العدد : ١٧٠٧٤ - السبت ٢١ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٤ - السبت ٢١ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المحاولات الأوكرانية لطمس الهوية الروسية

بقلم: د. نبيل العسومي

السبت ٢١ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

عندما‭ ‬اندلعت‭ ‬المواجهات‭ ‬بين‭ ‬إقليم‭ ‬الدونباس‭ ‬والحكومة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬الشرسة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أمور‭ ‬أساسية‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬تأجيج‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬ودفعت‭ ‬بسكان‭ ‬إقليم‭ ‬الدونباس‭ ‬أن‭ ‬يعلنوا‭ ‬تمردهم‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬السلطة‭ ‬الانقلابية‭ ‬الجديدة‭:‬

الأول‭: ‬اتخاذ‭ ‬السلطة‭ ‬الانقلابية‭ ‬في‭ ‬كييف‭ ‬قرارات‭ ‬ومواقف‭ ‬عدائية‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬روسي‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الثقافة‭ ‬الروسية‭ ‬واللغة‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬ومنعها‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬كلغة‭ ‬لتعليم‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المراحل‭ ‬التعليمية،‭ ‬بل‭ ‬محاولة‭ ‬إلغاء‭ ‬وطمس‭ ‬جميع‭ ‬المعالم‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬وفي‭ ‬الساحات‭ ‬في‭ ‬الدونباس‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الرموز‭ ‬النضالية‭ ‬ضد‭ ‬النازية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الوطنية‭ ‬العظمى‭ (‬1942‭ ‬‭ ‬1945‭) ‬وحتى‭ ‬رموز‭ ‬الثقافة‭ ‬والآداب‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬باهتمام‭ ‬واحترام‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬باعتبارها‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الإرث‭ ‬الأدبي‭ ‬والإبداعي‭ ‬والإنساني‭ ‬العالمي‭.‬

الثاني‭: ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬القمعية‭ ‬ضد‭ ‬سكان‭ ‬هذا‭ ‬الإقليم‭ ‬وغالبيتهم‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬روسية‭ ‬والتنكيل‭ ‬بهم‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الشرعية‭ ‬التي‭ ‬وعدت‭ ‬بالنظر‭ ‬في‭ ‬مطالب‭ ‬سكان‭ ‬الدونباس‭ ‬الذين‭ ‬صوتوا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الانتخابات‭ ‬ووصول‭ ‬الانقلابين‭ ‬وأغلبهم‭ ‬من‭ ‬النازيين‭ ‬للحكم‭ ‬مما‭ ‬بث‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬اليأس‭ ‬والغضب‭ ‬بين‭ ‬سكان‭ ‬هذا‭ ‬الإقليم‭ ‬وجعلهم‭ ‬يقومون‭ ‬بعمليات‭ ‬احتجاج‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬واجهتها‭ ‬السلطة‭ ‬الانقلابية‭ ‬الجديدة‭ ‬بالقمع‭ ‬والتنكيل‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬بالقصف‭ ‬بالطيران‭ ‬من‭ ‬الجو‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬لجوء‭ ‬السكان‭ ‬لطلب‭ ‬الدعم‭ ‬الروسي‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬مدنهم‭ ‬وقراهم‭ ‬بل‭ ‬وعن‭ ‬حياتهم‭ ‬وأسرهم‭ ‬وأولادهم‭ ‬ومدارسهم‭ ‬ومستشفياتهم‭ ‬وغيرها‭. ‬

الثالث‭: ‬القرار‭ ‬العدائي‭ ‬وغير‭ ‬المقبول‭ ‬بكل‭ ‬المعايير‭ ‬بحظر‭ ‬الكنيسة‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬اعتماد‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوكراني‭ ‬قانونا‭ ‬بهذا‭ ‬الأمر‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬المواجهات‭ ‬وبدء‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وذلك‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬الذي‭ ‬عزز‭ ‬مخاوف‭ ‬سكان‭ ‬الدونباس‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬فيه‭ ‬محاولة‭ ‬غريبة‭ ‬لتدمير‭ ‬العقيدة‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬والتنكيل‭ ‬برجال‭ ‬الدين‭ ‬الذين‭ ‬يقومون‭ ‬على‭ ‬خدمتها‭ ‬بل‭ ‬وترحيب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬فلاديمير‭ ‬زيلينسكي‭ ‬في‭ ‬حينها‭ ‬واعتباره‭ ‬تصويت‭ ‬البرلمان‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬بالتاريخي‭ ‬الذي‭ ‬يستبعد‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وشكل‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬سببا‭ ‬آخر‭ ‬إضافيا‭ ‬لابتعاد‭ ‬سكان‭ ‬الدونباس‭ ‬عن‭ ‬الدولة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬حيث‭ ‬فقدت‭ ‬الكنيسة‭ ‬المستهدفة‭ ‬اتباعها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تأجيج‭ ‬المشاعر‭ ‬الوطنية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬بثيابها‭ ‬النازية‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بعد‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الكنيسة‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬هم‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المذهب‭ ‬الأرثوذكسي‭ ‬فقد‭ ‬شكل‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬فرضه‭ ‬زيلينسكي‭ ‬الضربة‭ ‬القاضية‭ ‬للمصالحة‭ ‬الممكنة‭ ‬بين‭ ‬سكان‭ ‬الدونباس‭ ‬والحكومة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬المركزية‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬الظاهري‭ ‬هو‭ ‬قطع‭ ‬الصلة‭ ‬الروحية‭ ‬بين‭ ‬الكنيسة‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والكنسية‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬وإنشاء‭ ‬كنيسة‭ ‬أرثوذكسية‭ ‬مستقلة‭ ‬عن‭ ‬روسيا‭ ‬فإن‭ ‬الهدف‭ ‬واضح‭ ‬تماما‭ ‬وهو‭ ‬تغيير‭ ‬الوجه‭ ‬الروحي‭ ‬الجامع‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬الروسي‭ ‬والأوكراني‭ ‬والأخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عمليات‭ ‬الاضطهاد‭ ‬غير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬ضد‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الأرثوذكسيين‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬الكنيسة‭ ‬الروسية‭ ‬والاعتداء‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الكنيسة‭ ‬واستبدالها‭ ‬بكنيسة‭ ‬مزيفة‭ ‬بعد‭ ‬الادعاء‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬بأن‭ ‬50%‭ ‬من‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬يؤيدون‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬وإن‭ ‬4%‭ ‬فقط‭ ‬يعارضونه‭ ‬والبقية‭ ‬لا‭ ‬رأي‭ ‬لهم‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬ذكرناها‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬جماعات‭ ‬متطرفة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الأوكراني‭ ‬والدعاية‭ ‬الغربية‭ ‬المعادية‭ ‬لروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬خلقت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأجواء‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬ارتباط‭ ‬الدونباسيين‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬أمرا‭ ‬مستحيلا‭ ‬ولذلك‭ ‬أيدت‭ ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬خلال‭ ‬الاستفتاء‭ ‬الذي‭ ‬نظمته‭ ‬روسيا‭ ‬بالانضمام‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هنالك‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاكات‭ ‬البشعة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬المدنية‭ ‬والثقافية‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬ونتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬كله‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الانفصال‭ ‬لا‭ ‬عودة‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭.‬

لقد‭ ‬أخطأت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬كيانها‭ ‬وسيادة‭ ‬أراضيها‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬الدونباس‭ ‬وذلك‭ ‬لسماحها‭ ‬باستعمال‭ ‬قوة‭ ‬السلاح‭ ‬المفرطة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬احتجاجات‭ ‬أبناء‭ ‬هذا‭ ‬الإقليم‭ ‬الغني‭ ‬بالخيرات‭ ‬المادية‭ ‬وترك‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭ ‬للقوى‭ ‬والجماعات‭ ‬النازية‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخفي‭ ‬شعاراتها‭ ‬النازية‭ ‬المعادية،‭ ‬بل‭ ‬خدع‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬كييف‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬منعه‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬السلام‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ستنهي‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2022‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تستفحل‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬انضمام‭ ‬إقليم‭ ‬الدونباس‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا