ندب الإسلام نفسه مدافعًا عن الأنثى في وقت عزَّ فيه النصير، وكانت الأنثى أحوج ما تكون إلى العون والمساعدة، وكانت بعض القبائل تئد البنات، وكان رجل من رجالات العرب الأثرياء يشتري الموءودة، ويربيها ويوليها عظيم اهتمامه، ويسجل القرآن الكريم هذا الوضع المزري الذي يشعر به الرجال حين يبشرن بمولد الأنثى لهم، قال تعالى: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم (58) يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون (59)) سورة النحل. وإلى هؤلاء وأمثالهم يتوجه الخطاب القرآني ليصف أحوالهم يوم القيامة بقوله تعالى: (وإذا الموءودة سئلت (8) بأي ذنب قتلت(9)) سورة التكوير.
يا له من موقف عظيم، وسوف يكون نبي الإسلام العظيم هو من يتصدى لهؤلاء القتلة، وهو نعم المدافع الذي لن يكون له نظير يوم العرض الأعظم.
وللأنثى حق اختيار العقيدة التي تؤمن بها، وتنتمي إليها ، ويكون ولاؤها لها ، وهذا الحق يؤيده رسول الله محمد(صلى الله عليه وسلم) يوم القيامة، ويقدم أدلته من القرآن، كتاب الله تعالى، وهو أوثق الأدلة وأصحها سندًا عند الله تعالى، حتى إن الأنبياء لم يستطيعوا فرض ما يعتقدون على زوجاتهم، وما يدعون الناس إليه من الرسالات التي بعثهم الله تعالى بها، وها هو نوح ولوط (عليهما السلام) لم يحملا زوجاتهم على الإيمان بدعوتهما، وأيضًا فرعون الذي ادعى الألوهية حين قال: (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري …) القصص / 38).
ولَم تخف زوجة فرعون إيمانها، بل أعلنته وتحملت في ذلك العذاب الشديد، وكان لها ألا تعلن هذا الإيمان وتسره في قلبها لكنها أرادت أن تضرب أعظم المثل على ما تتمتع به المرأة من حرية في اختيار ما تؤمن به.
والحق سبحانه وتعالى حين اختار الأمثلة على حرية العقيدة من النساء، فذلك ليدلل على ما بلغته المرأة من جرأة قد لا يتمتع بها كثير من الرجال.
ولقد أراد الله تعالى بهذين المثلين أن المرأة قد تكون أقوى من بعض الرجال حين يتطلب الموقف ذلك، وأن قوة الإرادة وحرية التعبير عما تضمره في قلبها ليست وقفًا على الرجال دون النساء.
وللمرأة في الإسلام حرية التملك، وحرية التصرف فيما تملك دون تدخل من الأب أو الأخ، أو حتى الزوج، ولها أن تستشير الأب أو الزوج أو الأخ، ولها بعد ذلك حرية الأخذ بمشورتهم أو ردها عليهم، دون أن يمس ذلك رجولة الزوج أو قوامته عليها، لأن القوامة في الإسلام لا تعني التسلط والتحكم. وأما ما يثيره البعض حول حق المرأة في الميراث، وأن فيه ظلم لها حين يعطيها الإسلام نصف ما يعطي المرأة، فإن الإسلام حَمَّل الرجال من التكاليف ما أعفى منها المرأة من مهر وتوفير السكن والقيام بشؤون الأسرة، والمرأة هي مكفولة من والدها وإخوتها قبل الزواج، وهي مكفولة أيضًا بعد أن تعود إلى بيت والدها أو إخوتها بالطلاق أو الترمل، وهي مكفولة في جميع أحوالها ومن الظلم للرجال أن يحملوا كل هذه التكاليف ثم يتساوون مع المرأة في الحقوق.
وأما شهادة المرأة بنصف الرجل، فهي ليست في جميع الأحوال، فقد تقبل شهادة المرأة في قضايا ولا تقبل فيها شهادة الرجال، ولقد علل الحق سبحانه وتعالى شهادة المرأة في الديون، فقال تعالى: (..واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى …) البقرة / 282. وهذه العلة هي ما قصدها الشارع الحكيم، بدليل أن هناك مسائل لا تقبل فيها شهادة الرجال مثل: قضايا الرضاعة، وهذا ليس تقليلا من شأن المرأة أبدًا، وعبارة: أنت تضل إحداهما.. ليس مقصودًا بها الضلال المقابل للهداية بدليل ورود فعل «تذكر» الذي يقابل النسيان وذلك لأن المرأة قد تعتريها بسبب الدورة الشهرية ما يؤثر في ذاكرتها وحكمها على القضايا التي تحتاج إلى ذاكرة قوية ومتوازنة.
ومن الحقوق التي كفلتها الشريعة الإسلامية، ودافعت عنها بقوة حق اختيار المرأة للزوج، وأن للوالدين الحق في المشورة والنصيحة وليس لهما إجبار البنت على من تكره، ولها الحق في الخلع مقابل حق الرجل في الطلاق على أن تعيد إلى الرجل المهر الذي دفعه إليها ليدفعه إلى امرأة جديدة، أما في حالة طلاق الرجل لزوجته فلا يحق له أن يطالب مطلقته بما دفعه إليها من مهر وهدايا.
ونقول للذين يرفعون شعار المساواة بين الرجال والنساء في الميراث إن هذه دعوة باطلة لأنهم يغفلون عن الأعباء المالية التي يتحملها الرجل والتي بموجبها ميزه الله تعالى في الميراث، ثم ألا يرى هؤلاء العَلْمانيون أن في هذا تشويه لمبدأ العدالة الإلهية التي تراعي الحقوق والواجبات.
إن الإسلام ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب أو قرابة، وإنه حين يشرع يكون تشريعه قائمًا على العدل لا المساواة الظالمة التي لا تراعي الأعباء التي أوجبها الشارع الحكيم على الرجال في جمع أدوار حياتهم سواء كانوا آباء أو أزواجًا وإخوة.
هذا هو الإسلام، وهذه رعايته لحقوق المرأة في جميع أدوار حياتها، ولو أحسنت النساء علاقتهن بالإسلام، وأحسنوا الظن به لوفروا عليهن الكثير من الخصومات التي افتعلها أعداء الإسلام.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك