بعد أن رفضت جمهورية أوكرانيا في ظل الرئيس فلاديمير زيلينسكي فرص السلام المتعددة وخاصة الفرصة التي جاءت بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في شهر مارس 2022 وبعد أن ورطه الغرب في هذه الحرب الطاحنة المستمرة منذ أكثر من سنتين ونصف السنة وبعد أن دفعت أوكرانيا ثمنا باهظا من قواتها العسكرية وبنيتها التحية وبعد أن فشل الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية في إلحاق الهزيمة الاستراتيجية بروسيا الاتحادية وبعد فشل قمة السلام المضحكة التي انعقدت في جنيف بسويسرا في الصيف الماضي وبعد فشل الرئيس زيلينسكي في إقناع الغرب بالسماح له باستخدام الصواريخ الباليستية متوسطة وبعيدة المدى لضرب العمق الروسي، ها هو الرئيس زيلينسكي يعلن أمام القوى الغربية ما يسميه خطة «النصر» ومشروع النصر في الوقت الذي تشهد فيه الساحة العسكرية في أوكرانيا انهيارات متتالية للجيش الأوكراني في مواجهة الجيش الروسي في إقليم الدونباس وفي منطقة كورسك التي تشهد انهيارات سريعة للقوات الأوكرانية فيما يقترب الجيش الروسي من لحظة النصر العسكري تمهيدا لترجمتها بالانتصار السياسي.
ما الذي تضمنته خطة «النصر» الأوكرانية التي عرضها الرئيس الأوكراني زيلينسكي؟.
لقد تضمنت خطة «النصر» التي عرضها على شركائه الغربيين عددا من النقاط أهمها ما يلي:
أولا: الإعلان الفوري عن قبول أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي «الناتو» والتعجيل في ذلك ليكون هذا القبول ضربة في وجه روسيا الاتحادية التي قاتلت هذه السنوات من أجل منع أوكرانيا من امتلاك أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها السلاح النووي وتركيز الخطة على هذه النقطة على أساس أنها ستكون أمرا واقعا جديدا يجعل روسيا تتوقف عن مهاجمة أوكرانيا بحسب ما تفرضه هذه الخطة التي لم يقبل بها أغلب الشركاء الغربيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية استنادا إلى أن أهم قاعدة من قواعد قبول الأعضاء الجدد في الناتو ألا تكون الدولة الراغبة في الانضمام في حالة حرب.
إن هذا الأمر هو ما دفع هؤلاء الشركاء إلى تأجيل مناقشة هذا الموضوع إلى الاجتماع القادم في صيف 2025 وخصوصا أن الوضع السياسي والدستوري للرئيس الأوكراني حاليا يبدو حوله لغط كثير وخصوصا أن فترته الرئاسية الدستورية انتهت وهو الآن يعمل خارج الدستور وفقا لما يقوله الكثيرون حتى داخل أوكرانيا نفسها.
ثانيا: يتمثل في طلب الرئيس زيلينسكي توريد أسلحة نووية إلى أوكرانيا أو مساعدتها على إنتاج مثل هذه الأسلحة «للدفاع عن أوكرانيا» وهذا طبعا أمر صعب خاصة في ظل الحرب القائمة حاليا وكذلك في ضوء وثيقة استقلال أوكرانيا عن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية التي من شروطها تجريد أوكرانيا من جميع أسلحة الدمار الشامل والتزامها بعدم امتلاك هذه الأسلحة في أي يوم من الأيام، كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن صراحة وبوضوح أنه لن يسمح لأوكرانيا بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وخصوصا السلاح النووي، كما أن هذا الأمر في حالة حدوثه وهو مستبعد ستعتبره روسيا الاتحادية حربا مباشرة ضدها من حلف شمال الأطلسي بما سيعني في النهاية استخدام الأسلحة النووية بشكل أو بآخر وضد جميع الدول التي تدعم أوكرانيا.
ثالثا: المطالبات المتكررة بتقديم السلاح والمزيد من السلاح إلى أوكرانيا من قبل الشركاء الغربيين الذين أنهكتهم هذه الحرب واستنزفت كامل طاقاتهم وأسلحتهم وأموالهم لم تعد هذه الدول قادرة على الاستجابة للطلبات التي من الواضح أنها خسرت الحرب وكما هو معلوم فإن الشركاء الغربيين تحكمهم الرأسمالية التي ترفض الدخول في أي مشروع خاسر وأوكرانيا تحولت الآن إلى مشروع خاسر بالنسبة إلى الدول الغربية بالرغم من الإغراءات التي أعلنها الرئيس زيلينسكي في خطة «النصر» والمتضمنة استعداد أوكرانيا لفتح ثرواتها أمام الدول الغربية الكبرى دون الانتباه إلى أن معظم هذه الثروات موجودة في منطقة الدونباس وأن روسيا على وشك استعادتها كاملة إلى القوام الروسي والخارطة الروسية الجديدة في ظل الاستفتاء وموافقة أغلب سكان هذا الإقليم إلى الانضمام إلى روسيا.
أما بقية النقاط المطروحة في خطة «النصر» الأوكرانية فهي متكررة وغير ذات أهمية كبيرة ولكن من الملاحظ أن هذه الخطة لم تلق أي ترحيب غربي حقيقي حيث يفترض أن يدرك النظام الأوكراني مدى عقم السياسة التي يتبعها الرئيس زيلينسكي.
لقد بدأت الأصوات الغربية تنادي بالقبول بالتفاوض والحلول السلمية لأن المعركة العسكرية قد انتهت تقريبا لصالح روسيا الاتحادية وأن القوات الروسية أثناء إعلان الرئيس الأوكراني زيلينسكي خطته كانت تتقدم بشكل حثيث في جميع الجبهات ومن هنا تأتي المفارقة أن يعلن طرف مهزوم عمليا في جبهات القتال خطة «النصر».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك