قد يثير هذا العنوان الكثير من الاعتراضات ، ويظن البعض أننا نسبح ضد التيار في وقت انفتح العالم على عصر الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي التي حققت للبشرية من خلاله قفزة علمية باهرة، ونحن لا ننكر ما قدمه العلم الحديث من خدمات جليلة، ومن ثمار يانعة تفخر البشرية بها، وتثني عليها، ولولا هذا التقدم العلمي ما وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه من تقاصر المسافات، ولكن ذلك لا يعني أن التقدم العلمي الذي هو نتاج عصر الإنترنت الذي نعيشه له بعض السلبيات من سوء استخدامه، أو الجهل باستخدامه السليم، وعمومًا نحن الآباء والموجهين لا نصلح أن نكون دعاة وموجهين لأننا وكما قال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذًا فعلته عظيم
فكيف يستجيب الابن إلى توجيه الأب أو الجد، وتجنب ضرر هذا المنتج الحضاري، وهو ساعة ينصحه بذلك تلعب أصابعه في الجهاز نفسه ولا يستطيع تطبيق نصيحته عمليًا، ولا سلوكيًا، فيفقد ذلك الأثر الذي يرجوه الأب أو الموجه، ولا يستطيع الأب أو الموجه أن يجيب ابنه إجابة صحيحة أو مقنعة لو سأله ابنه: كيف تنصحني بأمر لا تستطيعه أنت، وأنت كبير؟!
إن تلعثم الأب أو الموجه حين يبحث عن إجابة صحيحة لهذا السؤال المحرج الذي يوجهه إليه ابنه قد يكون أكبر ضررًا من انشغال الابن بهذه الأجهزة لبعض الوقت، مثال ذلك قد يكون أفراد الأسرة كلهم في البيت، وقد تسعد بذلك، وتظن أن هذه الأسرة أحسن من غيرها، ولكن تفاجأ حين تتفقدهم في غرفة الجلوس، أو تبحث عنهم في غرفة الطعام فلا تجدهم كذلك، فيخيب ظنك، وتعلم أن وجود الأسرة في البيت لا يعني أنهم كما أشرنا إلى ذلك أن علاقاتهم الاجتماعية وثيقة الصلة حتى الإخوة الذين أعمارهم متقاربة لا تجدهم موجودين، بل كل يحمل جهازه في يده سواء كان الهاتف النقال أو اللابتوب، أو غيرها من الأجهزة، وإنه إذا أراد أن يتصل بأخيه لا يكلف نفسه عناء خطوات تحمله إلي غرفة أخيه، بل يكلمه عن طريق الهاتف، إذًا فيجب علينا أن نعيد النظر في الاسم الذي أطلقناها عليها وهو: أجهزة التواصل الاجتماعي، ونسميها: أجهزة (التقاطع) الاجتماعي! إضافة إلى كل ذلك، فإن ما في هذه الأجهزة من خيارات كثيرة معظمها صالحة للهو مثل play station، وغيرها من وسائل اللهو، وهذه الوسائل تشغل الإنسان عن العلم النافع الذي هو ذخر للإنسان في حياته الدنيا وبعد مماته، كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يقول عليه الصلاة والسلام: «إذًا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه الإمام مسلم في صحيحه.
إن هذه الوسائل الحديثة ساهمت بشكل ملحوظ في إهدار الوقت الثمين الذي يملكه الإنسان في حياته في ما لا نفع فيه، بل قد يكسبك عادات سيئة، وهي عدم الاجتماع بمن تحب، وتقوية أواصر القرابة وصلة الأرحام التي أكدها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وحتى نكون منصفًين، فنحن لا نتهم هذه الأجهزة بأنها سيئة السمعة، ولا نحملها أخطاءنا، بل يجب علينا أن نعترف بمسؤوليتنا عن هذا التقصير أو القصور في تعاملنا مع هذه الأجهزة المتقدمة جدًا، والتي استفاد العالم منها، وحققوا من خلالها الغايات التي اخترعت من أجلها، وأن المسؤولية في هذا التقصير أو القصور تقع علينا نحن لأنها أجهزة (محايدة) تصلح للخير، وكذلك تصلح للشر، والنتيجة في ذلك يعود إلى الإرادة البشرية وتوجهها وتوجيهها، فإن وجهت إلى الخير أثمرت خيرًا، وإن وجهت إلى الشر أنتجت شرًا، وصدق الله العظيم: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره (8) سورة الزلزلة).
وعلى الأمة الإسلامية التي حباها الله تعالى بخاتم الرسالات، وجعلها الأمة الخاتمة التي ورثت الرسالة الأعظم، والرسول الأعظم، الشريعة الأعظم، والمعجزة الأعظم أن تأخذ من الحضارات أنفع ما فيها، ومن المدنيات أصلح ما وصلت إليها في تقنيات البشر، وصالح ما بلغته من رقي.
إن ما نرجوه من خير مطمور في هذه الأجهزة، وإننا إذا أحسنا استخدامها، واستوعبنا دورها في رفد الحضارة الحديثة التي نعيشها، ونرجو عطاءها، فإننا سوف نجني ثمارها، ونحقق ما نتمنى ونرجو الغاية التي اخترعت هذه الأدوات الحضارية من أجلها، فنبرزها إلى حيز الوجود، فنسهم وبشكل إيجابي في صنع الحضارة وإبراز قيمها المرجوة، فتحقق للبشرية مزيدًا من الرفاهية واتساعًا في الأفق الحضاري وتسعى جاهدة إلى تحقيق أقصى نفعٍ ترجوه البشرية في غدها المأمول.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك