يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
ماذا بعد أوامر الاعتقال؟
ذكرتُ أمس أن الأوامر التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت لها جوانب مهمة أخرى غير التي أشرنا إليها.
أول وأكبر هذه الجوانب أن هذه الأوامر هي في نفس الوقت إدانة صريحة لكل شركاء المجرمين الإسرائيليين في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها وعلى أساسها أصدرت المحكمة أوامرها. كل هؤلاء الشركاء مجرمون سواء كانوا دولا أو منظمات أو أجهزة إعلام.
أمريكا والدول الأوروبية وكل الدول التي أيدت الكيان الإسرائيلي وشاركت بأي شكل من أشكال الدعم الفعلي أو السياسي أو الإعلامي تعتبر اليوم رسميا شريكة في كل الجرائم الإسرائيلية.
أمريكا وأغلب الدول الأوروبية لم تكتف بتأييد حرب الإبادة الإسرائيلية والتشجيع على ارتكاب كل هذه الجرائم، وإنما شاركت فعليًّا في الحرب وفي الجرائم. شاركت فعليًّا بالأسلحة التي قدمتها للكيان الإسرائيلي وبحمايته في مواجهة أي محاولات دولية لوقف الحرب.
الأمر المؤكد هنا أنه لولا هذا الدعم ما كان المجرمون الإسرائيليون قد تمكنوا من مواصلة حرب الإبادة كل هذه الفترة وحتى اليوم.
لهذا بعد صدور أوامر المحكمة يعتبر قادة هذه الدول رسميا شركاء لمجرمي حرب ومرتكبي جرائم ضد الإنسانية.
قادة هذه الدول يدركون هذا، وهو ما يفسر رد الفعل في أمريكا والدول الأوروبية بعد صدور أوامر المحكمة.
كثير من الدول الأوروبية سارعت وأعلنت التزامها بأوامر المحكمة واحترامها لها. وأعلن الاتحاد الأوروبي مثلا أن قرار المحكمة ملزم لكل الدول الأعضاء.
الدول الأوروبية فعلت هذا ليس تخليا عن إسرائيل ولا إيمانا بالعدالة الدولية، ولكن محاولة لأن تنأى بنفسها عن المجرمين الإسرائيليين بعد صدور الحكم، ولتفادي أي دعوات لاحقة لاعتبارهم هم أيضا مدانون بالمشاركة في جرائم حرب وإبادة.
أما أمريكا، فلأن قادتها يعلمون أنهم أكبر المشاركين في الجرائم الإسرائيلية ويعلمون أن أوامر المحكمة إدانة صريحة لهم، فقد سارعوا بإدانة المحكمة وأوامرها بأبشع الألفاظ حتى أن الرئيس بايدن وصف ما فعلته المحكمة بالأمر «الشائن». ولا تدري ما هو الشائن في إنصاف شعب يتعرض لأشنع صور الإبادة وإدانة مجرمين العالم كله يتابع جرائمهم ساعة بساعة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تبارى ساسة وأعضاء الكونجرس بالتهديد باتخاذ إجراءات ضد المحكمة وقضاتها، والرئيس المنتخب ترامب بدوره وعد باتخاذ هذه الإجراءات عندما يتولى السلطة.
هذه الهستيرية الأمريكية في إدانة المحكمة ليست فقط خوفا على إسرائيل وقادتها المجرمين، بل هي في نفس الوقت إدراك بأن ما يسري على نتنياهو وجالانت ينطبق عليهم عمليا.
الجانب الآخر المهم في أوامر المحكمة أنها تضع العالم كله أمام مسئوليته التاريخية اليوم.. مسئولية تطبيق القانون الدولي وردع المجرمين وإجبارهم على وقف حرب إبادة غزة فورا.
بعد أوامر المحكمة أصبح من العار على كل دول العالم أن تترك مجرمي حرب وإبادة أدانهم القانون الدولي يواصلون ارتكاب هذه الجرائم ويدوسون بالأقدام القانون الدولي والقيم الإنسانية.
للأسف الدول العربية لا تعرف كيف تستغل تطورا مهما حاسما مثل هذا للضغط من أجل تحقيق المصالح العربية وفي مقدمتها اليوم وقف حرب الإبادة والتقدم جديا نحو استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه.
من المفروض بعد أوامر المحكمة أن تشن الدول العربية حملة كبرى للضغط على أمريكا والدول الغربية الأخرى لوقف تصدير أي أسلحة أو معدات عسكرية للمجرمين الإسرائيليين. ومن المفروض استنادا إلى قرار المحكمة أن تطلب الدول العربية من مجلس الأمن الدولي، وفقا للفصل السابع، أن يصدر قرارا ليس فقط بوقف حرب الإبادة، ولكن أيضا بحتمية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ليس مهما أن تستخدم أمريكا الفيتو، فهذه خطوة على طريق صراع طويل ممتد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك