في قلب الخليج العربي، تقف البحرين بشموخ كجزيرة تحمل إرثا عريقا ونبضا متدفقا. هي موطن يتشابك فيه الماضي مع الحاضر، حيث تروي القلاع التاريخية مثل قلعة البحرين، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، والبيوت التراثية حكايات الأسلاف، وتبرز المدن الحديثة بأيدي الأبناء، فتتجلى في معالمها شعلة الإبداع وطابع الأصالة.
منذ حضارة دلمون، التي عرفت بأنها «أرض الخلود»، كانت البحرين مركزا محوريا في طرق التجارة العالمية ومسرحا للتبادل الثقافي بين الشرق والغرب. عبر الحقب الزمنية، لعبت دورًا بارزًا في ربط الحضارات، حيث ارتبط اسمها بالملاحة والتجارة وصناعة اللؤلؤ. واليوم، يبقى صدى هذه الحضارة العريقة حاضرا في هوية البحرين، إذ نجد ملامحها متجسدة في الحرف اليدوية، الأسواق التقليدية، وروح الانفتاح على الآخر التي تميز بها أبناء الوطن. وتنعكس هذه الأصالة أيضا في أسواقنا المحلية، التي تحمل في زواياها ذاكرة الماضي وعظمة العراقة. سوق القيصرية في المحرق وسوق المنامة ليستا مجرد أسواق لبيع السلع، بل هما جزء من ذاكرة هذه الأرض، يرويان قصصا عن بحرينيين جعلوا من الوطن مركزا عامرا بالحياة والتواصل الإنساني.
هذا التمازج بين الأمس واليوم يتجلى أيضا في المشاريع الوطنية التي تسعى للحفاظ على التراث بينما تبني رؤية المستقبل. مشروع «مسار اللؤلؤ»، على سبيل المثال، لا يقتصر على كونه مبادرة ثقافية، بل هو رسالة تشير إلى تقدير البحرين لتراثها وحرصها على تعريف الأجيال بقصص الأسلاف.
ورغم تسارع الحداثة، إلا أن هذه الأرض لم تفقد دفء البساطة، والذي يعبر عن نفسه في المقاهي الشعبية، حيث يتجمع الأصدقاء حول استكانة شاي بنكهة الدارسين وفنجان من قهوتنا التي تفوح منها رائحة الهيل. تجد الروح البحرينية الحقيقية، في أنس الحديث ومتانة التفاعل الاجتماعي.
هذه العزيمة الحية تظهر بوضوح في الفعاليات الثقافية التي تجمع الناس من مختلف الخلفيات، مقدمة مساحة للتفاعل والتبادل الفكري. سواء كنت تستمع إلى الفعاليات الموسيقية التي يقدمها فنانون معاصرون، أو تتنقل بين رفوف الكتب في أحد المعارض التي تحتفي بالإبداع، تكتشف كيف تسهم هذه الأنشطة في بناء جسور تواصل حقيقية تعزز التنوع وتعمق التشارك المعرفي. ومن أبرز هذه الفعاليات «مهرجان ربيع الثقافة» الذي يستضيف فنانين ومثقفين ومبدعين من مختلف أنحاء العالم، ليقدموا عروضا فنية وموسيقية وثقافية متنوعة.
إلى جانب هذه الفعاليات، تكشف هذه الأرض الطيبة الصغيرة بحجمها، الكبيرة بروحها، واحدة من أبرز ملامحها وأعمقها تأثيرا: الانسجام الإنساني الذي يتجاوز حدود التنوع لدينا، لا تقتصر الحكاية على التعايش كواقع مفروض، بل هو أسلوب حياة متجذر في تفاصيلنا اليومية. وغرس جميل زرعه فينا آباؤنا منذ الصغر.
من مآذن المساجد التي تعانق السماء إلى أبواب الكنائس التي ترحب بالجميع، ومن المعابد التي تحمل إرثا ثقافيا عريقا إلى الأحياء التي تنبض بحكايات الألفة، تنسج خيوط الوحدة في لوحة فنية متفردة. هنا، لا تختزل الهوية في ثقافة واحدة أو طائفة معينة، بل تتشابك العادات والتقاليد، وتتعزز الروابط الإنسانية في المناسبات والأعياد، لتشكل نسيجا اجتماعيا متماسكا يعكس روح البحرين الأصيلة. هذا التعايش ليس فقط تراثا من الحقب الماضية، بل هو حاضر يعاش كل يوم ومستقبل يبنى على أساسه الراسخ، ليظل أحد أعمدة الهوية البحرينية التي دائما نفخر بها.
وبينما تحتضن البحرين ماضيها العريق، تمضي بخطى واثقة نحو مستقبل أكثر تألقا. فالتحول الرقمي الذي نراه اليوم في الخدمات الحكومية لا يقتصر على تطوير الخدمات اليومية، بل هو انعكاس لرؤية وطنية طموحة.
على سبيل المثال، تعد «بوابة البحرين الوطنية الإلكترونية» واحدة من المبادرات الرائدة التي تسهل وصول المواطنين والمقيمين إلى الخدمات الحكومية بسرعة وكفاءة، مما يعكس حرص المملكة على مواكبة العصر الرقمي. بقيادة شابة تؤمن بأن الابتكار لا يتعارض مع الأصالة، بل يكملها.
فعندما تحل أعيادنا الوطنية، نتأمل كل هذه التفاصيل التي تجعل البحرين وطنا خاصا. كل نجاح هو جزء من قصة تكتب بجهود قيادتها وأبنائها، قصة تجمع بين ما كان وما سيكون.
كل عام والبحرين بخير، موطنا يلهمنا جميعا، يجمع بين الماضي والمستقبل بروح لا تعرف المستحيل.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك