العدد : ١٧٠٢٨ - الثلاثاء ٠٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٢٨ - الثلاثاء ٠٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حروب نتنياهو وأهدافه التوسعية الاستعمارية

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الأحد ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

شكّل‭ ‬هجوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬تحولاً‭ ‬دراماتيكياً‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬إذ‭ ‬أظهر‭ ‬ثغرات‭ ‬خطيرة‭ ‬في‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمنية‭ ‬التي‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬كاملة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬شاء‭ ‬أم‭ ‬راوغ‭! ‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬الانتقادات‭ ‬المتصاعدة‭ ‬والتشكيك‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬قيادته،‭ ‬فإنه‭ ‬يحاول‭ ‬استغلال‭ ‬الأزمة‭ ‬كفرصة‭ ‬لإعادة‭ ‬توجيه‭ ‬اهتمام‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ودغدغة‭ ‬مشاعرهم‭ ‬بشكل‭ ‬مرضي‭ ‬وشوفيني‭ ‬نحو‭ ‬طموحات‭ ‬توسعية،‭ ‬مدعياً‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لتظل‭ ‬قوية‭ ‬وآمنة،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تتوسع‮»‬‭ ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬سابق‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬وشوشة‮»‬‭ ‬في‭ ‬أذنه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬نتنياهو‭ ‬كما‭ ‬أظن‭ -‬وليس‭ ‬كل‭ ‬الظن‭ ‬إثما‭-! ‬لكن‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬يريد‭ ‬نتنياهو‭ ‬أخذ‭ ‬إسرائيل؟‭ ‬وما‭ ‬الرؤية‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬لتحقيقها؟

تتضمن‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ (‬1‭) ‬طموحات‭ ‬توسعية،‭ ‬و‭(‬2‭) ‬محاولة‭ ‬جر‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬إقليمي‭ ‬أكبر،‭ (‬3‭) ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خلق‭ ‬وقائع‭ ‬جديدة‭ ‬قد‭ ‬تغير‭ ‬الخريطة‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أمن‭ ‬المنطقة‭ ‬واستقرارها‭. ‬

فنتنياهو‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬الإقليمية‭ ‬وتراجع‭ ‬تأثير‭ ‬المعارضة‭ ‬الدولية‭ ‬وأمنه‭ ‬للعقاب‭ ‬تساعده‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافه،‭ ‬مدفوعاً‭ ‬بدعم‭ ‬مكون‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬ملك‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬و«الساحر‮»‬‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الحلم‭ ‬التوراتي‭.‬

يشمل‭ ‬مشروعه‭ ‬التوسعي‭ ‬السيطرة‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وتهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬أراضيهم‭ ‬لإخلاء‭ ‬ثلث‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬وربما‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬استيطانية‭. ‬ويرى‭ ‬نتنياهو‭ ‬أن‭ ‬إقامة‭ ‬منطقة‭ ‬عازلة‭ ‬بعمق‭ ‬10‭ ‬كيلومترات‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬اللبنانية،‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬القرى‭ ‬والسكان،‭ ‬سيساعد‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬الحدود‭ ‬الشمالية‭ ‬وتقليل‭ ‬فرص‭ ‬أي‭ ‬تهديد‭ ‬مستقبلي‭ ‬من‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭.‬

في‭ ‬أعقاب‭ ‬فشل‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬بدأ‭ ‬نتنياهو‭ ‬توجيه‭ ‬الأنظار‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬‮«‬المهمة‭ ‬التاريخية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬لتحقيقها،‭ ‬محاولا‭ ‬استخدام‭ ‬التوسع‭ ‬كوسيلة،‭ ‬إسرائيليا،‭ ‬لتكفير‭ ‬أخطاءه‭ ‬بل‭ ‬خطاياه‭ ‬السياسية‭ ‬وما‭ ‬اكثرها‭! ‬

مثلما‭ ‬يحاول‭ ‬تصوير‭ ‬الطموحات‭ ‬التوسعية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬ضرورة‭ ‬حتمية‭ ‬لحماية‭ ‬‮«‬وجودية‮»‬‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬في‭ ‬هروب‭ ‬منه‭ ‬للإمام؛‭ ‬غايته‭ ‬تشتيت‭ ‬الانتباه‭ ‬عن‭ ‬محاسبته‭ ‬ومحاكمته،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬أدت‭ ‬الخسائر‭ ‬التي‭ ‬تكبدتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬الانتقادات‭ ‬ضده،‭ ‬وخاصةً‭ ‬أنه‭ ‬طالما‭ ‬روج‭ ‬لنفسه‭ ‬كقائد‭ ‬لا‭ ‬يُقهر‭ ‬وأن‭ ‬بقاءه‭ ‬هو‭ ‬بقاء‭ ‬اسرائيل‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬كله،‭ ‬يحظى‭ ‬نتنياهو‭ ‬بدعم‭ ‬قوي‭ ‬من‭ ‬جماعات‭ ‬المستوطنين‭ ‬اليمينية‭. ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬السياق،‭ ‬يعتبر‭ ‬الاستيطان‭ ‬في‭ ‬ثلث‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية،‭ ‬إذ‭ ‬ترى‭ ‬الجماعات‭ ‬هذه‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬‮«‬امتداداً‭ ‬طبيعياً‮»‬‭ ‬لإسرائيل‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬أساس‭ ‬مخطط‭ ‬التوسع‭ ‬استغلال‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬للسيطرة‭ ‬وضم‭ ‬اوسع‭ ‬ارض‭ ‬ممكنة‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وفرض‭ ‬سياسة‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬1967‭ ‬أمراً‭ ‬مستحيلاً‭.‬

يمثل‭ ‬تهديد‭ ‬إيران‭ ‬محورًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬نتنياهو،‭ ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حليفاً‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليه‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭. ‬يحاول‭ ‬نتنياهو‭ ‬تصوير‭ ‬إيران‭ ‬كتهديد‭ ‬عالمي‭ ‬يستدعي‭ ‬تدخلاً‭ ‬أمريكياً،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬يسعى‭ ‬لاستخدام‭ ‬القوة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافه‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

‭ ‬تأتي‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬من‭ ‬منطلقات‭ ‬استراتيجية؛‭ ‬فهو‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬تحييد‭ ‬النفوذ‭ ‬الإيراني‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ويمكّنها‭ ‬من‭ ‬التصرف‭ ‬بحرية‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬حدودها‭ ‬لفرض‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الأجيال‭. ‬ومرة‭ ‬أخرى،‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬فرصة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬شخصية،‭ ‬وتأمين‭ ‬إرث‭ ‬سياسي‭ ‬يعيده‭ ‬إلى‭ ‬الصفحات‭ ‬الرئيسية‭ ‬كقائد‭ ‬تاريخي‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حصول‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فإن‭ ‬الموقف‭ ‬الأوروبي‭ ‬والدولي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬متحفظاً‭ ‬تجاه‭ ‬سياسات‭ ‬التوسع‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬أوروبا،‭ ‬التي‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬كأمر‭ ‬حيوي‭ ‬لأمنها‭ ‬القومي،‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬التوسعية‭ ‬لنتنياهو‭ ‬خطراً‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تصعيد‭ ‬العنف‭ ‬وخلق‭ ‬أزمة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

‭ ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬تدعم‭ (‬حق‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭) ‬فإنها‭ ‬تتحفظ‭ ‬على‭ ‬الخطط‭ ‬التوسعية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬الخريطة‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬للمنطقة‭.‬

وهي‭ ‬أيضاً‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬توسيع‭ ‬حدود‭ ‬إسرائيل‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬نتنياهو‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬الأزمات‭ ‬وإثارة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الاضطرابات‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬النهاية‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬بالضرورة‭ ‬لصالح‭ ‬إسرائيل‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬اوروبا‭ ‬والعالم‭ ‬اقلها‭ ‬بسبب‭ ‬التداعيات‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬النفط‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسطي‭. ‬وحقاً،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مستقبل‭ ‬هذه‭ ‬الطموحات‭ ‬مرهونًا‭ ‬بردود‭ ‬الفعل‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الأمور‭ ‬بخواتيمها‮»‬،‭ ‬والعبرة‭ ‬بما‭ ‬ستؤول‭ ‬إليه‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا