مع اقتراب نهاية عام 2024، أصدرت المؤسسات الغربية الرائدة والمعلقون على سوق الطاقة العالمية توقعاتهم لعام 2025 وما بعده. وفي وقت يشهد فيه سعر النفط الخام هبوطا نتيجة ضعف الطلب في آسيا، ومع تأثير التوترات الجيوسياسية المستمرة في الشرق الأوسط على رفع الأسعار بشكل طفيف؛ لم يكن قرار مجموعة «أوبك بلس»، خلال اجتماعها النصف السنوي لوزراء الطاقة في أوائل ديسمبر2024 بالإبقاء على تأجيل التخفيف التدريجي لتخفيضات الإنتاج السابقة حتى أبريل 2025 مفاجئًا للمراقبين الغربيين.
وفي تقييم تيم كالين من معهد دول الخليج العربي، فإن توقعات سوق النفط العالمية في 2025، ستشكل تحديًا لأعضاء أوبك بلس، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك، رأى أن احتمالية فرض عقوبات أكثر صرامة، على صادرات النفط الإيرانية من قبل إدارة ترامب، الثانية التي ستتولى في يناير المقبل، قد تخلق مساحة لزيادة الإنتاج، من قبل دول أخرى داخل المجموعة.
وقبيل اجتماع وزراء طاقة أوبك بلس، في الخامس من ديسمبر 2024، أوضح كالين، أن القرارات الصعبة التي سيتعين على المجموعة التعامل معها الآن وفي المستقبل تأتي على خلفية ضعف نمو الطلب العالمي على النفط، مقارنةً بما كان متوقعًا في السابق، بالإضافة إلى الاستمرار في زيادة العرض من دول خارج التحالف.
وأظهرت أحدث توقعات وكالة الطاقة الدولية، تحقق فائض عالمي من النفط يبلغ حوالي 950 ألف برميل يوميًا في 2025، مع نمو الطلب على النفط بمقدار 1.1 مليون برميل يوميًا، ليصل إلى نحو 104 ملايين برميل، مع تحسن زيادة متوقعة في العرض تقدر بحوالي 1.9 مليون برميل يوميًا، ليصل إلى إجمالي 104.9 ملايين برميل يوميًا، كما تتوقع أن ينمو العرض بمقدار 1.5 مليون برميل يوميًا من الدول غير الأعضاء في أوبك بلس، مثل الولايات المتحدة، وكندا، والبرازيل، والأرجنتين، وجيانا. فيما أجرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تقييمات مماثلة مشيرة إلى أن 90% من الزيادة المتوقعة في إمدادات النفط، التي تبلغ 1.6 مليون برميل يوميًا، ستأتي من دول غير الأعضاء في كل من أوبك بلس، وأوبك، مع زيادة قدرها 1.2 مليون برميل يوميًا من الموردين خارج أوبك بلس.
وبالتالي، يُعتبر من التوقعات الواقعية، أن تستمر زيادة إمدادات النفط من المنتجين خارج أوبك بلس في تلبية، أو تجاوز النمو في الطلب العالمي على النفط في 2025. وفي هذا السياق، يرى كالين، أن سوق النفط العالمية، قد تواجه صعوبة في استيعاب الإمدادات الإضافية الكبيرة من دول التحالف دون أن يؤدي ذلك إلى تراجع ملحوظ في الأسعار.
وفي حين تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أن يبلغ متوسط سعر خام برنت حوالي 74 دولارًا للبرميل في 2025؛ فقد أعلنت مؤسسة مورجان ستانلي توقعاتها بمتوسط 70 دولارًا للبرميل في النصف الثاني من العام المقبل، كاستجابة مباشرة لزيادة الإنتاج المتأخرة من أوبك بلس. وفي هذا السياق، أشار كالين إلى أنه حتى التوقعات الأكثر تفاؤلاً من أوبك، تشير إلى أنه لن يكون هناك مجال كبير للتحالف لزيادة الإنتاج في 2025، دون المخاطرة بتراجع أسعار النفط من نطاقها الحالي الذي يتراوح بين 70 و75 دولارًا للبرميل.
علاوة على ذلك، من المتوقع أيضًا أن يتأثر سوق الطاقة العالمي في عام 2025، بكيفية تعامل إدارة دونالد ترامب القادمة، مع كل من الإنتاج المحلي الأمريكي للنفط، والسياسة الدولية الأمريكية تجاه الموردين الرئيسيين الآخرين، بما في ذلك دول منطقة الشرق الأوسط. وأشارت تسفيتانا باراسكوفا، من موقع أويل برايس، إلى كيف أن فريقه يستعد لإجراء تغييرات جذرية في قطاع الطاقة الأمريكي بدءًا من اليوم الأول، من توليه منصبه، أبرزها تسريع عمليات الحفر والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن يحظى التركيز على الغاز الطبيعي المسال، بالأولوية في قرارات السياسة الأمريكية؛ فقد أشار وارن باترسون، من شركة آي أن جي جروب، إلى كيف ستوفر رئاسة ترامب، القادمة مزيدًا من اليقين لصناعة النفط الأمريكية، وتقنع كبار المنتجين بالاستثمار في البنية التحتية لخطوط الأنابيب.
وفيما يتعلق بالمستقبل القصير والمتوسط الأجل لصادرات النفط في الشرق الأوسط؛ فقد صاحبت عودة ترامب، توقعات بأنه سيعيد السياسة الأمريكية إلى موقف الضغط على إيران. ورغم انتقاد العديد من المعلقين الغربيين لهذه السياسة، مثل دانيال برومبرج، من المركز العربي، الذي وصفها بأنها من غير المرجح أن تحقق النتيجة المرجوة المتمثلة في إجبار طهران على التخلي عن برنامجها النووي المتقدم؛ فقد أكد كالين، كيف ستغير هذه السياسات حسابات أسواق النفط في عام 2025 وما بعده من خلال الحد من وصول صادرات طهران إلى السوق الدولية، وخاصة الدول الآسيوية التي تعد أيضًا من بين أكبر مستوردي النفط من دول الخليج.
وكما ورد في تقرير وكالة معلومات الطاقة الأمريكية، عن صادرات النفط والمنتجات البترولية الإيرانية لشهر أكتوبر 2024، ارتفعت صادرات طهران اليومية من النفط الخام من حوالي 400 ألف برميل يوميًا في عام 2019، إلى أكثر من 1.4 مليون برميل يوميًا في عام 2023، على الرغم من أن روبرت بيركنز، من شركة ستاندرد آند بورز غلوبال؛ أشار أيضًا إلى تباطؤ هذه الصادرات في خريف 2024؛ بسبب تصعيد طهران للهجمات ضد إسرائيل.
وعليه، فقد أشار باترسون، إلى أن فرض ترامب عقوبات صارمة على صادرات النفط الإيرانية، قد يؤدي إلى خسارة محتملة لأكثر من مليون برميل يوميًا من المعروض في أسواق النفط، وهو ما اعتبره إجراء سيؤدي إلى محو الفائض الذي نتوقعه حاليًا حتى عام 2025، مما يستدعي من جميع المؤسسات إعادة تقييم توقعاتها لخام برنت. وعلق كالين، على أن العقوبات الأمريكية الأكثر صرامة ضد طهران قد تفتح المجال أمام أوبك بلس، لزيادة إنتاجها في عام 2025، مشيرًا إلى أن السعودية ستكون في وضع جيد بشكل خاص للتدخل وتعزيز صادراتها، مع كون الصين السوق الرئيسية لصادرات النفط الإيراني.
وفي حين توقعت الوكالة الدولية للطاقة، ووكالة معلومات الطاقة الأمريكية، وأوبك، أن يرتفع الطلب العالمي على النفط في عام 2025 بنحو مليون برميل يوميًا، وهو ما يقوده زيادة في الإنتاج من قبل الدول غير الأعضاء في أوبك؛ أكد كالين، كيف يمكن أن تؤثر العقوبات الأمريكية المستعادة والإضافية ضد صادرات النفط الإيرانية على إنتاج أعضاء أوبك بلس، وتغيير موقفهم حيال ترددهم الحالي في تخفيف تخفيضات الإنتاج، وأن تكون مؤثرة على دول الخليج، التي ستستفيد على الأقل في الأمد القريب من خلال سد فجوة هائلة في الطلب على النفط من آسيا.
وبعيدًا عن هذه الديناميكية، شدد المراقبون الغربيون على أن عودة الإدارة الجمهورية إلى البيت الأبيض، تعتبر عاملاً مؤثرًا، للغاية في التجارة والجغرافيا السياسية. ومع عودة ترامب، التي تَعِد بتغييرات كبيرة في تجارة الولايات المتحدة وسياستها الخارجية؛ أشار باترسون إلى أن التنافس التجاري المتزايد من المرجح أن يوفر رياحًا معاكسة لأسعار الطاقة، وخاصة إذا تداخلت تجارة الطاقة في التوترات المتزايدة بين واشنطن، وبكين. من ناحية أخرى، فإن أي خفض لتصعيد العنف في الشرق الأوسط، من شأنه أن يخفف من المخاطر الكبيرة تجاه أسواق النفط والغاز.
على الجانب الآخر، حذر كالين من أن أي ضوء أخضر من البيت الأبيض لإسرائيل لضرب إيران مرة أخرى قد يتبعه رد فعل من الأخيرة بمهاجمة منشآت النفط في المنطقة، أو تعطيل حركة الشحن والملاحة وهي الإجراءات التي أقر بأنها ستؤثر سلبًا على صادرات النفط الخليجية، وتؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط.
وبالتالي، سيكون عام 2025 مليئًا بالأحداث بالنسبة لدول الخليج، وبقية أعضاء مجموعة أوبك بلس، وكذلك لجميع الدول المصدرة والمستوردة للنفط الخام والهيدروكربونات، وسيتضمن بلا شك العديد من العوامل الديناميكية، التي ستؤثر على تغيرات الأسعار، لكنه يفتقر إلى مسار واضح نحو استقرار السوق على المدى الطويل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك