تأسست مجموعة البريكس عام 2006 من أربع دول وهي البرازيل وروسيا والهند والصين ثم انضمت إليها جنوب إفريقيا عام 2010 واسم «بريكس» هو مكون من الأحرف الأولى للدول المؤسسة المشار إليها، وتُعد مجموعة البريكس تجمعاً اقتصادياً مهماً، فوفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي فقد أسهم البريكس بحوالي 28,3% في الاقتصاد العالمي عام 2023، وقد دعت المجموعة دولا أخرى لعضويتها اعتبارا من يناير 2024 وهي الأرجنتين والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا وإيران، وبغض النظر عن الدول التي قبلت العضوية أو رفضتها أو لا تزال قيد الدراسة فلا شك أن انضمام أعضاء جدد لتلك المجموعة يعني زيادة حجم مساهمتها في الاقتصاد العالمي، وبغض النظر عن التقديرات سواء الواقعية أو تلك المبالغ فيها، فإن المتابع لتلك المجموعة من حيث النشأة والأهداف يجد أنه بالرغم من أن الاقتصاد هو أساس نشأة تلك المجموعة وهي تضم بالفعل مجموعة من الاقتصادات المهمة والصاعدة في الاقتصاد العالمي فإن الأمر لا يخلو من أهداف سياسية، فبعيداً عن الدول العربية وغير العربية التي انضمت حديثاً فإن الدول المؤسسة لتلك المجموعة جميعها بغض النظر عن درجة تقاربها أو تباعدها مع الولايات المتحدة تستهدف تحقيق التوازن الاقتصادي العالمي من خلال الحد من هيمنة الدولار، ولكن مع هذا الهدف العام فإن هناك تباينات في أهداف كل دولة على الصعيد السياسي بالتوازي مع الأهداف الاقتصادية، وإذا كان من الصعب فصل الأهداف الاقتصادية عن نظيرتها السياسية: فهل تتمكن المجموعة بالفعل من تحقيق ذلك الهدف الاستراتيجي؟ حيث إن الحد من هيمنة الدولار يعني بالتبعية تعديل هيكل النظام العالمي الراهن القائم على قيادة الولايات المتحدة والمعسكر الرأسمالي عموماً منذ تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991؟ فبنظرة تحليلية على بعض كلمات القادة المشاركين في القمة السادسة عشرة التي استضافتها مدينة قازان الروسية خلال الفترة من 22-24 أكتوبر2014 وشارك فيها ممثلو 40 دولة ومنظمة إقليمية ودولية، نجد أن الأهداف السياسية كانت أكثر وضوحاً في تلك الكلمات حيث تزامن انعقاد تلك القمة مع اليوم العالمي للأمم المتحدة في ظل مشاركة أنطونيو جوتيرش الأمين العام للمنظمة الأممية في تلك القمة، وهو الأمر الذي انعكس في كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من حيث تأكيد أهمية المنظمة الأممية ومقاصدها، فضلاً عن كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال «إن النظام العالمي الحالي يحتاج إلى التعديل، مؤكداً ضرورة بدء البحث عن حلول توافقية وأن بريكس ستساعد في ذلك»، كما حظيت قضايا منطقة الشرق الأوسط باهتمام مناقشات مجموعة البريكس وخاصة وقف إطلاق النار في غزة، وعلى الرغم من عدم وضوح تفاصيل بشأن تحركات المجموعة مستقبلاً لتحقيق أهدافها فكان، لافتاً إلى أن البيان الختامي جاء في 43 صفحة ليضم الكثير من القضايا المهمة لعمل المجموعة مستقبلاً أولها: الحديث عن الشراكات الجديدة في ظل إشارة بعض المصادر إلى أن هناك أكثر من 30 دولة تقدمت بطلب رسمي للانضمام إلى المجموعة، وثانيها: دعوة البيان إلى إصلاح المؤسسات الدولية من خلال زيادة مساهمة البلدان النامية في الاقتصاد العالمي، وثالثها: الترحيب باستخدام العملات الوطنية في التعاملات المالية بين دول المجموعة وشركائها التجاريين، ورابعها: إنشاء منصة استثمارية جديدة لضمان الخدمات اللوجستية متعددة الوسائط بين دول المجموعة ودعم المبادرة الروسية لإنشاء بورصة حبوب تغطي قطاعات الزراعة الأخرى في المستقبل، ورابعها: تأكيد دعم استراتيجية الشراكة الاقتصادية للمجموعة حتى عام 2025 والتي تتضمن تدابير دعم إصلاح منظمة التجارة العالمية.
ومع أهمية ذلك الاجتماع لمجموعة من الدول الكبرى والمتوسطة والصغرى في العالم والتي تجمعها مصالح مشتركة على الأقل على المستوى الاقتصادي فإن ثمة تساؤلين مهمين أولهما: هل تكفي بالفعل الأطر المؤسسية الحالية لتلك المجموعة لتطورها نحو تكتل ذي تأثير في الساحة العالمية؟، وثانيهما: ما العوامل التي تعد معوقات أمام تلك المجموعة؟ وللإجابة عن التساؤل الأول فلا شك أنه بالرغم من الأهداف الطموحة لتلك المجموعة فإنها لم تؤسس آليات محددة لها صفة الديمومة والقدرة على المتابعة لتحقيق أهدافها فلا يزال هناك جدل كبير حول الهدف الرئيسي من تأسيس البريكس وهو مواجهة سيطرة الدولار على الاقتصاد العالمي بالنظر لصعوبة تنفيذ ذلك على أرض الواقع ومنها كيفية إصدار عملة موحدة بديلاً للدولار الذي لا يزال يسيطر على 70% من التعاملات المالية الدولية، ولا تزال الولايات المتحدة بالفعل شريكاً رئيسياً ليس فقط للدول الصغرى والمتوسطة حديثة العضوية في البريكس ولكن أيضاً للدول الكبرى ذاتها ضمن مشروعات قائمة بالفعل، على عكس مشروعات البريكس التي لا تزال مقترحات، من ناحية ثانية حتى بافتراض أن التحولات الدولية الراهنة سواء الحرب في أوكرانيا أو غزة كان نتيجتها محاولة بعض الأطراف الدولية توظيف نتائج تلك التحولات لجهة تأسيس تكتلات مناوئة فإن الدول حديثة العضوية في البريكس ليس بالضرورة أن يكون لديها نفس أهداف نظيرتها الكبرى وإنما وجود الدول الصغرى والمتوسطة ضمن تكتلات اقتصادية يحقق لها مصالح استراتيجية وليس بالضرورة المناوئة السياسية ومن تلك المصالح الحصول على التكنولوجيا العسكرية وتنويع شراكاتها الاقتصادية.
ولا شك أن هناك الكثير من المعوقات أمام البريكس ليس أقلها اختلاف أهداف ومصالح أعضائها ذاته وهي الدول التي لديها في الوقت ذاته تعاملات اقتصادية هائلة مع الشريك الأمريكي، بل وبعضها ارتباطات أمنية ودفاعية، من ناحية ثانية يلاحظ أن هناك تباينا في درجات التطور الاقتصادي بين دول المجموعة وهو الأمر الذي يحد من إمكانية التكامل الاقتصادي بين دولها.
ومع أهمية وجود توقعات مفادها أنه بحلول عام 2028 سوف يكون الناتج المحلي الإجمالي لدول البريكس حوالي 37% من القوة الشرائية من الناتج الإجمالي العالمي وهي نسبة لا يستهان بها إذا تحققت فإن ذلك يعني تحدياً للتجمعات الاقتصادية الغربية المماثلة فإن الأمر لا يرتبط بالأرقام فحسب بل في سلوك وسياسات الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة تجاه البريكس وهي التي لا تزال لديها علاقات استراتيجية مع بعض أعضائها.
إن توجه دول العالم إلى الانضواء ضمن تكتلات اقتصادية أصبح ظاهرة مهمة ضمن تحولات النظام العالمي وهو أمر فرضته التحولات العالمية والتي أدت بالطبع إلى تأثيرات إقليمية أتاحت للدول الصغرى والمتوسطة الانخراط مجدداً في تفاعلات ذلك النظام، ولكن الأمر لا يعني الانتقال من المقدمات إلى النتائج دون الحديث عن آليات محددة لتطور تلك التنظيمات والتي تتاح لها فرص للتطور ولكنها تواجه تحديات في الوقت ذاته على المديين القريب والبعيد.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك