يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
تراثنا الشعبي ودعوة علي عبدالله خليفة
سبق لي ان وصفت الشاعر الكبير علي عبدالله خليفة بأنه «من أكبر حراس الثقافة الشعبية في الوطن العربي». وكتبت عنه وعن دوره في هذا المجال ما يلي:
«ما قدمه للثقافة الشعبية العربية عبر عقود يحتاج إلى صفحات طوال للحديث عنه. يكفي أن نشير هنا إلى ان الثقافة الشعبية تعتبر الشغل الشاغل لعلي عبدالله خليفة منذ ان كان طالبا في الثانوية في ستينيات القرن الماضي... منذ ذلك الوقت المبكر، لم تتوقف جهود علي عبدالله خليفة الهائلة في خدمة الثقافة الشعبية العربية. وكان أبرز محطات اسهامه تأسيسه مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية عام 1982 وتولي ادارته، وإصدار مجلة «المأثورات الشعبية» الشهيرة. وآخر محطات اسهاماته تأسيسه وادارته إدارة البحوث الثقافية بالديوان الملكي عام 2001، وتأسيس «أرشيف الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر»، وإصدار المجلة البديعة، مجلة «الثقافة الشعبية». وتوج جهد علي عبدالله خليفة بانتخابه رئيسا للمنظمة الدولية للفن الشعبي عن جدارة واستحقاق».
أستعيد اليوم ما كتبه عن عبدالله خليفة بمناسبة المحاضرة المهمة التي القاها في الجامعة الأهلية قبل أيام بعنوان «التراث الشعبي الخليجي: ظروف التجربة والمآل».
في المحاضرة تحدث عن دوره في مجال الحفاظ على التراث الشعبي الخليجي، ولفت الأنظار إلى مسألة خطيرة. قال ان ارث التراث الشعبي الخليجي فقد الجانب الأكبر منه بسبب غياب الوعي بأهميته، وغياب الوعي بدوره التاريخي والحضاري والقيمي. ودعا الى الاهتمام بحفظ التراث الشعبي وتوثيقه وتكريس الوعي العام به.
هذه الدعوة التي اطلقها يجب ان نتوقف عندها مطولا نظرا لأهميتها الوطنية البالغة.
الاهتمام بالتراث الشعبي في البحرين والخليج وكل الدول ليس ترفا، بل هو ضرورة وطنية.
التراث الشعبي بكل صوره، المادية وغير المادية، هو الذي يعبر عن جوهر الهوية الوطنية للشعوب والدول والأمم.
التراث الشعبي هو الذي يجسد السمات الوطنية الخاصة لكل شعب ودولة وأمة، وجوهر القيم والمبادئ والمعتقدات والأعراف وأسلوب الحياة، والتي تمثل في النهاية التعبير الأمثل لخصوصية الشعب والدولة والأمة، وهويتها المتميزة.
التراث الشعبي هو أكبر عوامل الحفاظ على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي واكبر عوامل تعزيز الولاء الوطني الجامع.
التراث الشعبي هو اكبر أعمدة صناعة المستقبل الوطني.
ولهذا، يعتبر الحفاظ على التراث الشعبي والاهتمام بجمعه وتوثيقه ونشره، والاهتمام بالثقافة الشعبية عموما بكل صورها وتجلياتها هو في نفس الوقت حفظ للهوية الوطنية وتعزيز لها لدى كل الأجيال، وترسيخ لقيم الولاء الوطني والاعتزاز بالوطن.
كل هذا يبرز الأهمية الوطنية البالغة للدعوة التي اطلقها علي عبدالله خليفة بالعمل على انقاذ التراث الشعبي من الضياع وحفظه وتوثيقه وتكريس الوعي العام به.
هذه الدعوة جاءت في وقتها بالضبط بالنسبة لنا في البحرين.
نعلم ان جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة اعطى توجيهات بالعمل على تأصيل الهوية الوطنية البحرينية وطالب جلالته بإعداد دراسات بهذا الخصوص.
وأي مبادرة او دراسة عن الهوية الوطنية البحرينية لا بد ان تقوم في جانب أساسي منها على احياء وحفظ التراث الشعبي البحريني وتوثيقه واشاعة الوعي العام به.
ولا أعرف أحدا في البحرين أقدر من علي عبدالله خليفة للقيام بهذه المهمة في اطار تنفيذ توجيهات جلالة الملك.
هو الأقدر بحكم خبرته الطويلة وثقافته الواسعة في هذا المجال والمبادرات التي اطلقها بالفعل منذ سنوات طويلة.
لا بد ان اتوقف هنا خصوصا عند انجاز وطني كبير لعلي عبدالله خليفة في الحفاظ على التراث الشعبي البحريني، وهو اصدار موسوعة «الحكايات الشعبية البحرينية.. ألف حكاية وحكاية»، وهي الموسوعة التي كانت محصلة مشروع ضخم للجمع والتدوين الجماعي للحكايات الشعبية البحرينية. الموسوعة أشرفت على إصدارها الدكتورة ضياء عبدالله الكعبي، وشارك فيها 100 طالب وطالبة من قسم اللغة العربية بجامعة البحرين جمعوا مرويات 1200 راوٍ وراوية تتراوح أعمارهم ما بين 50 و82 سنة من مواطني مملكة البحرين من مختلف الأجناس.
هذه الموسوعة مثال رائد لما يجب ويمكن عمله في مجال حفظ وتوثيق التراث الشعبي البحريني بأسلوب علمي وجهد جماعي.
عموما، دعوة علي عبدالله خليفة تنبيه الى انه في الجدل الحالي حول الهوية الوطنية البحرينية، فإن أي مبادرة في هذا الخصوص لا بد ان يمثل الاهتمام بالتراث الشعبي ركنا اساسيا من أركانها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك