في يوم 28 أكتوبر 2024، أقر الكنيست الإسرائيلي قراءة ثانية لمشروعي قانونين يحظران فعليا على وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) القيام «بأي نشاط» سواء في داخل إسرائيل نفسها أو في داخل فلسطين المحتلة.
يجب القول منذ البداية وبكل بساطة بأن هذا القرار الذي اتخذه الكنسيت الإسرائيلي يعتبر كارثة بأتم معنى الكلمة، لأن وكالة الأونروا هي الهيئة الدولية الرئيسية المسؤولة عن رعاية الملايين من الفلسطينيين في مختلف أنحاء الأراضي المحتلة، وفي قسم كبير من المنطقة.
وأعقبت إسرائيل قرارها بمهاجمة وإلحاق أضرار بمكتب وكالة الأونروا الكائن في مخيم نور شمس للاجئين في الضفة الغربية المحتلة. لقد كانت هذه طريقة الحكومة الإسرائيلية لإظهار جديتها فيما يتعلق بهذه الخطوة الخطيرة التي أقدمت عليها.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تتبع فيها إسرائيل أجندة مناهضة للأونروا، وعلى عكس ادعاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، فإن القرار لا يرتبط بحرب الإبادة الجماعية الحالية في غزة، أو الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة بأن وكالة الأونروا تدعم «الإرهاب».
لقد كشفت مراجعة مستقلة بتكليف من منظمة الأمم المتحدة أن إسرائيل «أطلقت ادعاءات علنية بأن عددًا كبيرًا من موظفي وكالة الأونروا هم أعضاء في منظمات إرهابية»، لكنها «لم تقدم بعد أي أدلة داعمة تؤكد صحة ذلك».
ومع ذلك، فقد ألحقت المزاعم الإسرائيلية ضررًا كبيرًا بالمنظمة، حيث قامت 13 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، بحجب الأموال التي كانت في أمس الحاجة إليها والتي كانت تساعد غزة على تجنب مجاعة مروعة.
وفي نهاية المطاف، أعادت معظم هذه البلدان دعمها المالي، ولكن من دون الاعتذار للفلسطينيين الذين تأثروا سلبا بالقرار الأولي غير العادل الذي اتخذته هذه البلدان، والذي أدى إلى تفاقم الأوضاع المأساوية للشعب الفلسطيني.
واصلت إسرائيل إطلاق العنان لحربها التي لا هوادة فيها على وكالة الأونروا. فقد قال بنيامين نتنياهو في بيان صدر في يوم 28 أكتوبر: «يجب محاسبة موظفي الأونروا المتورطين في أنشطة إرهابية ضد إسرائيل».
إن الخطاب المناهض لوكالة الأونروا لا يزال فعالا بالنسبة إلى إسرائيل التي تمكنت بفضل وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية الراغبة دائمًا، من إبقاء اسم الأونروا في الأخبار، وربطها دائمًا بـمسألة «دعم الإرهاب». لذا، فعندما صوت الكنيست الإسرائيلي لصالح مشاريع القوانين المناهضة للأونروا، نقلت وسائل الإعلام الرئيسية الأخبار وكأنها الاستنتاج العقلاني الوحيد لقصة ملفقة في الأساس.
إن مشكلة إسرائيل مع وكالة الأونروا المنبثقة عن الأمم المتحدة لا علاقة لها بالمنظمة نفسها، بل بتمثيلها السياسي الأساسي ككيان تابع للأمم المتحدة تقوم مهمته على تقديم «المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين».
تأسست وكالة الأونروا في عام 1949 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 (د-4)، وقد بدأت عملياتها في الأول من شهر مايو 1950، ومع مرور الوقت، أصبحت هذه الوكالة ذات أهمية مركزية يتوقف عليها بقاء عدد كبير من مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والأردن.
وقد كان الكثيرون على حق عندما انتقدوا منظمة الأمم المتحدة على فشلها في استكمال التفويض الإنساني للأونروا بمعادل سياسي من شأنه أن يساعد الفلسطينيين في نهاية المطاف على تحقيق حقهم في العودة وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194. ولكن بالنسبة الى إسرائيل، ظلت وكالة الأونروا تمثل مشكلة وجب التخلص منها.
ووفقاً لتفكير سلطات تل أبيب، فإن وجود الأونروا هو تذكير دائم بوجود مجموعة قائمة من الأشخاص تحت تسمى اللاجئين الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن الأونروا ليست منظمة سياسية، فإن أزمة اللاجئين الفلسطينيين وجميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة التي تؤكد الحقوق «غير القابلة للتصرف» لهؤلاء اللاجئين هي سياسية للغاية.
ومن خلال الاستفادة من التعاطف الأولي، وإن كان لفترة قصيرة، مع إسرائيل في جميع أنحاء العالم، والحملة الضخمة من المعلومات المضللة الصادرة عن إسرائيل وحلفائها، حول نتنياهو يوم 7 أكتوبر إلى فرصة للتمادي في شيطنة وكالة الأونروا. ومع ذلك، فقد بدأت حملته المعادية لوكالة الأونروا قبل ذلك بكثير.
كان جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، أحد اللاعبين الرئيسيين في الحرب على وكالة الأونروا. كوشنر، حيث إنه سخر الكثير من وقته في مساعدة إسرائيل على إلحاق هزيمة بالفلسطينيين والقضاء على حقوقهم مرة واحدة وإلى الأبد، وجعل من الأونروا نقطة رئيسية في خطته، كما تعهد ببذل «جهد مخلص لتعطيل» عمل الوكالة، حسبما كشفت رسالة بريد إلكتروني مسربة.
وبسبب الرفض والتضامن الدوليين، فشل كوشنر في نهاية المطاف في تحقيق مأربه. وحتى حجب الإدارة الأمريكية للأموال لم يجبر الوكالة على الإغلاق، رغم أنه أثر سلبًا على حياة ملايين الفلسطينيين.
وتمثل الحرب المستمرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والدفع المتواصل من المستوطنين باتجاه ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية فرصة ذهبية لنتنياهو وحكومته المتطرفة لزيادة الضغط على وكالة الأونروا.
لقد تم تقوية نتنياهو وحكومته المتطرفة تم تمكينهم بفضل الدعم الأمريكي غير المشروط، واستعداد مختلف الحكومات الغربية للتصرف بشكل متهور بناءً على ادعاءات إسرائيل الكاذبة فيما يتعلق بمنظمة الأمم المتحدة.
ومن خلال السماح لإسرائيل بنزع الشرعية عن وكالة الأونروا المسؤولة عن فرض القانون الدولي، تصبح أزمة منظمة الأمم المتحدة أعمق كثيرا.
إن النداء الحماسي الذي وجهته المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز في الثلاثين من شهر أكتوبر الماضي يعكس الإحباط الذي يشعر به العديد من المسؤولين المنتسبين إلى الأمم المتحدة إزاء تزايد عدم أهمية الأمم المتحدة.
وفي كلمتها تلك، أشارت ألبانيز إلى أنه إذا استمرت إخفاقات منظمة الأمم المتحدة، فإن تأثيرها سيصبح «غير ذي صلة على نحو متزايد ببقية العالم»، وخاصة خلال أوقات الاضطرابات والأزمات هذه.
وهذا الشعور بعدم الأهمية يشعر به بالفعل ملايين الفلسطينيين، وخاصة في قطاع غزة، ولكن أيضًا في الضفة الغربية. ورغم أن الفلسطينيين مستمرون في الصمود والرفض والمقاومة للعدوان الإسرائيلي، فإنهم سئموا النظام الدولي الذي يبدو أنه لا يقدم لهم سوى الكثير من الكلمات والوعود والقليل من الأفعال.
ولابد أن يمثل الحظر الذي تفرضه إسرائيل على وكالة الأونروا فرصة لأولئك المهتمين بمكانة منظمة الأمم المتحدة، لتذكير إسرائيل بأن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الذين لا يحترمون القانون الدولي يستحقون أن تنزع شرعيتهم. وهذه المرة يجب أن تكون الكلمات مصحوبة بالأفعال. لا شيء آخر سوف يكون كافيا.
{ أكاديمي وكاتب فلسطيني.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك