في أعقاب الهجمات الإسرائيلية على إيران في 13 يونيو2025، قفزت أسعار النفط العالمية بأكثر من 10%. ومع توسع الهجوم ليشمل غارات أمريكية في 22 من الشهر ذاته، تجاوز سعر «خام برنت»، حاجز الـ80 دولارًا للبرميل. وعلى عكس ما حدث عقب اندلاع «الحرب الأوكرانية»، قبل ثلاث سنوات ونصف، لم تُسجل الأسعار ارتفاعًا مستدامًا. ووفقًا لتقديرات مؤسسة «جولدمان ساكس»، فإن هناك احتمالًا بنسبة 60% بأن تتراوح أسعار خام برنت بين 60 و70 دولارًا للبرميل خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
ولم يؤدِ تهديد «إيران»، بإغلاق مضيق هرمز -الذي تمرّ عبره نحو 20% من الاستهلاك اليومي العالمي من نفط الخليج – إلى ارتفاع مستدام في الأسعار، وهو ما دفع «جريجوري برو»، من «مجموعة أوراسيا»، إلى اعتبار أن التداعيات المتوقعة لمثل هذه الأزمة «مبالغ فيها». كما أُشير إلى أن الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الأمريكي، إلى جانب التوسعات المستمرة في إنتاج دول «أوبك+»، أسهمت في تلبية الطلب العالمي المتزايد على النفط.
ورغم سريان وقف إطلاق النار المؤقت بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وإيران من جهة أخرى؛ فإن عدم تحقيق هدف تدمير البرنامج النووي للأخيرة بالشكل الذي ادعاه الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»؛ يُبقي احتمالات التصعيد «قائمة». وقدّر «رافائيل غروسي»، مدير «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، أن إيران ستكون قادرة على استئناف تخصيب اليورانيوم في غضون أشهر قليلة، ما يُمهّد لاحتمالات اندلاع موجات جديدة من التوتر والعنف في الشرق الأوسط، ويُبقي الخطر محدقًا بإمدادات النفط التي تضخها المنطقة.
وعلى الرغم من تجاوز سعر خام برنت 80 دولارًا للبرميل لفترة وجيزة في أعقاب القصف الأمريكي للمنشآت النووية الإيرانية في نطنز، وفوردو، وأصفهان؛ إلا أنه عاود الانخفاض إلى 72 دولارًا بنهاية اليوم نفسه. وفي أعقاب وقف إطلاق النار، انخفضت أسعاره مرة أخرى، بأكثر من 6% ليستقر عند 67 دولارًا للبرميل، وهو السعر الذي ظل عليه تقريبًا حتى انقضاء الشهر. وعليه، أشارت شبكة «سي إن إن»، إلى أن الأسعار باتت «متقاربة إلى حد كبير»، عما كانت عليه قبل بدء هذه الحرب في 13 يونيو.
وقيّم «موكيش ساهديف»، من شركة «ريستاد إنرجي»، أن «احتمال وقوع تداعيات اقتصادية حادة»، شكّل دافعًا رئيسيًا للطرفين للموافقة على وقف إطلاق النار. وفي السياق ذاته، شدّد «بيارن شيلدروب»، من بنك «إس إي بي»، على أن «السوق العالمية لم تفقد قطرة نفط واحدة». كما أشار «تاماس فارغا»، من شركة «بي في إم أويل أسوشيتس»، إلى أن «تأثير المخاطر الجيوسياسية»، التي كان متوقعًا أن تظهر عقب الضربات الإسرائيلية الأولى على إيران، «قد تلاشى تمامًا».
وفي حين حذر بنك «جي بي مورغان»، خلال هذه الأزمة التي استمرت 12 يومًا من احتمالية ارتفاع السعر العالمي للنفط إلى ما يزيد على130 دولارًا للبرميل حال استمر الصراع بالشرق الأوسط، وتم إغلاق مضيق هرمز؛ فقد رأى «ساهديف»، أنه في حالة استمرار وقف إطلاق النار، فمن المرجح أن تقترب الأسعار من مستوى 70 دولارًا للبرميل.
وعن سبب استمرار انخفاض أسعار النفط، على الرغم من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط؛ أشار «فيل فلين»، من مجموعة «برايس فيوتشرز»، إلى أن السوق يواجه «زيادة في الطلب على النفط»، ما حدا بالدول إلى السحب من احتياطاتها مع ازدياد نشاط التكرير. وقدرت «وكالة الطاقة الدولية»، أن الطلب العالمي على النفط سيزداد بمقدار 2.5 مليون برميل يوميًا لبقية العقد الجاري، ليصل إلى أكثر من 105 ملايين برميل يوميًا. كما توقعت أيضا أنه على المدى المتوسط، من المقرر أن يتجاوز العرض العالمي «نمو الطلب بشكل كبير»، مع زيادة الإنتاج من جانب دول «أوبك»، وغير الأعضاء – وأبرزها الولايات المتحدة – مما يضمن استمرار تلقي السوق «الإمدادات بشكل مُريح» حتى عام 2030.
وفي حالة «أوبك+»، من المتوقع أن توافق على زيادة «ضخمة» في الإنتاج، كما وصفتها وكالة «بلومبرج» تبلغ 411 ألف برميل يوميًا لشهر أغسطس 2025، ما يمثل استمرارًا لنمط الزيادة التدريجية التي سبق الاتفاق عليها لشهر يوليو. ووفقًا لتقييم «أولي هانسون»، من «بنك ساكسو»، فإننا «سندخل قريبًا موسم انخفاض الطلب، حيث ستصبح زيادات «أوبك+» أكثر وضوحًا». وبالإضافة إلى استمرار أعضاء المجموعة في تنفيذ برنامجهم التدريجي لزيادة حصص الإنتاج؛ فإن «لولايات المتحدة»، تبدو مستعدة لتوسيع إنتاجها بوتيرة سريعة أيضًا.
وأشارت «أجاث ديماريس»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، إلى التحديات المتزايدة في تحقيق تماسك داخل السياسات الأمريكية حاليًا، معتبرة أن «الاقتصاد الأمريكي يبدو وكأنه نسخة موسّعة من مؤسسات ترامب»، موضحة أن «الافتراض بأن الرئيس الأمريكي يضع أولوية قصوى للحفاظ على أسعار نفط منخفضة ليس بعيدًا عن الواقع».
الجدير بالذكر، أن «ترامب»، وجّه في 22 يونيو، عبر منصته «تروث سوشيال»، دعوة للحفاظ على انخفاض أسعار النفط، محذرًا من أن أي ارتفاع فيها «يخدم مصلحة العدو»، على حد تعبيره. وكرر مناشدته للمنتجين المحليين بقوله: «الحفر، يا عزيزي، الحفر!!!». وتأتي هذه الدعوة بعد إعلان «دارة معلومات الطاقة الأمريكية»، أن إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة، سجل مستوى قياسيًا بلغ 13.47 مليون برميل يوميًا في أبريل 2025.
وهناك عامل آخر يجب أخذه في الاعتبار، هو التغيرات الملحوظة في سياسة الولايات المتحدة، تجاه نمو صادرات النفط الإيرانية. وأشارت «ديماريس»، إلى أن طهران، وبعد الهجمات الإسرائيلية على منشآتها النووية والعسكرية؛ قامت بـ«تصدير أكبر كمية ممكنة من النفط»، ما رفع إنتاجها إلى أعلى مستوى له منذ سبع سنوات عند 3.5 ملايين برميل يوميًا. وتشير بيانات «شركة كبلر»، إلى أن الصين استوردت في يونيو 2025 ما معدله 1.46 مليون برميل من النفط يوميًا، أي بزيادة تقارب 500 ألف برميل عن مايو، بينما سجلت «شركة فورتيكسا»، رقمًا قياسيًا بلغ 1.8 مليون برميل يوميًا تم نقلها خلال الشهر.
ورغم تهديد «ترامب»، مطلع مايو 2025، بفرض «عقوبات ثانوية» على الدول التي تشتري النفط الإيراني - لا سيما الصين والهند - مؤكدًا أنها «لن يُسمح لها بالتعامل مع الولايات المتحدة بأي شكل»، عاد في 24 يونيو ليعلن عبر «تروث سوشيال»، أن «بكين»، «يمكنها الآن الاستمرار في شراء النفط من إيران». كما صرح خلال مؤتمر لحلف شمال الأطلسي بأن «من يقرر بيع النفط، فسوف يبيعه». ووفقًا لـ«سكوت موديل»، من «مجموعة رابيدان»، فإن تصريحاته تمثل «ضوءًا أخضر» لمبيعات النفط الإيراني إلى الصين، حيث اعتبرها بمثابة «عودة إلى معايير إنفاذ متساهلة». لذا، تساءلت «ديماريس»، عما إذا كان قد حول «لسياسة غير الرسمية» الأمريكية، تجاه صادرات النفط الإيرانية إلى سياسة «رسمية»، على الرغم من تأكيدها بأنه «لا أحد يعلم فعليًا ما يعنيه منشوره». وفي المقابل، رأى «برو»، أن هذه التصريحات «لا تشير إلى تغيير جوهري في سياسة العقوبات»، بل اعتبرها مجرد إقرار «بأن طهران ستعود إلى مستوياتها الاعتيادية في التصدير مع بكين».
وعلى الرغم من أن محللي السوق يشددون على أهمية العوامل المتعلقة بالعرض والطلب في سوق الطاقة العالمية، مقارنة بالتهديدات المتعلقة بالتصعيد في الشرق الأوسط، كما أشار «برو»؛ فإنه رغم سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، «ستظل مخاطر تهديد أمن الطاقة قائمة، ولكن بدرجات متفاوتة».
وفي الواقع، فإن مقترحات البرلمان الإيراني بإغلاق مضيق هرمز – الذي يعبر من خلاله أكثر من خمس الاستهلاك اليومي العالمي من النفط – أثارت تحذيرات خبراء الصناعة في ذلك الوقت. وحذر «خورخي ليون»، من شركة «ريستاد»، من أن «السيناريو المتطرف»، المتمثل في هجمات إيرانية على «البنية التحتية النفطية في المنطقة»، قد يؤدي إلى «ارتفاع حاد» في الأسعار العالمية. بينما حذرت «مؤسسة جولدمان ساكس»، من أن أسعار النفط قد تتجاوز 100 دولار للبرميل، إذا حدث «اضطراب مطول» في تدفق النفط عبر المضيق.
ورغم أن «هيليما كروفت»، من شركة «آر بي سي كابيتال ماركتس»، أكدت أنه «من الصعب على إيران إغلاق المضيق بالكامل ولفترة طويلة»؛ فإنها أقرت في الوقت ذاته، بقدرتها على استهداف ناقلات النفط باستخدام الصواريخ والألغام. وبناءً عليه، فرغم أن «برو»، قلل من احتمالية تحقق هذا السيناريو المتشائم، مشيراً إلى «اختلال موازين القوى»، بين إيران والولايات المتحدة، وكذلك حاجة طهران إلى «الحفاظ على علاقات ودية» مع دول الخليج، مما يجعل من غير المرجح أن تقدم على إغلاق المضيق؛ إلا «بشكل محدود وكحل أخير»؛ فقد خلصت «ديماريس»، إلى أن «الشيء الوحيد المؤكد في رئاسة ترامب هو أن لا أحد يعرف ما الذي سيحدث لاحقًا، وكل شيء يمكن أن يتغير في لحظة».
وعليه، لا يمكن استبعاد احتمال اندلاع تصعيد كبير جديد في الشرق الأوسط؛ بسبب البرنامج النووي الإيراني والصواريخ الباليستية، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع آخر في أسعار النفط، في ظل استمرار حالة عدم اليقين بشأن ما إذا كانت هذه الأسعار ستعود للانخفاض مستقبلًا، بالنظر إلى المشهد الجيوسياسي المتقلب باستمرار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك