
أما المحصلة على أرض الواقع فقد وثقها الفصل الثالث: إنجازات الواقع في تنفيذ الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية وأثرها الإيجابي في المجالات التنموية.. مكاسب العهد، الذي تناول هذه المكاسب في المجالات المختلفة في أربع مباحث، الأول للمكاسب السياسية، والثاني للاقتصادية، والثالث للاجتماعية، والرابع للعلمية والثقافية، وعلى صعيد المكاسب السياسية، المرأة في السلطة التشريعية ومشاركتها في الانتخابات النيابية والبلدية من 2002 – 2022، والمرأة في المراكز القيادية ومواقع صنع القرار في مجلسي النواب (رئيسة مجلس النواب) والشورى، والمرأة في السلطة التنفيذية ومواقع صنع القرار، والمرأة في المناصب الوزارية، والعمل الدبلوماسي والأكاديمي والسلطة القضائية، وعلى صعيد المكاسب الاقتصادية كانت مشاركتها في سوق العمل، وفي القطاعين العام والخاص، والمشروعات الداعمة للمشاركة الاقتصادية لها، ومؤسسات تمويل هذه المشاركة، والمرأة في القطاع المالي والتكنولوجيا المالية، والمرأة البحرينية كسيدة أعمال والمبادرات الداعمة للمشاركة الاقتصادية للمرأة، وعلى صعيد المكاسب الاجتماعية للمرأة جاء تعزيز جودة حياتها من خلال التشريعات الداعمة للاستقرار الأسري، وحقوق المرأة المطلقة كالنفقة وحضانة الأطفال والسكن وحمايتها من العنف، والاستقرار الأسري وآلياته، والرعاية الصحية ورعاية المسنات، والمشاركة الرياضية، وتناول المبحث الرابع صعود المرأة البحرينية في مجال التعليم بفروعه ومستوياته، وما ترتب عليه من صعودها الثقافي وإبداعاتها الفنية والأدبية، وموضوعات الاحتفال بيوم المرأة البحرينية من 2008 – 2024، ثم عرض للدراسات والبحوث الداعمة لصعود المرأة البحرينية.
وجاء الفصل الرابع: تميز البحرين في عقد الشراكات الإقليمية والدولية في كل ما يخص المرأة، حيث أخذ المجلس الأعلى للمرأة، يعمل على نشر التجربة البحرينية، كنموذج في خدمة الإنسانية، يحتذى به في مجال تمكين وتقدم المرأة وضمان حقوقها، وتناول هذا الفصل في مبحثين؛ الشراكات الإقليمية والدولية، التي تعكس دبلوماسية سمو الأميرة سبيكة في ترجمة الدور الريادي للمملكة في دعم تقدم المرأة، ثم التزامها في تنفيذ الاتفاقات والمعاهدات الدولية، حيث تناول الأول، الحضور الفاعل والمبادر لسمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم، رئيسة المجلس على الصعيدين الإقليمي والدولي، وما ترتب عليه من تمثيل المرأة البحرينية في المنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة، والمشاركات الخارجية لسموها واستقبالها الوفود الدولية. فيما تناول المبحث الثاني، التزام البحرين بتنفيذ اتفاقية السيداو، ومنهاج عمل بجين، فضلاً عن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقات حقوق الطفل وذوي الإعاقة، واتفاقات منظمة العمل الدولية والمواثيق الإقليمية، وتقديمها تقارير دورية بشأن متابعة التنفيذ، كما تناول الاتفاقات الخارجية ومذكرات التفاهم الداعمة لنشاط المرأة.
وختامًا، فإن هذا الكتاب يضع بين يدي الباحثين والأكاديميين، وصناع القرار توثيقًا لمسيرة تنموية استمرت نحو ربع قرن في أحد أهم مسارات العمل الديمقراطي، وهو صعود مشاركة المرأة دون تمييز وعلى قدم المساواة في كل مجالات العمل الوطني، في رؤية تنموية تجعل صناعة التنمية في مجتمع يصبو إلى التقدم، وليدة المشاركة المتساوية لكل المواطنين في المجتمع بغض النظر عن جنسهم أو انتمائهم الديني أو المذهبي، أو مرجعيتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية، ويعد هذا التوجه أحد أهم تجليات الاستثمار في البشر الذي عدته رؤية جلالة الملك أفضل صنوف الاستثمار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك