العدد : ١٧٠٧٢ - الخميس ١٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٢ - الخميس ١٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

سوريا بعد الأسد: هل ينجح العرب في إدارة مرحلة ما بعد السقوط؟!

بقلم: موسى عساف

الأربعاء ١٨ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

صباح‭ ‬يوم‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬الجاري؛‭ ‬استفاق‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬تاريخي‭ ‬وسريع‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬حيث‭ ‬أعلن‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬والتدخلات‭ ‬الخارجية،‭ ‬والتي‭ ‬تركت آثارها‭ ‬على‭ ‬الداخل‭ ‬السوري‭ ‬عبر‭ ‬عشرات‭ ‬آلاف‭ ‬القتلى‭ ‬وملايين‭ ‬النازحين‭ ‬والمهجرين،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تدمير‭ ‬أغلب‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأنحاء‭ ‬السورية‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السقوط‭ ‬السريع‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬المعاناة؛‭ ‬فإنه‭ ‬يطرح‭ ‬أسئلة‭ ‬جدية‭ ‬حول‭ ‬قدرة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الانزلاق‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬الفوضى،‭ ‬وتجنب‭ ‬سيناريوهات‭ ‬مشابهة‭ ‬للعراق‭ ‬وليبيا‭ ‬واليمن،‭ ‬حيث‭ ‬أدى‭ ‬غياب‭ ‬الرؤية‭ ‬الواضحة‭ ‬والتأخر‭ ‬في‭ ‬التدخل‭ ‬إلى‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬فاشلة،‭ ‬وترك‭ ‬آثاره‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬الداخل‭ ‬والجوار‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

واستذكاراً‭ ‬لما‭ ‬جرى؛‭ ‬فقد‭ ‬أدى‭ ‬انهيار‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬فراغ‭ ‬أمني‭ ‬وسياسي‭ ‬استغلته‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والدول‭ ‬الطامحة،‭ ‬وتحولت‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬صراع‭ ‬طائفي‭ ‬وتدخلات‭ ‬أجنبية‭. ‬كذلك‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬ليبيا؛‭ ‬فقد‭ ‬ساهم‭ ‬غياب‭ ‬الدعم‭ ‬العربي‭ ‬الجادّ‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬القذافي‭ ‬في‭ ‬انحدار‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬الفوضى،‭ ‬لتصبح‭ ‬ساحة‭ ‬لصراعات‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭. ‬وهو‭ ‬ذات‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تكرر‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬عندما‭ ‬تأخر‭ ‬التدخل‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الانقلاب‭ ‬الحوثي،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬طاحنة‭ ‬وأزمة‭ ‬إنسانية‭ ‬خانقة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬البلاد‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭.‬

اليوم‭ ‬تقف‭ ‬سوريا‭ ‬أمام‭ ‬منعطف‭ ‬مماثل؛‭ ‬فمع‭ ‬انهيار‭ ‬النظام،‭ ‬يواجه‭ ‬العرب‭ ‬تحديًا‭ ‬مزدوجًا؛‭ ‬إدارة‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ضمان‭ ‬عدم‭ ‬تحول‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬بؤرة‭ ‬صراعات‭ ‬مسلحة‭ ‬أو‭ ‬ساحة‭ ‬نفوذ‭ ‬لقوى‭ ‬أجنبية‭ ‬متناحرة‭.‬

على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع؛‭ ‬قامت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بالفعل‭ ‬بإعلان‭ ‬فتح‭ ‬سفاراتها‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬وهو‭ ‬تحرك‭ ‬قد‭ ‬يشي‭ ‬برغبة‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الملف‭ ‬السوري،‭ ‬لكنها‭ ‬تظل‭ ‬خطوات‭ ‬محدودة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تدعم‭ ‬بخطة‭ ‬شاملة‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬الدولة،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬سوريا‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬التجاذبات‭ ‬الدولية‭ ‬وأطماع‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تعتبر‭ ‬سوريا‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬توابعها‭ ‬وحديقتها‭ ‬الخلفية‭.‬

سوريا‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬دولة‭ ‬منهكة‭ ‬أمنيًا‭ ‬واقتصاديًا‭ ‬واجتماعيًا،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ ‬ميدان‭ ‬تتصارع‭ ‬فيه‭ ‬مصالح‭ ‬قوى‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭ ‬كبرى،‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬وإيران‭ ‬إلى‭ ‬تركيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬تنسيق‭ ‬عربي‭ ‬موحد‭ ‬وموقف‭ ‬قوي،‭ ‬قد‭ ‬تجد‭ ‬سوريا‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬فراغ‭ ‬أمني‭ ‬وسياسي‭ ‬مشابه‭ ‬لما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬القذافي‭.‬

في‭ ‬خضم‭ ‬هذه‭ ‬التحولات،‭ ‬برز‭ ‬أبو‭ ‬محمد‭ ‬الجولاني‭ ‬أو‭ ‬أحمد‭ ‬الشرع،‭ ‬قائد‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام،‭ ‬بشكل‭ ‬جديد‭ ‬ومغاير،‭ ‬ظهوره‭ ‬الأخير‭ ‬كان‭ ‬بمظهر‭ ‬مغاير‭ ‬ولغة‭ ‬خطاب‭ ‬تصالحية،‭ ‬وايضاً‭ ‬باسم‭ ‬جديد،‭ ‬أثار‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬نواياه،‭ ‬إذ‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬يسعى‭ ‬لتقديم‭ ‬نفسه‭ ‬كقائد‭ ‬يمكنه‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة،‭ ‬وربما‭ ‬يحاول‭ ‬خطب‭ ‬ودّ‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والمجتمع‭ ‬الدولي‭.‬

لكن‭ ‬القبول‭ ‬بالجولاني‭ ‬أو‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬يظل‭ ‬موضوعًا‭ ‬حساسًا،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬تاريخه‭ ‬مرتبط‭ ‬بجماعات‭ ‬متطرفة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬والمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬الحذر‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬لتجنب‭ ‬تكرار‭ ‬أخطاء‭ ‬الماضي‭.‬

سيناريوهات‭ ‬كثيرة‭ ‬ومتعددة‭ ‬يمكن‭ ‬رسمها‭ ‬لطبيعة‭ ‬التدخلات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬لانتشالها‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعصف‭ ‬بها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬وجود‭ ‬رؤية‭ ‬عربية‭ ‬موحدة؛‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للعرب‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خطة‭ ‬مشتركة‭ ‬تشمل‭ ‬دعم‭ ‬الحكومة‭ ‬الانتقالية‭ ‬وإعادة‭ ‬بناء‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إعادة‭ ‬دمج‭ ‬سوريا‭ ‬عربيًا‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬تدخل‭ ‬أي‭ ‬قوى‭ ‬أجنبية‭ ‬متصارعة‭ ‬على‭ ‬أراضيها،‭ ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬أيضًا‭ ‬التركيز‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المعارضة‭ ‬المعتدلة‭ ‬وعزل‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬وإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬جذرية‭ ‬لمشكلة‭ ‬الفصائل‭ ‬المسلحة،‭ ‬وأخيراً‭ ‬إعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬دعم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السوري‭ ‬وإعادة‭ ‬اللاجئين،‭ ‬وهما‭ ‬من‭ ‬أولويات‭ ‬إعادة‭ ‬البناء‭.‬

سقوط‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬يمثل‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬السوري‭ ‬والعربي،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬اختبار‭ ‬حقيقي‭ ‬لقدرة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمات‭. ‬تجنب‭ ‬سيناريو‭ ‬الفوضى‭ ‬الشاملة‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬والإرادة‭ ‬السياسية‭. ‬سوريا‭ ‬تقف‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬مفترق‭ ‬طرق؛‭ ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬جديد‭ ‬للاستقرار‭ ‬العربي،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تنزلق‭ ‬إلى‭ ‬فوضى‭ ‬مدمرة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬مثيلاتها‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا