عام 2024 هو السنة الثالثة في تنفيذ خطة التعافي الاقتصادي 2022-2026، التي تضع البحرين على طريق النمو المستدام، كاقتصاد غير نفطي، يتمتع بالتنوع والمرونة، متوجه إلى الارتقاء بالمستوى المعيشي لمواطنيه، وما حققه القطاع غير النفطي من صعود عبر السنوات الماضية، جعله يقود نمو الاقتصاد في 2024.
ورغم حالة عدم اليقين السائدة في الاقتصاد العالمي، والأحوال الجيوسياسية غير المستقرة في المنطقة والعالم؛ فإن «صندوق النقد الدولي»، في آخر تقدير له في أكتوبر الماضي، توقع أن يحقق الاقتصاد البحريني معدل نمو 3% لهذا العام، بعد أن سيطر على معدل التضخم الذي ظل منخفضًا عند مستوى 1.2%، فيما أصبح القطاع غير النفطي يشكل 85.2% من الناتج المحلي الإجمالي، متجهًا إلى 90% في 2027، كما أشاد «الصندوق» بالتنويع الاقتصادي الذي أحرزته المملكة، وبالإصلاحات الاقتصادية التي تعزز النمو وتجعله أكثر استدامة، وبإطلاق الصفحة الوطنية لنشر البيانات الموجزة، التي عبرت عن التزام المملكة بتحسين جودة البيانات والشفافية.
وطبقًا لـ«هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية»، أكدت بيانات الربع الثاني لعام 2024 صدق تقدير «صندوق النقد الدولي»، وسجلت نمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 2.8%، في مقابل تراجع الأنشطة النفطية بنسبة 6.7% نتيجة انخفاض إنتاج حقل أبو سعفة، بينما كان الربع الأول من العام قد شهد نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.3% على أساس سنوي، مع توقع أن يرتفع النمو إلى 3.8% في 2025، وظلت الأنشطة المالية والتأمين تتصدر مكونات الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 17.6%، وشكلت مع التصنيع أكبر المساهمين في الاقتصاد، وبلغت نسبة الإنجاز في مشروع تطوير مصفاة البحرين 97%، وحقق نشاط النقل والتخزين النمو الأعلى بالأسعار الثابتة بواقع 12.9%، يليه نشاط الاتصالات 11%، ثم السياحة بنسبة 10.6%، فيما أدخلت الحكومة إصلاحات مالية لتعزيز الإيرادات، والحد من معوقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وخلق المزيد من فرص العمل، وارتفع رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر بنهاية الربع الثاني بنسبة 9% على أساس سنوي ليبلغ 16.6 مليار دينار.
وهذا التقدم في أداء الاقتصاد البحريني في 2024 جعله يحتل المرتبة 18 عالميًا من أصل 193 دولة، ضمن مسح الحكومة الإلكترونية 2024 الصادر عن «إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة». وفي «مؤشر الأمن السيبراني العالمي»، الصادر عن «الاتحاد الدولي للاتصالات»، جاءت المملكة ضمن الفئة الأولى «نموذج رائد»، وحققت العلامة الكاملة في 4 من 5 محاور يقيسها التقرير. ووفقا لتقرير «المنتدى الاقتصادي العالمي»، تحت عنوان «مستقبل النمو 2024»، غدت البحرين تتجاوز المتوسط العالمي في مؤشرات المواهب والابتكار، والثانية خليجيًا، والرابعة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وشملت الأبعاد التي تجاوزت فيها المتوسط العالمي؛ (البنية الداعمة للمواهب، وتوافر المواهب، والمواهب الرقمية والتقنية، والبنية الداعمة للخدمات المالية، وتوافر المشروعات الاستثمارية والتمويل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة على المدى البعيد، والمدفوعات الرقمية، والبنية الداعمة للتقنية وصادرات الخدمات، والاستثمار في إعادة تأهيل المواهب، والبنية الداعمة للموارد، وجودة البنية التحتية، والبيئة الداعمة للمؤسسات، والتكيف الحكومي على المستوى المؤسسي والشمولية وتنوع القوى العاملة والوصول إلى الخدمات المالية).
ويرجع تقدم المملكة في هذه المؤشرات إلى ما حققته في مجال جودة التعليم، خلال أكثر من عِقدين، وهو ما اتضح من نتائج أداء الطلاب في تقييمات التعليم الدولية. وعليه، توقعت مديرة «البنك الدولي»، في دول مجلس التعاون الخليجي، أن يحقق الاقتصاد البحريني نموًا في 2024 يبلغ 3.5%، بدعم من القطاعات غير النفطية، التي قدرت نموها بنسبة 3.9% مدعومًا بتعافي قطاعي السياحة والخدمات، واستمرار تنفيذ مشروعات البنية التحتية، والآن تجني المملكة ثمار استثماراتها في التعليم، وتنمية رأس المال البشري في تحقيق الاستدامة الاقتصادية على المدى الطويل، وتعزيز جهود التنويع الاقتصادي.
وإذا كان يُعزى إلى «جودة التعليم» التقدم في مسار تنويع الاقتصاد البحريني، فإلى جانبه سياسة «الحرية الاقتصادية»، التي انتهجتها الحكومة، والتي جعلتها تحتل المرتبة 54 عالميًا من أصل 184 دولة في تقرير الحرية الاقتصادية 2024، الصادر عن مؤسسة «هريدتج»، والرابعة على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث إن درجة الحرية الاقتصادية التي تنعم بها أعلى من المتوسطات العالمية والإقليمية، ويشير التقرير إلى تمتعها بأداء جيد للغاية في العديد من ركائز الحرية الاقتصادية، فالإطار العام للاستثمار مبسط، ونظام القانون التجاري واضح، فيما تظل البلاد مركزًا تجاريًا ديناميكيًا، ويدعم انفتاحها على التجارة العالمية بيئة تنظيمية تنافسية.
وفيما تتعدد الفرص في القطاعات غير النفطية، التي يؤدي استثمارها إلى تضاعف إسهام هذه القطاعات في الاقتصاد الوطني، فقد شهدت النسخة الثانية من منتدى «بوابة الخليج 2024» في نوفمبر الماضي، استعراض العديد من هذه الفرص، وفيها بينت وزيرة السياحة استقطاب البحرين 16 من أبرز الفنادق العالمية، لافتتاح فروع لها في المملكة خلال الفترة 2024 - 2026، ما يضيف أكثر من 3 آلاف غرفة فندقية جديدة، ويعكس المكانة المتنامية لها كوجهة سياحية مفضلة ومتنوعة، قادرة على تلبية طلبات الزوار من مختلف الفئات، فيما شهد عام 2024 إضافة عدد من فنادق الأربع والخمس نجوم للمشهد السياحي.
وفي تقرير لمجلة «ترافيل آند تور وورلد»، توقع أن تجتذب البحرين ما يقرب من 14 مليون زائر بحلول 2028، فيما بلغ عدد هؤلاء الزوار 12.5 مليون زائر في 2023، وأن ترتفع إيرادات السياحة من 3.1 مليارات دولار في 2023، إلى 3.6 مليارات دولار في 2028. ومن المعلوم أن استراتيجية قطاع السياحة قد استهدفت 14.1 مليون زائر في 2026، وتعزيز حصة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي في هذا العام إلى 11.4%، وفي إطار تنفيذ هذه الاستراتيجية استضافت المملكة في أكتوبر مؤتمر «رودس وورلد» للنقل الجوي، الذي شارك فيه أكثر من 2300 ممثل عن شركات الطيران السياحة والسفر من مختلف دول العالم.
ويلعب «مركز البحرين العالمي للمعارض»، الذي حصد جائزة أفضل مركز معارض جديد في العالم في 2015، «دورًا محوريًا»، في جذب سياحة المعارض والمؤتمرات وسياحة الأعمال، التي تعدّ أحد منافذ تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر. وخلال النصف الأول من 2024، زاد عدد زوار المملكة بنسبة 45%، مقارنة بمثيله في 2019، فيما ركزت البحرين لتحقيق هذه الزيادة على تنويع المنتج السياحي والترفيهي، وجهود الترويج الإقليمي والدولي، وأثبتت صدق شعار «المنامة عاصمة السياحة الخليجية 2024»، باعتبار أن المنامة بوابة للسياحة لمنطقة الخليج العربي، لما تملكه من تاريخ عريق في احتضان مختلف الزوار من الشرق والغرب، ويعكس ما توليه «المملكة» للسياحة من أولوية قصوى، إدراكًا لدورها المحوري في مسيرة التنمية المستدامة، ولهذا أطلقت «هيئة البحرين للسياحة والمعارض»، العديد من المبادرات والمهرجانات الترفيهية على مدى العام.
أما «قطاع التصنيع»، الذي يُعوّل عليه أيضًا في تحقيق التنمية المستدامة، فقد شهد في عام 2024 إطلاق العديد من المبادرات لتحفيز البيئة الاستثمارية، وخاصة للاستثمارات ذات القيمة المضافة الأعلى، والمشاريع ذات الجودة العالية والأثر الاقتصادي الملموس، كما تم إطلاق «صندوق تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة»، بقيمة نحو 100 مليون دينار، بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبإدارة من بنك البحرين للتنمية، ودعم من صندوق العمل تمكين، وبالتعاون مع عدد من المؤسسات المصرفية الرائدة محليًا وإقليميًا كبنك البحرين الوطني، وبنك السلام، وبنك البحرين والكويت، وخليجي بنك؛ بهدف تسريع وتيرة نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر العمود الفقري في الاقتصادات العالمية المتقدمة.
وفي إطار استراتيجيتها (2022 - 2026)، تتجه وزارة الصناعة والتجارة إلى إنشاء صندوق وطني للتنمية الصناعية؛ بهدف تعزيز التصنيع المتقدم، وتحفيز الإنتاج الأخضر، وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية، ورقمنة التصنيع، وتبني أفضل الممارسات المتعلقة بالاستدامة، وما يعزز نمو الأداء التصديري ويفتح المجال للمبتكرين والمصنعين، فيما يمضي استكمال أعمال البنية التحتية للمرحلة الأولى من منطقة التجارة الأمريكية، التي يُعول عليها في استقطاب كبريات الشركات الأمريكية للاستثمار، وتوسيع أعمالها في المنطقة، في إطار اتفاقية التجارة الحرة القائمة، والاتفاقية الشاملة للتكامل الأمني والازدهار بين المملكة والولايات المتحدة، إضافة إلى انتهاء المخططات للمنطقة المخصصة للصناعات التحويلية في قطاع الألمنيوم في ظل وجود أكبر مصهر للألمنيوم في العالم خارج الصين.
على العموم، مسار الاقتصاد البحريني في 2024 يمضي على طريق تحقيق النمو المستدام، ويعزز تحرير هذا الاقتصاد من الاعتماد المفرط على قطاع النفط؛ ما يسهم في تحقيق أقصى درجات التشغيل لقواه العاملة، باعتبار القطاعات المستهدفة هي قطاعات كثيفة الاستخدام للعمالة على خلاف القطاع النفطي، لتودع البحرين بهذا النمو ظاهرة البطالة بين الشباب، وتنأى بنفسها عن أثر تقلبات أسعار النفط، التي كثيرًا ما عطلت مسيرتها التنموية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك