بات من المؤكد الذي لا يقبل الشك أن «إسرائيل» ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية ليست بينهما عداوة أو خصومة عميقة مع إيران، وهذا على عكس ما نراه في خطابهم السياسي والإعلامي الذي يعج بمفردات وعبارات العداء لكل منهم، نعم لقد أثبتت الضربة الأخيرة التي وجهتها «إسرائيل» إلى إيران ما هي إلا مسرحية هزلية بمعنى أنها غير حقيقية بدليل أن نتائجها كانت جدا محدودة، إذ لم تتعد مقتل جنديين إيرانيين أو أربعة، حسبما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إيرنا» عن بيان للجيش أثناء التصدي للصواريخ التي أطلقها النظام الصهيوني المجرم.
إن المتابع للمشهد الإسرائيلي الإيراني منذ قيام نظام الملالي في إيران بقيادة الخميني سيكتشف أن الملاسنات والمماحكات والمناوشات التي تجري بين إسرائيل وإيران، إضافة إلى التهديد والوعيد لكل منهما بإزالة الآخر من على الخريطة هي جزء من المسرحية السياسية التي أتقن كل منهما في تقمص دوره ببراعة فائقة بحسب التوجيهات والارشادات التي رسمها المخرج الأمريكي.
لقد أثبتت الأحداث أن الصراع الإيراني الإسرائيلي ليس حقيقيا، وأنه مجرد لعبة الفائز فيها هما «إسرائيل» وإيران، أما الخاسر الحقيقي في هذه اللعبة؛ فهم الذين صدقوا كذبة إيران الكبرى التي روجتها منذ زمن بعيد بأن عدوها اللدود هو: الكيان الصهيوني ومن خلفه الولايات لمتحدة (الشيطان الأكبر)!
في اعتقادي، أن الحقيقة الغائبة عن الكثيرين هي أن المثلث المكون من (إسرائيل والولايات المتحدة وإيران) هم أصدقاء وأن التعاون بينهما جدا قديم ولم ينقطع ومستمر إلى اليوم وفي أكثر من ملف، وفي هذا السياق نستذكر ما عرف في ثمانينيات القرن الماضي وبالتحديد 1985 (إيران – كونترا) أو فضيحة (إيران جيت) التي عقدت بموجبها الحكومة الأمريكية تحت إدارة الرئيس رونالد ريجان أتفاقاً مع إيران لتزويدها بالأسلحة أثناء حربها مع العراق، وذلك مقابل إطلاق سراح بعض الأمريكيين المحتجزين في لبنان. وكان «لإسرائيل» دور رئيسي في نقل تلك الأسلحة.
كما أن التعاون بين إيران والولايات المتحدة لم ينته عند هذه الصفقة فقط بل نجده يتكرر بينهما في الساحة الأفغانية عندما كانت الولايات المتحدة في حاجة إلى مساعدة إيران في المراحل الأولى من حربها في أفغانستان. وعلى الرغم من الشعارات العدائية التي ترفعها إيران ضد الولايات المتحدة، وإدانتها غزو الأخيرة لأفغانستان، نرى أنها لم تتردد في تقديم الدعم الميداني للولايات المتحدة في حربها ضد طالبان وتنظيم القاعدة، فقد وافقت في أكتوبر 2001 على المساهمة في إنقاذ أي قوات أمريكية تتعرض لمشاكل في المنطقة، كما سمحت للولايات المتحدة باستخدام أحد موانيها لشحن القمح إلى مناطق الحرب في أفغانستان، وشاركت في الدعم العسكري لقوات التحالف حتى سيطرت على كابول.
كما تجدد التعاون القائم بين إيران والولايات المتحدة في الساحة العراقية عندما أراد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في عام 2003 غزو العراق؛ فقد أبرم الأمريكيون اتفاقاً سرياً مع الإيرانيين قبل الغزو، ووفقا لهذا الاتفاق حصلت أمريكا على تعهد إيراني بعدم إطلاق النار على الطائرات الأمريكية، في حال دخلت الأخيرة الأجواء الإيرانية.
في إطار هذه الوقائع الآنفة الذكر، نستنتج أن الإسرائيليين والأمريكيين والإيرانيين ليسوا أعداء كما يبدو في الخطاب السياسي العلني لكل منهم، وإنما هم أصدقاء في السر بدليل أن التنسيق بينهما لم ينقطع يوماً، وأن المحادثات السرية بينهم استمرت حتى بعد رحيل الخميني، وهذا ما أكده الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي ذكر في أحد تصريحاته: أنه «لولا مساعدة إيران لما تمكنت الولايات المتحدة من غزو أفغانستان والعراق».
من هنا، يجب أن نؤكد نقطة مهمة من أجل تفكيك لغز الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران وهي أن التنسيق بين كل من «إسرائيل» والولايات المتحدة وإيران مستمر ولكنه يجري من تحت الطاولة، وأن هدفه الأساسي هو عدم الإضرار بمصالح أي طرف منهم، وهناك عدة مؤشرات تدل على ذلك وآخرها ما جرى بين إيران و«إسرائيل » من هجوم متبادل، ويتضح من خلال الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران حيث طلب جو بايدن من «إسرائيل» عدم ضرب منشآتها النووية، ومواقعها النفطية، وقد انصاع نتنياهو لطلب بايدن؛ لأنه يدرك جيدا أن ضرب تلك المنشآت ليس في صالح «إسرائيل » ولا في صالح حليفتها الولايات المتحدة.
ولذلك فهو لم يستهدفهما في حربه الأخيرة كما أنه لم يوجه ضرباته لأي مركز عسكري للحرس الثوري في طهران وهو الأمر الذي يثير الاستغراب كون الأخير الأكثر عداء في خطابه الإعلامي والسياسي نحو الكيان الصهيوني وكان من المفترض أن توجه إسرائيل نيرانها إلى قواعده العسكرية، لكنها لم تفعل ذلك، وإنما وجهت ضرباتها نحو أهداف أخرى، وهذا دليل قاطع على أنها ملتزمة بالتعليمات الأمريكية حتى وإن كانت تنفي دائماً ذلك، وربما يكون من ضمن بنود الاتفاق الذي ينظم قواعد الاشتباك بينهما أو هكذا أراد المخرج الأمريكي الذي رسم سير العملية العسكرية أن تكون ، وهو الذي أيضاً شدد على منفذي العملية «إسرائيل» بعدم الخروج عن النص المكتوب، ولذلك جاءت النتيجة بحسب رؤية المخرج من دون زيادة أو نقصان، وهذا ما ذكره الجيش الإسرائيلي في إعلانه نهاية العملية العسكرية. وهو ما أكدته إيران أيضاً من جانبها عن عودة الحياة الطبيعية في إيران إلى سابق عهدها.
في هذا السياق لم ينس (المخرج الأمريكي) إسداء النصح للطرفين وتوصيتهما بأن تكون هذه العملية آخر العمليات العسكرية، وأن يلتزم الطرفان بعدم تجديدها، وهذا ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن: (نأمل أن تكون هذه الهجمات الإسرائيلية على إيران هي النهاية).
إنها حقاً تقية سياسية تستخدمها هذه الدول من أجل بسط نفوذها وتحقيق أهدافها المشتركة في منطقتنا العربية. وعليه ندعو أولئك الذين على قلوبهم غشاوة ومازالوا متمسكين بقناعاتهم حيال إيران، إعادة النظر في مواقفهم خاصة بعد أن كشفت الحقائق عن أهدافها الخفية في المنطقة، والدور الذي لعبته أمريكا -ولا تزال- في تمكينها من تحقيق غاياتها.
إننا على يقين بأن كل ما قامت به إيران ما هو إلا جزء من تكتيكات اللعبة التي تمارسها بمهارة واقتدار على أرض غيرها. ولتأكيد كلامنا انظر إلى حجم الخسائر البشرية والمادية لكل من إسرائيل وإيران في إطار حربهما المتبادلة فهي لا تكاد تذكر مقابل التدمير الهائل الذي طال غزة ولبنان وليس طهران أو أي مدن أخرى في الجغرافيا الإيرانية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك