العدد : ١٧٠٧٢ - الخميس ١٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٢ - الخميس ١٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

وطن صغير بحجمه.. عظيم بإنجازاته وطموحه

بقلم: نبيلة رجب

السبت ١٤ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬قلب‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬تقف‭ ‬البحرين‭ ‬بشموخ‭ ‬كجزيرة‭ ‬تحمل‭ ‬إرثا‭ ‬عريقا‭ ‬ونبضا‭ ‬متدفقا‭. ‬هي‭ ‬موطن‭ ‬يتشابك‭ ‬فيه‭ ‬الماضي‭ ‬مع‭ ‬الحاضر،‭ ‬حيث‭ ‬تروي‭ ‬القلاع‭ ‬التاريخية‭ ‬مثل‭ ‬قلعة‭ ‬البحرين،‭ ‬المدرجة‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬لليونسكو،‭ ‬والبيوت‭ ‬التراثية‭ ‬حكايات‭ ‬الأسلاف،‭ ‬وتبرز‭ ‬المدن‭ ‬الحديثة‭ ‬بأيدي‭ ‬الأبناء،‭ ‬فتتجلى‭ ‬في‭ ‬معالمها‭ ‬شعلة‭ ‬الإبداع‭ ‬وطابع‭ ‬الأصالة‭.‬

منذ‭ ‬حضارة‭ ‬دلمون،‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬الخلود‮»‬،‭ ‬كانت‭ ‬البحرين‭ ‬مركزا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬ومسرحا‭ ‬للتبادل‭ ‬الثقافي‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭. ‬عبر‭ ‬الحقب‭ ‬الزمنية،‭ ‬لعبت‭ ‬دورًا‭ ‬بارزًا‭ ‬في‭ ‬ربط‭ ‬الحضارات،‭ ‬حيث‭ ‬ارتبط‭ ‬اسمها‭ ‬بالملاحة‭ ‬والتجارة‭ ‬وصناعة‭ ‬اللؤلؤ‭. ‬واليوم،‭ ‬يبقى‭ ‬صدى‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬العريقة‭ ‬حاضرا‭ ‬في‭ ‬هوية‭ ‬البحرين،‭ ‬إذ‭ ‬نجد‭ ‬ملامحها‭ ‬متجسدة‭ ‬في‭ ‬الحرف‭ ‬اليدوية،‭ ‬الأسواق‭ ‬التقليدية،‭ ‬وروح‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬بها‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن‭. ‬وتنعكس‭ ‬هذه‭ ‬الأصالة‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬أسواقنا‭ ‬المحلية،‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬زواياها‭ ‬ذاكرة‭ ‬الماضي‭ ‬وعظمة‭ ‬العراقة‭. ‬سوق‭ ‬القيصرية‭ ‬في‭ ‬المحرق‭ ‬وسوق‭ ‬المنامة‭ ‬ليستا‭ ‬مجرد‭ ‬أسواق‭ ‬لبيع‭ ‬السلع،‭ ‬بل‭ ‬هما‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬يرويان‭ ‬قصصا‭ ‬عن‭ ‬بحرينيين‭ ‬جعلوا‭ ‬من‭ ‬الوطن‭ ‬مركزا‭ ‬عامرا‭ ‬بالحياة‭ ‬والتواصل‭ ‬الإنساني‭.‬

هذا‭ ‬التمازج‭ ‬بين‭ ‬الأمس‭ ‬واليوم‭ ‬يتجلى‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬المشاريع‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬بينما‭ ‬تبني‭ ‬رؤية‭ ‬المستقبل‭. ‬مشروع‭ ‬‮«‬مسار‭ ‬اللؤلؤ‮»‬،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬كونه‭ ‬مبادرة‭ ‬ثقافية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬رسالة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬تقدير‭ ‬البحرين‭ ‬لتراثها‭ ‬وحرصها‭ ‬على‭ ‬تعريف‭ ‬الأجيال‭ ‬بقصص‭ ‬الأسلاف‭.‬

ورغم‭ ‬تسارع‭ ‬الحداثة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬لم‭ ‬تفقد‭ ‬دفء‭ ‬البساطة،‭ ‬والذي‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬المقاهي‭ ‬الشعبية،‭ ‬حيث‭ ‬يتجمع‭ ‬الأصدقاء‭ ‬حول‭ ‬استكانة‭ ‬شاي‭ ‬بنكهة‭ ‬الدارسين‭ ‬وفنجان‭ ‬من‭ ‬قهوتنا‭ ‬التي‭ ‬تفوح‭ ‬منها‭ ‬رائحة‭ ‬الهيل‭. ‬تجد‭ ‬الروح‭ ‬البحرينية‭ ‬الحقيقية،‭ ‬في‭ ‬أنس‭ ‬الحديث‭ ‬ومتانة‭ ‬التفاعل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

هذه‭ ‬العزيمة‭ ‬الحية‭ ‬تظهر‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬الفعاليات‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الخلفيات،‭ ‬مقدمة‭ ‬مساحة‭ ‬للتفاعل‭ ‬والتبادل‭ ‬الفكري‭. ‬سواء‭ ‬كنت‭ ‬تستمع‭ ‬إلى‭ ‬الفعاليات‭ ‬الموسيقية‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬فنانون‭ ‬معاصرون،‭ ‬أو‭ ‬تتنقل‭ ‬بين‭ ‬رفوف‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المعارض‭ ‬التي‭ ‬تحتفي‭ ‬بالإبداع،‭ ‬تكتشف‭ ‬كيف‭ ‬تسهم‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬جسور‭ ‬تواصل‭ ‬حقيقية‭ ‬تعزز‭ ‬التنوع‭ ‬وتعمق‭ ‬التشارك‭ ‬المعرفي‭. ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬هذه‭ ‬الفعاليات‭ ‬‮«‬مهرجان‭ ‬ربيع‭ ‬الثقافة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يستضيف‭ ‬فنانين‭ ‬ومثقفين‭ ‬ومبدعين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬ليقدموا‭ ‬عروضا‭ ‬فنية‭ ‬وموسيقية‭ ‬وثقافية‭ ‬متنوعة‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬هذه‭ ‬الفعاليات،‭ ‬تكشف‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة‭ ‬الصغيرة‭ ‬بحجمها،‭ ‬الكبيرة‭ ‬بروحها،‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬ملامحها‭ ‬وأعمقها‭ ‬تأثيرا‭: ‬الانسجام‭ ‬الإنساني‭ ‬الذي‭ ‬يتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬التنوع‭ ‬لدينا،‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬الحكاية‭ ‬على‭ ‬التعايش‭ ‬كواقع‭ ‬مفروض،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬أسلوب‭ ‬حياة‭ ‬متجذر‭ ‬في‭ ‬تفاصيلنا‭ ‬اليومية‭. ‬وغرس‭ ‬جميل‭ ‬زرعه‭ ‬فينا‭ ‬آباؤنا‭ ‬منذ‭ ‬الصغر‭.‬

من‭ ‬مآذن‭ ‬المساجد‭ ‬التي‭ ‬تعانق‭ ‬السماء‭ ‬إلى‭ ‬أبواب‭ ‬الكنائس‭ ‬التي‭ ‬ترحب‭ ‬بالجميع،‭ ‬ومن‭ ‬المعابد‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬إرثا‭ ‬ثقافيا‭ ‬عريقا‭ ‬إلى‭ ‬الأحياء‭ ‬التي‭ ‬تنبض‭ ‬بحكايات‭ ‬الألفة،‭ ‬تنسج‭ ‬خيوط‭ ‬الوحدة‭ ‬في‭ ‬لوحة‭ ‬فنية‭ ‬متفردة‭. ‬هنا،‭ ‬لا‭ ‬تختزل‭ ‬الهوية‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬طائفة‭ ‬معينة،‭ ‬بل‭ ‬تتشابك‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد،‭ ‬وتتعزز‭ ‬الروابط‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬والأعياد،‭ ‬لتشكل‭ ‬نسيجا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬متماسكا‭ ‬يعكس‭ ‬روح‭ ‬البحرين‭ ‬الأصيلة‭. ‬هذا‭ ‬التعايش‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬تراثا‭ ‬من‭ ‬الحقب‭ ‬الماضية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬حاضر‭ ‬يعاش‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬ومستقبل‭ ‬يبنى‭ ‬على‭ ‬أساسه‭ ‬الراسخ،‭ ‬ليظل‭ ‬أحد‭ ‬أعمدة‭ ‬الهوية‭ ‬البحرينية‭ ‬التي‭ ‬دائما‭ ‬نفخر‭ ‬بها‭.‬

وبينما‭ ‬تحتضن‭ ‬البحرين‭ ‬ماضيها‭ ‬العريق،‭ ‬تمضي‭ ‬بخطى‭ ‬واثقة‭ ‬نحو‭ ‬مستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬تألقا‭. ‬فالتحول‭ ‬الرقمي‭ ‬الذي‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الخدمات‭ ‬الحكومية‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬الخدمات‭ ‬اليومية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬انعكاس‭ ‬لرؤية‭ ‬وطنية‭ ‬طموحة‭. ‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تعد‭ ‬‮«‬بوابة‭ ‬البحرين‭ ‬الوطنية‭ ‬الإلكترونية‮»‬‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬الرائدة‭ ‬التي‭ ‬تسهل‭ ‬وصول‭ ‬المواطنين‭ ‬والمقيمين‭ ‬إلى‭ ‬الخدمات‭ ‬الحكومية‭ ‬بسرعة‭ ‬وكفاءة،‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬حرص‭ ‬المملكة‭ ‬على‭ ‬مواكبة‭ ‬العصر‭ ‬الرقمي‭. ‬بقيادة‭ ‬شابة‭ ‬تؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الابتكار‭ ‬لا‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬الأصالة،‭ ‬بل‭ ‬يكملها‭. ‬

فعندما‭ ‬تحل‭ ‬أعيادنا‭ ‬الوطنية،‭ ‬نتأمل‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التفاصيل‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬البحرين‭ ‬وطنا‭ ‬خاصا‭. ‬كل‭ ‬نجاح‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬تكتب‭ ‬بجهود‭ ‬قيادتها‭ ‬وأبنائها،‭ ‬قصة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬وما‭ ‬سيكون‭.‬

كل‭ ‬عام‭ ‬والبحرين‭ ‬بخير،‭ ‬موطنا‭ ‬يلهمنا‭ ‬جميعا،‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬والمستقبل‭ ‬بروح‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬المستحيل‭.‬

rajabnabeela@gmail‭.‬com‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا