أثارت المنافسة الرئاسية الحامية بين مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس والمرشح الجمهوري دونالد ترامب جدلاً حادًا داخل المجتمع العربي الأمريكي. لو كانت سنة انتخابية عادية، لكنت خرجت إلى الميدان لأحث مجتمعي على التصويت للديمقراطيين.
أود بداية أن أحذر الأمريكيين العرب من أننا بحاجة إلى بذل كل ما في وسعنا لمنع دونالد ترامب من العودة إلى البيت الأبيض. أود أن أذكرهم بعنصريته وكراهيته للأجانب وخطابه المناهض للمسلمين والمهاجرين في الولايات المتحدة الأمريكية.
أود أن أشير إلى الخطر الذي تشكله عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة على حقوق المرأة، والحقوق والحريات المدنية، والبيئة، وحماية الصحة والسلامة في مكان العمل، والرعاية الصحية، والحرية الأكاديمية، والخطاب المدني، والدستور. سيكون الأمر كما نقول «ضربة قاضية»، لكن هذه ليست انتخابات عادية.
لقد أصيب مجتمعي بصدمة عميقة بسبب الإبادة الجماعية في غزة والآن الحرب المدمرة على لبنان. إنهم غاضبون بشكل مبرر من رفض إدارة الرئيس جو بايدن تطبيق القوانين الأمريكية التي يمكن أن تكبح جماح تصرفات إسرائيل غير المعقولة وغير القانونية، كما أنهم يتهمونها بتمكين إسرائيل من الإفلات من العقاب.
وبالنظر إلى ذلك، كان هناك انخفاض كبير في دعم العرب الأمريكيين للديمقراطيين، وارتفاع طفيف في دعم الحزب الجمهوري، حيث يقول الكثيرون إنهم يريدون معاقبة الديمقراطيين من خلال التصويت لمرشح طرف ثالث. أنا أيضًا أشعر بهذا الألم وأنا في حيرة من أمري بشأن كيفية المضي قدمًا. أتمنى أن يكون الأمر مختلفًا، لكنه ليس كذلك.
ومع ذلك، لديّ بعض الأسئلة لأولئك الذين يحملون هذه الإدارة الديمقراطية الحالية المسؤولية عن الإبادة الجماعية ويريدون معاقبة مرشحة الحزب الديمقراطي لمنصب الرئيس.
عندما يقولون إنهم يصوتون بضميرهم من خلال دعم طرف ثالث، أطلب منهم أن يشرحوا كيف أن معاقبة نائبة الرئيس هاريس وتمكين دونالد ترامب من أن يصبح رئيسًا ستنهي الإبادة الجماعية، وخاصة أن لدينا حلفاء في الجانب التقدمي من الحزب الديمقراطي. من يدعمنا ويعمل معنا لتعزيز مخاوفنا المتعلقة بالسياسة الخارجية والداخلية وسيكون معنا للضغط على البيت الأبيض في عهد كامالا هاريس؟
وفي الوقت نفسه، يهيمن على حزب ترامب الصقور المتشددون الذين لا يهتمون كثيرًا بالفلسطينيين أو بحقوقنا المدنية.
ثم كيف يمكن للتصويت للأحزاب الموجودة منذ عقود والتي تكافح من أجل الحصول على 1% من الأصوات أن يقدم أي شيء آخر غير المساعدة في انتخاب دونالد ترامب؟
وكيف أن إدارة ظهورنا لكل المجموعات التي كانت حليفتنا في النضال من أجل حقوقنا المدنية والسياسية ومن أجل سياسة خارجية عادلة يضيف إلى «التصويت بضمير»؟
وهذا يذكرني بالدرس الذي تعلمته من الراحل جوليان بوند في أعقاب انتخابات عام 1968. قبل عقد من الزمان، كتبت تأملات حول ذلك الدرس. لذا، أطلب منكم اليوم أن تفكروا في الأمر مرة أخرى:
كان ذلك في عام 1968، عندما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تترنح جراء خسائرها الفادحة في حرب فيتنام، والاضطرابات التي عمت العديد من مدنها، واغتيال كل من القس مارتن لوثر كينغ والسيناتور روبرت كينيدي.
في أعقاب معارضة الناخبين للحرب الأمريكية في فيتنام، اضطر الرئيس ليندون جونسون إلى التراجع عن سعيه لإعادة انتخابه، مفسحا بذلك المجال لصالح نائبه هيوبرت همفري.
لقد ساد هذا الإحساس عندما اجتمع الديمقراطيون في مؤتمرهم لترشيح هيوبرت همفري رسميًا لخوض غمار الانتخابات الرئاسية الأمريكية. في الليلة الأولى من المؤتمر، كان هناك صراع حول ما إذا كان سيتم الاعتراف بوفد جورجيا المكون من البيض بالكامل أو الوفد المختلط بالأبيض والأسود بقيادة زعيم الحقوق المدنية الشاب في جورجيا جوليان بوند.
حقق الوفد المختلط انتصارا جزئيا. وفي الليلة الثانية، شهد المؤتمر جدلا حادا سببه محاولة تعديل برنامج الحزب بشأن معارضة استمرار الحرب في فيتنام. لعب الراحل جوليان بوند دورا رائدًا في تلك المعركة أيضًا، رغم أن محاولة التعديل قد سقطت في الماء.
في الليلة الثالثة، عندما اجتمع المؤتمر للموافقة على المرشح لمنصب نائب الرئيس، اقترح المندوبون المناهضون للحرب في فيتنام أن يترشح الراحل جوليان بوند في مواجهة السيناتور إد موسكي الذي اختاره قادة الحزب الديمقراطي.
وعندما لم يتمكن زعماء الحزب من إسكات المعارضة المناهضة للحرب، أحضروا قوات الشرطة التي بثت برامج تلفزيونية وهي تضرب المندوبين الذين كانوا يهتفون باسم جوليان بوند.
في اليوم الأخير من المؤتمر، بعد أن ألقى همفري وموسكي خطابي القبول، صعد جوليان بوند على خشبة المسرح وفي عرض للوحدة رفع يدي همفري وموسكي. لقد شعر العديد من الناشطين الشباب، مثلي يومها بخيبة كبيرة.
وبعد سنوات قليلة، تعرفت على جوليان بوند شخصيا، وسألته عن سبب قيامه بذلك وأخبرته بمدى الإحباط الذي شعرت به. ردا على ذلك، أخبرني أن هناك نوعين من الناس.
أولئك الذين كانوا ينظرون إلى شرور العالم ومآسيه ويقولون: «سوف نتمسك بمبادئنا لأن الوضع سيتحسن لا محالة بعد أن يزداد سوءا». ثم هناك من يقول: «يجب أن أبدأ العمل لأرى ما إذا كان بإمكاني أن أجعل الأمر أفضل قليلاً على الأقل».
قال لي جوليان بوند: «أنا مع المجموعة الثانية لأنني لو أخذت وجهة النظر الأولى، سأسمح للكثير من الناس أن يستمروا في المعاناة بينما أحافظ على نقائي وأرفض أن أفعل أي شيء للمساعدة».
«في المؤتمر، لم تكن المواجهة بين جوليان بوند وإد موسكي. لقد كانت المواجهة الحقيقية بين هيوبرت همفري وريتشارد نيكسون، وكان عليّ أن أختار من سيساعد في جعل الحياة أفضل قليلا على الأقل».
لم أنس هذا الدرس أبدًا وبقيت أواجه تحديًا يوميًا مع نفسي منذ تلك اللحظة لتطبيقه. وهذا هو السبب الذي يجعلني لا أطيق الأيديولوجيين من اليمين أو اليسار.
إن هؤلاء الأيديولوجيين غالبًا لا يدركون مرارة الواقع الذي يعيش فيه معظمنا أو الخيارات الصعبة التي نواجهها في التحدي الذي لا ينتهي لجعل الحياة أفضل قليلاً - سواء في النضال من أجل حقوق الإنسان، أو تحسين نوعية الحياة، أو توفير الأمن للفئات الأكثر ضعفاً وهشاشة.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك