لقد أثر الصراع في الشرق الأوسط والانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام في بعضهما البعض بطرق مهمة. فقد شهدنا داخل الحزب الديمقراطي، جدلا كبير شمل مختلف القضايا، فيما لمسنا على الجانب الجمهوري تصلبا في وجهات النظر.
ونتيجة لذلك، وأياً كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية، والتي أفرزت فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، فإن الأمل ضئيل في حدوث أي تغيير كبير في سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط.
أحدثت الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة شرخاً داخل الائتلاف الديمقراطي. خلال العقد الماضي، نشأت العديد من الحركات الجماهيرية في الولايات المتحدة الأمريكية نصرة لحقوق المرأة، و«حياة السود مهمة»، والهجرة، والسيطرة على الأسلحة – وهي كلها قضايا حزبية طالما ظلت تؤلب الديمقراطيين ضد الجمهوريين.
تتكون الحركة الجماهيرية الأخيرة، الداعمة للحقوق الفلسطينية ووقف إطلاق النار في غزة، من نفس المجموعات التقدمية، ولكن بدلاً من كونها جهدًا حزبيًا بحتًا، فقد كانت شأنًا داخل الحزب يضع العناصر الأساسية في التحالف الديمقراطي ضد قيادة الحزب الديمقراطي نفسه.
وقد ظلت استطلاعات الرأي تظهر أنه للمرة الأولى يتعاطف المزيد من الديمقراطيين مع الفلسطينيين على حساب الإسرائيليين، كما أنهم يريدون وقفا فوريا لإطلاق النار، ويؤيدون تعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل.
أظهرت استطلاعات الرأي أيضا أن هذه الشرائح والمكونات التقدمية غير راغبين في رؤية الولايات المتحدة متورطة عسكرياً في الصراعات في الشرق الأوسط والعالم. وتتجلى هذه المواقف بشكل خاص بين الناخبين الشباب والناخبين غير البيض، وهم المكونات الرئيسية للائتلاف الديمقراطي.
لقد خلقت هذه المواقف المبدئية التي تبنتها هذه المجموعات التقدمية ودافعت عنها بكل قوة التوتر الحقيقي داخل الحزب الديمقراطي، وقد نبهنا إلى أن هذا الأمر قد يكلف الحزب الديمقراطي خسارة الكثير من الأصوات في بعض الولايات المهمة.
وفي حين أن المواقف الديمقراطية المتغيرة الناجمة عن الحرب تسببت في بعض النفور من علاقات الحزب التاريخية مع إسرائيل، فإن هذا التحول بدأ أيضاً يؤثر في السياسة.
لقد وقعت أعداد قياسية من الأعضاء الديمقراطيين في الكونجرس على مشاريع قوانين ورسائل تحث على وقف إطلاق النار أو تدعو إلى فرض قيود على شحنات الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل.
ومن ناحية أخرى، لا يزال اليمين المسيحي وبقايا حركة المحافظين الجدد يهيمنون بقوة على الجمهوريين، وكلاهما يشتركان في رؤية عالمية مانوية تدعم، من دون أي انتقاد، دور إسرائيل في المنطقة والعالم.
وعلى الرغم من التكاليف التي تكبدتها الولايات المتحدة الأمريكية من أرواح وثروات وهيبة، نتيجة للحروب الكارثية في العراق وأفغانستان، إلا أن هذين التيارين الإيديولوجيين ما زالا ينظران إلى الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوة الدافعة نحو الخير في العالم.
وبغض النظر عن النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 5 نوفمبر 2024، فإن الخلاف سيستمر في الاتساع – سواء داخل الحزب الديمقراطي أو بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وفي الحقيقة، فإنني لم أكن أتوقع أن الإدارة التي كانت ستشكلها كامالا هاريس في حال فوزها ستقوم بأي تحول فوري أو جذري في السياسة الخارجية الأمريكية. إن مؤسسات السياسة الخارجية الديمقراطية والمستشارين السياسيين، التي لا تزال مهيمنة، حذرة وبعيدة عن الديناميكيات المتغيرة للناخبين وقدرة الولايات المتحدة المتضائلة في العالم.
وبالمقابل، فقد كنت دائما أتوقع أن يعترف الحزب الديمقراطي في نهاية المطاف، ومهما كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية، والتي لم تكن في النهاية لصالحه، بهذه الضغوط السياسية المتراكمة والآتية من قواعده وأن يتكيف معها.
أما الرئيس المنتخب دونالد ترامب، من ناحية أخرى، فهو نفسه دونالد ترامب وسيظل وفيا لنهجه. أتوقع أن تكون إدارته غير تقليدية ولا يمكن التنبؤ بها كما كانت في المرة الأخيرة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من رغبته في تجنب التورط في حروب خارجية، فإن الرئيس المنتخب دونالد لن يحيد أو يتحدى معتقدات مؤيديه من حيث أولوية الولايات المتحدة الأمريكية وتأييد سياسات إسرائيل.
لكن مدى التوترات المعقدة التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط سيتطلب من الرئيس المنتخب دونالد ترامب أيضا تقديم بعض التنازلات.
في الحقيقة أنا لست متأكدًا من أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب، أو أن مؤسسة السياسة الخارجية الديمقراطية، في مستوى هذه المهمة. وسوف يتعين عليهم أن يفكروا بشكل أكبر من مجرد اللعب أو التلاعب بلبنان وسوريا والعراق وإيران والسودان وليبيا واليمن.
يتعين إدراك أن الولايات المتحدة الأمريكية غير قادرة على إحداث التغيير من دون معالجة المظالم التاريخية، وأن الحقائق الجديدة التي تعمل على تحويل المنطقة برمتها لا بد من معالجتها.
هناك حاجة إلى تفكير جديد وقيادة إبداعية. يبدو أن هذه المتطلبات تتطور في منطقة الشرق الأوسط أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحافظ على وجهة نظر ما بعد الحرب الباردة القديمة التي تنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها «أمة لا غنى عنها» و«منارة للحرية».
ورغم أن المناقشة الساخنة على الجانب الديمقراطي حول دور الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والعالم من المرجح أن تستمر، فأنا لست واثقاً من قدرة الحزب الجمهوري على الانخراط في النقد الذاتي اللازم لجعل مستقبل هذا التغيير المطلوب أمرا ممكناً.
قد يؤدي ذلك إلى مزيد من التوتر والاستقطاب الحزبي والانزلاق في حالة الجمود، وهو ما من شأنه أن يعيق الولايات المتحدة الأمريكية عن الإسهام بشكل هادف في السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. ولا شك أن هذا الوضع هو الذي يدفع اليوم العديد من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكيين الرئيسيين إلى التحرك بشكل مستقل لتأمين أنفسهم وتخفيف التوترات الإقليمية.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك