صباح يوم الثامن من ديسمبر الجاري؛ استفاق العالم على في تطور تاريخي وسريع في سوريا، حيث أعلن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، بعد أكثر من عقد من الصراعات والتدخلات الخارجية، والتي تركت آثارها على الداخل السوري عبر عشرات آلاف القتلى وملايين النازحين والمهجرين، إلى جانب تدمير أغلب البنى التحتية في كل الأنحاء السورية.
ورغم أن هذا السقوط السريع جاء بعد سنوات طويلة من المعاناة؛ فإنه يطرح أسئلة جدية حول قدرة الدول العربية على منع البلاد من الانزلاق إلى مزيد الفوضى، وتجنب سيناريوهات مشابهة للعراق وليبيا واليمن، حيث أدى غياب الرؤية الواضحة والتأخر في التدخل إلى تحولها إلى دول فاشلة، وترك آثاره السلبية على الداخل والجوار على حد سواء.
واستذكاراً لما جرى؛ فقد أدى انهيار نظام صدام حسين في العراق إلى فراغ أمني وسياسي استغلته الجماعات المتطرفة والدول الطامحة، وتحولت البلاد إلى ساحة صراع طائفي وتدخلات أجنبية. كذلك الأمر في ليبيا؛ فقد ساهم غياب الدعم العربي الجادّ بعد سقوط نظام القذافي في انحدار البلاد إلى الفوضى، لتصبح ساحة لصراعات إقليمية ودولية. وهو ذات الأمر الذي تكرر في اليمن، عندما تأخر التدخل العربي في مواجهة الانقلاب الحوثي، ما أدى إلى حرب طاحنة وأزمة إنسانية خانقة لا تزال البلاد تعاني منها إلى اليوم.
اليوم تقف سوريا أمام منعطف مماثل؛ فمع انهيار النظام، يواجه العرب تحديًا مزدوجًا؛ إدارة المرحلة الانتقالية إلى جانب ضمان عدم تحول البلاد إلى بؤرة صراعات مسلحة أو ساحة نفوذ لقوى أجنبية متناحرة.
على أرض الواقع؛ قامت بعض الدول العربية بالفعل بإعلان فتح سفاراتها في دمشق، وهو تحرك قد يشي برغبة عربية في استعادة دورها في إدارة الملف السوري، لكنها تظل خطوات محدودة ما لم تدعم بخطة شاملة لإعادة بناء الدولة، والحرص على أن تبقى سوريا بعيدة عن التجاذبات الدولية وأطماع بعض دول الجوار، والتي كانت تعتبر سوريا جزءًا من توابعها وحديقتها الخلفية.
سوريا بعد سقوط نظام الأسد ليست فقط دولة منهكة أمنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، بل هي أيضًا ميدان تتصارع فيه مصالح قوى إقليمية ودولية كبرى، من روسيا وإيران إلى تركيا والولايات المتحدة، ومن دون تنسيق عربي موحد وموقف قوي، قد تجد سوريا نفسها أمام فراغ أمني وسياسي مشابه لما حدث في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي.
في خضم هذه التحولات، برز أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام، بشكل جديد ومغاير، ظهوره الأخير كان بمظهر مغاير ولغة خطاب تصالحية، وايضاً باسم جديد، أثار التساؤلات حول نواياه، إذ يبدو أنه يسعى لتقديم نفسه كقائد يمكنه لعب دور في المرحلة المقبلة، وربما يحاول خطب ودّ الدول العربية والمجتمع الدولي.
لكن القبول بالجولاني أو التعامل معه يظل موضوعًا حساسًا، وخاصة أن تاريخه مرتبط بجماعات متطرفة، وهو ما يفرض على العرب والمجتمع الدولي الحذر الشديد في التعامل مع هذا الملف لتجنب تكرار أخطاء الماضي.
سيناريوهات كثيرة ومتعددة يمكن رسمها لطبيعة التدخلات العربية في سوريا لانتشالها من الفوضى التي يمكن أن تعصف بها، وهو ما يتوقف على مجموعة من العوامل التي يأتي على رأسها وجود رؤية عربية موحدة؛ إذ لا يمكن للعرب تحقيق الاستقرار في سوريا من دون خطة مشتركة تشمل دعم الحكومة الانتقالية وإعادة بناء مؤسسات الدولة، إلى جانب إعادة دمج سوريا عربيًا مع العمل على الحد من تدخل أي قوى أجنبية متصارعة على أراضيها، ومن المهم أيضًا التركيز في التعامل مع المعارضة المعتدلة وعزل الجماعات المتطرفة وإيجاد حلول جذرية لمشكلة الفصائل المسلحة، وأخيراً إعادة الإعمار التي تتطلب دعم الاقتصاد السوري وإعادة اللاجئين، وهما من أولويات إعادة البناء.
سقوط نظام بشار الأسد يمثل نقطة تحول في التاريخ السوري والعربي، لكنه في الوقت ذاته اختبار حقيقي لقدرة الدول العربية على إدارة الأزمات. تجنب سيناريو الفوضى الشاملة يعتمد على العمل الجماعي والإرادة السياسية. سوريا تقف الآن على مفترق طرق؛ فإما أن تتحول إلى نموذج جديد للاستقرار العربي، أو أن تنزلق إلى فوضى مدمرة لا تقل عن مثيلاتها في بعض دول المنطقة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك