استضافت البحرين -بتنظيم من مجلس التنمية الاقتصادية- المنتدى الاستثماري بوابة الخليج، في نسخته الثانية يومي 3 و4 نوفمبر، تحت شعار الاستثمار في منطقة مزدهرة، الذي شهد مشاركة واسعة من كبار المسؤولين والخبراء وقادة الأعمال من المنطقة والعالم؛ بهدف بناء شراكات مستدامة، واستكشاف فرص استثمارية جديدة، في إطار مساعي المملكة لتعزيز مكانتها كوجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، ودعم جهودها الرامية إلى تنويع الاقتصاد، وتعزيز القطاعات غير النفطية، كمحركات رئيسية للنمو، تماشيا مع رؤيتها الاقتصادية 2030.
وفي عام 2023، احتلت المرتبة الرابعة عربيًا في عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة، بإجمالي استثمارات بلغ 6.8 مليارات دولار، محققة نموًا بنسبة 148%، مقارنة بعام 2022، وفقًا لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، (الأونكتاد)، حول الاستثمار العالمي. وقد أُعلن عن هذا التقرير في مؤتمر صحفي في البحرين، نظمه مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للاستثمار، بالتعاون مع الأونكتاد ومجلس التنمية الاقتصادية. وتصدرت الإمارات القائمة عربيًا، تليها السعودية، ثم مصر، بينما استحوذت البحرين على 12% من الاستثمارات التي استقطبتها دول الخليج.
وتنظر المملكة إلى الاستثمار الأجنبي المباشر، كمحرك رئيسي للنمو، وقد أولته خطة التعافي الاقتصادي البحرينية، أهمية قصوى. وبفضل الاستثمارات التي جذبتها عام 2023، ارتفع إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر، ليصل إلى 43.1 مليار دولار، ما يعادل 99.7% من الناتج المحلي الإجمالي. وتتصدر الكويت محفظة هذه الاستثمارات بنسبة 36%، تليها السعودية بنسبة 23%، ثم الإمارات بنسبة 10%.
ويعكس النمو الكبير في حجم الاستثمارات الجديدة ما تتمتع به من مزايا تنافسية، جعلتها وجهة مفضلة للمستثمرين، الباحثين عن بيئة تشغيلية ذات كلفة تنافسية، وموقع استراتيجي، وموارد بشرية ماهرة، وبيئة مالية منفتحة، ومنظومة تشريعية متطورة، ودعم حكومي مستمر لتحقيق نمو وتنوع اقتصاديين، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للبحرين من 11 مليار دولار في عام 2003، إلى أكثر من 43 مليار دولار في 2023، بمتوسط نمو سنوي بلغ 7%، متفوقًا على المتوسط العالمي البالغ 5%، وتراجعت مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 14%.
ومن بين المبادرات التي ساهمت في تعزيز تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البحرين في عام 2023، كانت مبادرة الرخصة الذهبية للاستثمارات الاستراتيجية، التي كان لها دور محوري في جذب الاستثمارات من المنطقة والعالم، والتي أسهمت منذ إطلاقها في جذب 2.1 مليار دولار لمشاريع كبرى، يُتوقع أن تسهم في خلق أكثر من 3000 فرصة عمل جديدة.
واستمرارا لهذه السياسة، واصلت البحرين استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2024. وأشار تقرير الربع الثاني الصادر عن وزارة المالية والاقتصاد الوطني، إلى أن رصيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بلغ 16.6 مليار دينار مع نهاية الربع الثاني من العام، مقارنةً بـ15.2 مليار دينار في 2023، محققًا زيادة بنسبة 9%. ومن الجدير بالذكر، أن خطة التعافي الاقتصادي التي أُطلقت في 2022، وتستمر حتى 2026، قد وضعت هدفًا لجذب استثمارات أجنبية مباشرة، بقيمة 2.5 مليار دولار في 2023، ما يعني أن ما تم تحقيقه تجاوز المستهدف بأكثر من الضعف.
ولتحقيق نمو اقتصادي مستدام، أصبحت مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي هي الأقل، ولم يعد الاقتصاد رهينة التذبذبات التي تحدث في أسواق النفط، وبات أكثر قوة في مواجهة الصدمات النفطية. وبحسب تقرير الربع الثاني لعام 2024، تصدرت أنشطة الخدمات المالية والتأمين؛ الأنشطة الاقتصادية، بنسبة 17.8%، محققة نموًا سنويًا بالأسعار الثابتة، بنسبة 2.3%. كما شهد قطاع الصناعات التحويلية، نموًا بنسبة 1.7%، ووصلت نسبة إنجاز مشروع مصفاة بابكو لتكرير النفط، إلى حوالي 97%، ونما نشاط تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 1.6%.
وأسهم نمو قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، في تحقيق تقدم ملحوظ عالميا. وجاءت المملكة في المرتبة 18 عالميًا من بين 193 دولة في مسح الحكومة الإلكترونية لعام 2024، الصادر عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة، متقدمةً بذلك 36 مركزًا، لتحقق موقعًا ضمن أعلى الفئات عالميًا. كما احتلت البحرين، مركزًا متميزًا، ضمن الفئة الأولى عالميًا في مؤشر الأمن السيبراني العالمي لعام 2024، الصادر عن الاتحاد العالمي للاتصالات، محققةً العلامة الكاملة في أربعة من أصل خمسة محاور رئيسية يشملها المؤشر.
واستمرت الأنشطة غير النفطية في 2024، تتفوق في نموها على الأنشطة النفطية، فحققت في الربع الثاني نموًا بنسبة 2.8%، في مقابل 1.3% للأنشطة النفطية، وكانت أبرز الأنشطة الاقتصادية نموًا؛ النقل والتخزين 12.9%، والمعلومات والاتصالات 11.3%، والسياحة 10.6%، وأنشطة الخدمات المالية والتأمين 2.1%، فيما زادت أعداد المسافرين عبر مطار البحرين الدولي بنسبة 15.6%، وزاد مشتركو الهواتف المحمولة بنسبة 8.9%، وزوار البحرين الذين يبقون أكثر من ليلة 20.8%، وارتفعت الميزانية الموحدة للجهاز المصرفي بنسبة 7.8%.
وعلى أساس نصف سنوي، وبالمقارنة مع عام 2023، سجل الناتج المحلي الإجمالي نموًا، بالأسعار الثابتة بنسبة 2.3%، حيث حققت الأنشطة غير النفطية نموًا بنسبة 3.1%، بينما تراجعت الأنشطة النفطية بنسبة 2.1%. وفيما يتعلق بالأسعار الجارية، نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.9%، مدفوعًا بنمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 2.8%، والأنشطة النفطية بنسبة 3.6%.
ووفقًا لتقديرات وزارة المالية والاقتصاد الوطني، من المتوقع أن يحقق الاقتصاد في عام 2024، نموًا، بنسبة 3% بالأسعار الثابتة، مع نمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 3.8%. وبالنسبة لعام 2025، توقعت نمو بنسبة 3.8% في الناتج المحلي الإجمالي، مع تحقيق نمو أعلى بنسبة 4.5% في الأنشطة غير النفطية، بفضل إتمام مشروع تحديث مصفاة شركة بابكو للتكرير. أما بالنسبة للتضخم، فقد بلغت نسبته 0.1% في 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 1% في 2024 و1.5% في 2025.
وفي منتدى بوابة الخليج، أعلنت شركة بابكو، استعدادها لإطلاق مرحلة حاسمة من مشروع تحديث المصفاة خلال 60 يومًا، بافتتاح المرحلة الأولى من المشروع الاستراتيجي، وإطلاق العمليات التشغيلية الجديدة، بطاقة إنتاجية تصل إلى 400 ألف برميل يوميًا، لتكون أبرز الإنجازات الاقتصادية الجديدة؛ ما يعزز مكانة البحرين، كدولة رائدة في مجال الابتكار في قطاع الطاقة، حيث تنتج مكررات نفطية عالية الجودة، تتحلى بالمسؤولية البيئية، ومكافحة آثار التغير المناخي.
ومن الجدير بالذكر، أن زيادة قدرة المصفاة، من 267 ألف برميل يوميًا حاليًا، إلى 400 ألف برميل، من شأنه زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتعميق العلاقات السعودية البحرينية، حيث تعتمد على النفط المستورد من السعودية؛ ولهذا فالمشروع قد ارتبط بتحديث أنابيب النفط الناقلة للنفط الخام من السعودية إلى المصفاة، وبلغت التكلفة الاستثمارية لتحديثها نحو 7 مليارات دولار، وجرى التطوير بالتعاون مع شركة توتال إنيرجي. ويأتي افتتاح هذا المشروع الاستراتيجي الضخم، ضمن عدة مشروعات اشتملت عليها خطة التعافي الاقتصادي البحرينية، بقيمة 30 مليار دولار، في قطاعات السياحة، والتجارة، والصحة، والإسكان، والنقل، والاتصالات، والصناعة، والرياضة، والتي تغير تمامًا من وجه البحرين الاقتصادي، وتزيد من جاذبيتها للاستثمار.
ويُعتبر مشروع جسر الملك حمد، من أبرز المشروعات، التي تعزز تدفق الاستثمارات، وتضاعف حجم التجارة الخارجية، حيث يُعد مكملاً لمشروع السكة الحديدية الخليجية، ويمثل شريانًا جديدًا، يربط البحرين بالسعودية. ويتضمن المشروع إنشاء أربعة مسارات للمركبات ومسارين للسكة الحديد. ويربط خط السكة الحديد الخليجي -الذي يمتد على طول 57 كيلومترًا- بين محطة الملك حمد الدولية للركاب، ومحطة السكة الحديد في منطقة الدمام بالسعودية. ويمتد الجسر الملك حمد على طول 25 كيلومترًا؛ ما يجعله موازيًا لجسر الملك فهد، كما سيوفر الربط بين محطة الملك حمد الدولية للركاب، وشبكة مترو البحرين المزمع إنشاؤها، والواصلة إلى مبنى المسافرين في مطار البحرين الدولي، بالإضافة إلى المناطق التجارية والسكنية الحيوية في المملكة.
على العموم، يقف الاقتصاد البحريني بثبات على طريق النمو المستدام، مع التركيز على إعادة توجيه إيراداته من القطاع النفطي، نحو تنمية القطاعات غير النفطية، التي أصبحت تمثل 86% من هيكله. وفي مسيرته نحو التحول، حافظ على أولوية الاستثمار في البشر، وعدها مفتاح تنمية القطاعات غير النفطية. وفي رؤية 2050، تسعى المملكة لتعزيز هذه الاستثمارات من خلال الانتقال إلى اقتصاد رقمي وابتكاري، مع الالتزام برؤية جلالة الملك في تحقيق توازن بين الجوانب المادية، والثقافية في البناء الحضاري، بما يضمن الحفاظ على هوية وقيم الشعب البحريني.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك