عندما اندلعت المواجهات بين إقليم الدونباس والحكومة المركزية في أوكرانيا في عام 2014 كان السبب الرئيسي في هذه المواجهة الشرسة ثلاثة أمور أساسية كانت وراء تأجيج هذه المواجهة ودفعت بسكان إقليم الدونباس أن يعلنوا تمردهم على هذه السلطة الانقلابية الجديدة:
الأول: اتخاذ السلطة الانقلابية في كييف قرارات ومواقف عدائية ضد كل ما هو روسي بما في ذلك الثقافة الروسية واللغة الروسية على وجه التحديد ومنعها في المدارس كلغة لتعليم الطلبة في مختلف المراحل التعليمية، بل محاولة إلغاء وطمس جميع المعالم المركزية في المدن والقرى وفي الساحات في الدونباس بما في ذلك الرموز النضالية ضد النازية في الحرب الوطنية العظمى (1942 – 1945) وحتى رموز الثقافة والآداب الروسية التي تحظى باهتمام واحترام في مختلف أنحاء العالم باعتبارها جزءا من الإرث الأدبي والإبداعي والإنساني العالمي.
الثاني: استخدام القوة القمعية ضد سكان هذا الإقليم وغالبيتهم العظمى من أصول روسية والتنكيل بهم خاصة بعد الانقلاب على الحكومة الأوكرانية الشرعية التي وعدت بالنظر في مطالب سكان الدونباس الذين صوتوا لها في تلك الانتخابات ووصول الانقلابين وأغلبهم من النازيين للحكم مما بث حالة من اليأس والغضب بين سكان هذا الإقليم وجعلهم يقومون بعمليات احتجاج واسعة النطاق واجهتها السلطة الانقلابية الجديدة بالقمع والتنكيل بل حتى بالقصف بالطيران من الجو مما أدى إلى لجوء السكان لطلب الدعم الروسي للدفاع عن مدنهم وقراهم بل وعن حياتهم وأسرهم وأولادهم ومدارسهم ومستشفياتهم وغيرها.
الثالث: القرار العدائي وغير المقبول بكل المعايير بحظر الكنيسة الأرثوذكسية المرتبطة بروسيا الاتحادية وذلك بعد اعتماد البرلمان الأوكراني قانونا بهذا الأمر مباشرة بعد سنة من اندلاع المواجهات وبدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا وذلك كنوع من رد الفعل الذي عزز مخاوف سكان الدونباس وخاصة أن هذا الموقف فيه محاولة غريبة لتدمير العقيدة الأرثوذكسية والتنكيل برجال الدين الذين يقومون على خدمتها بل وترحيب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في حينها واعتباره تصويت البرلمان على هذا القرار بالتاريخي الذي يستبعد الأرثوذكسية الروسية من أوكرانيا وشكل هذا القرار سببا آخر إضافيا لابتعاد سكان الدونباس عن الدولة الأوكرانية حيث فقدت الكنيسة المستهدفة اتباعها في ظل تأجيج المشاعر الوطنية الأوكرانية بثيابها النازية المتطرفة في مواجهة روسيا الاتحادية بعد إن كانت هذه الكنيسة الأرثوذكسية الشعبية في أوكرانيا باعتبار أن أغلب الشعب الأوكراني هم على هذا المذهب الأرثوذكسي فقد شكل هذا القانون الذي فرضه زيلينسكي الضربة القاضية للمصالحة الممكنة بين سكان الدونباس والحكومة الأوكرانية المركزية وإن كان الهدف الظاهري هو قطع الصلة الروحية بين الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا والكنسية الأرثوذكسية في روسيا وإنشاء كنيسة أرثوذكسية مستقلة عن روسيا فإن الهدف واضح تماما وهو تغيير الوجه الروحي الجامع بين الشعبين الروسي والأوكراني والأخطر من ذلك عمليات الاضطهاد غير الأخلاقية التي شهدها العالم ضد رجال الدين الأرثوذكسيين القائمين على الكنيسة الروسية والاعتداء عليهم في محاولة للقضاء على هذه الكنيسة واستبدالها بكنيسة مزيفة بعد الادعاء في ذلك الوقت بأن 50% من الأوكرانيين يؤيدون هذا القرار وإن 4% فقط يعارضونه والبقية لا رأي لهم.
إن هذه العوامل الثلاثة التي ذكرناها إضافة إلى وجود جماعات متطرفة في الداخل الأوكراني والدعاية الغربية المعادية لروسيا الاتحادية خلقت مثل هذه الأجواء التي جعلت ارتباط الدونباسيين إن صح التعبير بأوكرانيا أمرا مستحيلا ولذلك أيدت الأغلبية الساحقة خلال الاستفتاء الذي نظمته روسيا بالانضمام إلى روسيا الاتحادية بشكل نهائي ولم يعد هنالك من مجال للعودة إلى الوراء بعد الانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان المدنية والثقافية المنصوص عليها في القانون الدولي ونتيجة لذلك كله فإن هذا الانفصال لا عودة عنه في المستقبل كما أسلفنا.
لقد أخطأت أوكرانيا في عدم الحفاظ على جزء مهم من كيانها وسيادة أراضيها السابقة في إقليم الدونباس وذلك لسماحها باستعمال قوة السلاح المفرطة في مواجهة احتجاجات أبناء هذا الإقليم الغني بالخيرات المادية وترك الحبل على الغارب للقوى والجماعات النازية المتطرفة التي لا تخفي شعاراتها النازية المعادية، بل خدع النظام السياسي في كييف من قبل الغرب الذي منعه حتى من توقيع اتفاقية السلام التي كانت ستنهي الحرب في مارس 2022 قبل أن تستفحل هذه الحرب والتي أدت إلى انضمام إقليم الدونباس إلى روسيا الاتحادية بشكل نهائي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك