العدد : ١٧٠٢٢ - الأربعاء ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ ربيع الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٢٢ - الأربعاء ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ ربيع الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العقوبات الاقتصادية.. هل تؤدي إلى العزلة أم إلى تصعيد النزاعات؟

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الأربعاء ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

على‭ ‬مدار‭ ‬العقدين‭ ‬والنصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬ومع‭ ‬تراجع‭ ‬نفوذ‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الغربي‭ ‬وبقية‭ ‬العالم،‭ ‬واستخدام‭ ‬القوة‭ ‬المباشرة‭ ‬بديلاً‭ ‬عن‭ ‬الدبلوماسية؛‭ ‬أشار‭ ‬‮«‬جوناثان‭ ‬ماسترز‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‮»‬،‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬الأداة‭ ‬المفضلة‮»‬‭ ‬لصانعي‭ ‬السياسات‭ ‬الغربيين،‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬كاستجابة‭ ‬لمجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬والتي‭ ‬تتنوع‭ ‬بين‭ ‬المنافسة‭ ‬الصناعية،‭ ‬والنزاعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬وانتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ومنع‭ ‬انتشار‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬ومحاربة‭ ‬الإرهاب‭.‬

وحول‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬لاستخدام‭ ‬هذه‭ ‬السياسات؛‭ ‬أوضح‭ ‬‮«‬ماسترز‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬محاولة‭ ‬الحكومات‭ ‬والمنظمات‭ ‬المتعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬لتغيير‭ ‬القرارات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للجهات‭ ‬الفاعلة،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬دولًا‭ ‬أو‭ ‬منظمات‭ ‬غير‭ ‬حكومية‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تهدد‭ ‬مصالح‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات،‭ ‬أو‭ ‬تنتهك‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية‭ ‬للسلوك‭. ‬وتتخذ‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬عادة‭ ‬شكل‭ ‬تقييد‭ ‬وصول‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬يهيمن‭ ‬عليها‭ ‬الغرب،‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التجارة‭ ‬والخدمات‭ ‬المصرفية‭ ‬والمالية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تجميد‭ ‬الأصول،‭ ‬وحظر‭ ‬السفر‭ ‬على‭ ‬المنظمات‭ ‬والأفراد‭ ‬المستهدفين‭.‬

وأشار‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬أبحاث‭ ‬السياسات‭ ‬الاقتصادية‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬‮«‬روسيا‮»‬،‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬غير‭ ‬مسبوقة‮»‬‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬حجمها‭ ‬وتعقيدها‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬اتبعت‭ ‬نفس‭ ‬النمط‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تطبيقه‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ (‬إيران،‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية،‭ ‬وكوبا،‭ ‬والعراق‭)‬،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تؤدِ‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬المرجو‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬سلوك‭ ‬هذه‭ ‬الدول؛‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬أكثر‭ ‬عدوانية‭ ‬تجاه‭ ‬الغرب‭. ‬وأشار‭ ‬‮«‬ماكس‭ ‬بوت‮»‬،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬واشنطن‭ ‬بوست‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬معتادة‮»‬‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬العقوبات،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بات‭ ‬يضر‭ ‬بمصالحها‭ ‬الذاتية،‭ ‬ومصالح‭ ‬حلفائها‭ ‬وشركائها‭ ‬حول‭ ‬العالم‭.‬

وفي‭ ‬ندوة‭ ‬عُقدت‭ ‬في‭ ‬‮«‬كلية‭ ‬لندن‭ ‬للاقتصاد‮»‬،‭ ‬يوم‭ ‬22‭ ‬أكتوبر،‭ ‬لمناقشة‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬كيف‭ ‬تعمل‭ ‬العقوبات‭.. ‬إيران‭ ‬وتأثير‭ ‬الحرب‭ ‬الاقتصادية‮»‬،‭ ‬تأليف‭ ‬‮«‬فالي‭ ‬نصر‮»‬،‭ ‬و«نرجس‭ ‬باجوغلي‮»‬،‭ ‬وحضرتها‭ ‬‮«‬سنام‭ ‬فاكيل‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية»؛‭ ‬تم‭ ‬التطرق‭ ‬الى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الذي‭ ‬تقوده‭ ‬‮«‬واشنطن‮»‬،‭ ‬ضد‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬ومع‭ ‬إيران‭ ‬كدراسة‭ ‬حالة‭.‬

وفي‭ ‬البداية،‭ ‬تم‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬تحول‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬سلاح‭ ‬مفضل‭ ‬للحكومات‭ ‬الغربية‭ -‬خاصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭- ‬لمعاقبة‭ ‬وزعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬منافسيها‭ ‬العالميين‭. ‬وخلال‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين،‭ ‬زاد‭ ‬نظام‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بنحو‭ ‬900%،‭ ‬حيث‭ ‬فرضت‭ ‬واشنطن‭ ‬عقوبات‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬12‭.‬000‭ ‬منظمة‭ ‬وفرد‭ ‬بحلول‭ ‬2022؛‭ ‬ما‭ ‬أثر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ثلث‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬وأوضح‭ ‬‮«‬نصر‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬وزارة‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬دأبت‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬العقوبات‭ ‬كشكل‭ ‬متعمد‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الاقتصادية‮»‬،‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬مصالحها‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادية‭. ‬وأضاف‭ ‬‮«‬بوت‮»‬،‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬تستخدم‭ ‬ضوابط‭ ‬التصدير،‭ ‬والتعريفات‭ ‬الجمركية،‭ ‬ومراجعات‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي؛‭ ‬كشكل‭ ‬فعلي‭ ‬للعقوبات‭ ‬التجارية‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ضد‭ ‬حلفائها‭ ‬وشركائها‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أكد‭ ‬‮«‬نصر‮»‬،‭ ‬و«باجوغلي‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬أثبتت‭ ‬مرارا‭ ‬فشلها‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬سلوك‭ ‬الدول‭ ‬المستهدفة‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬المقصود‭. ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬أعداء‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬جعلتهم‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬‮«‬أكثر‭ ‬عدائية،‭ ‬وأشد‭ ‬استبدادًا،‭ ‬وأقل‭ ‬عرضة‭ ‬للخضوع‭ ‬للضغوط‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الغربية‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬مقال‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬إيكونوميست‮»‬،‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬النتائج‭ ‬العكسية‭.. ‬كيف‭ ‬تعيد‭ ‬العقوبات‭ ‬تشكيل‭ ‬العالم‭ ‬ضد‭ ‬مصالح‭ ‬واشنطن»؛‭ ‬رأت‭ ‬‮«‬أجاث‭ ‬ديماريس‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تسفر‭ ‬العقوبات‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬عامين،‭ ‬فإن‭ ‬الدولة‭ ‬المستهدفة‭ ‬عادة‭ ‬لا‭ ‬تنوي‭ ‬الاستسلام‮»‬‭. ‬

ودعمًا‭ ‬لهذا‭ ‬التقييم،‭ ‬خلصت‭ ‬دراسة‭ ‬أجراها‭ ‬معهد‭ ‬‮«‬بيترسون‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬فحصت‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬أحادية‭ ‬الجانب‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1970‭ ‬و1997،‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬تحقيقها‭ ‬أهدافها‭ ‬المعلنة‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬13%‭ ‬من‭ ‬الحالات،‭ ‬فيما‭ ‬كلفت‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬ما‭ ‬قيمته‭ ‬19‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬سنويًا‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الأداء‭ ‬الضعيف،‭ ‬استشهد‭ ‬‮«‬بوت‮»‬،‭ ‬بـ«زيادة‭ ‬كلفة‭ ‬العقوبات‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬توسع‭ ‬استخدامها‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬متوقعًا‭ ‬‮«‬لم‭ ‬تصبح‭ ‬أكثر‭ ‬نجاحًا‮»‬‭.‬

من‭ ‬جانبها،‭ ‬أوضحت‭ ‬‮«‬باجوغلي‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الواسعة،‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬على‭ ‬إيران،‭ ‬وكوبا،‭ ‬وفنزويلا،‭ ‬وروسيا‭ ‬وغيرها،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬أنظمة‭ ‬هذه‭ ‬البلدان،‭ ‬لكن‭ ‬‮«‬بوت‮»‬،‭ ‬رأى‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬حجب‭ ‬الشركات‭ ‬عن‭ ‬السوق‭ ‬الدولية‭ -‬كما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬‮«‬الضغط‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ - ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬القطاع‭ ‬العام،‭ ‬لصالح‭ ‬الشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المتحالفة‭ ‬بالفعل‭ ‬مع‭ ‬النظام،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لقبول‭ ‬المخاطر‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتعامل‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬السوداء‭ ‬العالمية‭. ‬

وعليه،‭ ‬أكدت‭ ‬‮«‬باجوغلي‮»‬،‭ ‬و«نصر‮»‬،‭ ‬رأى‭ ‬‮«‬بوت‮»‬،‭ ‬السابق‭ ‬بأن‭ ‬القادة‭ ‬والمسؤولين‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الخاضعة‭ ‬للعقوبات‭ ‬‮«‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يكونون‭ ‬معزولين‭ ‬عن‭ ‬تأثير‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بينما‭ ‬يتضرر‭ ‬الناس‭ ‬العاديون،‭ ‬موضحين‭ ‬كيف‭ ‬أضحى‭ ‬الجيش‭ ‬الإيراني‭ ‬أكثر‭ ‬ثراءً؛‭ ‬بسبب‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بينما‭ ‬عانى‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬التضخم‭ ‬المرتفع،‭ ‬والاقتصاد‭ ‬غير‭ ‬المستدام‭.‬

وفيما‭ ‬يخص‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭. ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬حرمانها‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬معظم‭ ‬الأسواق‭ ‬الدولية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬المصرفي‭ ‬العالمي،‭ ‬والمعاملات‭ ‬المالية‭ ‬بالدولار،‭ ‬وتجميد‭ ‬أصول‭ ‬المسؤولين‭ ‬والشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬ومنعهم‭ ‬من‭ ‬السفر؛‭ ‬توقع‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬يتعرض‭ ‬اقتصادها‭ ‬لانخفاض‭ ‬بنسبة‭ ‬15%‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬كان‭ ‬الانخفاض‭ ‬الفعلي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭ ‬3%‭ ‬فقط‭. ‬وبعد‭ ‬عامين،‭ ‬توقع‭ ‬‮«‬الصندوق‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬ينمو‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬بنسبة‭ ‬3‭.‬6%،‭ ‬وهو‭ ‬معدل‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ (‬1.1%‭)‬،‭ ‬وفرنسا‭ (‬2.8%‭). ‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬تعرض‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬لعقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬مستمرة،‭ ‬فإنها‭ ‬تقاوم‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات،‭ ‬التي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬متكافئ‭ ‬على‭ ‬الطبقات‭ ‬الفقيرة،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬النخب‭. ‬وأشار‭ ‬‮«‬جيسون‭ ‬بوردوف‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬جامعة‭ ‬كولومبيا‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاعتماد‭ ‬المفرط‭ ‬على‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬يشبه‭ ‬المثل‭ ‬القائل‭: ‬‮«‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬لديك‭ ‬مطرقة،‭ ‬يبدو‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬كأنه‭ ‬مسمار‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬العقوبات‭ ‬الخيار‭ ‬المفضل‭ ‬لصانعي‭ ‬السياسات‭ ‬الغربيين‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬البدائل‭ ‬المتاحة‭ ‬محدودة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬فعالة‭.‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬أوضح‭ ‬‮«‬نصر‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬‮«‬واشنطن‮»‬،‭ ‬وحلفائها،‭ ‬‮«‬مبالغ‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‮»‬،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬مجرد‭ ‬وسيلة‭ ‬غربية‭ ‬لإظهار‭ ‬أنها‭ ‬تضغط‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‮»‬‭. ‬وردًا‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬‮«‬طهران‮»‬،‭ ‬صواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024،‭ ‬أعلنت‭ ‬لندن،‭ ‬وباريس،‭ ‬وبرلين،‭ ‬وروما،‭ ‬إلغاء‭ ‬رحلات‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬المتجهة‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الوجهات‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وتجميد‭ ‬أصول‭ ‬ومنع‭ ‬سفر‭ ‬ثلاثة‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الإيرانية‭ ‬والحرس‭ ‬الثوري‭ ‬إليها‭. ‬ومع‭ ‬تصنيف‭ ‬‮«‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‮»‬،‭ ‬مؤخرًا‭ ‬لـ17‭ ‬سفينة‭ ‬إيرانية‭ ‬كـ«ممتلكات‭ ‬محظورة»؛‭ ‬بسبب‭ ‬تهريبها‭ ‬لصادرات‭ ‬النفط،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬لهذه‭ ‬العقوبات‭ ‬أي‭ ‬تأثير‭ ‬إضافي‭ ‬على‭ ‬تصرفات‭ ‬طهران،‭ ‬بل‭ ‬ستعزز‭ ‬مناهضتها‭ ‬للعقوبات‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تفتقر‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬آليات‭ ‬فعالة‭ ‬لتخفيف‭ ‬العقوبات،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬مفتوحة‭ ‬الأجل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تحديد‭ ‬واضح‭ ‬لشروط‭ ‬الرفع‭. ‬ويُبرز‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬صعوبة‭ ‬تقديم‭ ‬تخفيف‭ ‬للعقوبات‭ ‬كحافز‭ ‬للتعاون،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الضغوط‭ ‬السياسية‭ ‬الداخلية‭. ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬التزمت‭ ‬‮«‬إيران‮»‬،‭ ‬بشروط‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬مثلا،‭ ‬فإن‭ ‬مشاكل‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وبرنامج‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية،‭ ‬ودعم‭ ‬الفصائل‭ ‬المسلحة،‭ ‬تُستخدم‭ ‬كتبرير‭ ‬لاستمرار‭ ‬العقوبات‭.‬

وتثير‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬قد‭ ‬توسعت‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬الملتزمة‭ ‬بـ«النظام‭ ‬الدولي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬القواعد»؛‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬عدم‭ ‬تطبيقها‭ ‬على‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬توثيق‭ ‬انتهاكاتها‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منظمات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬فيما‭ ‬تواجه‭ ‬اتهامات‭ ‬بالإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬وجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬‮«‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‮»‬‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬تفرض‭ ‬أمريكا،‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬عقوبات‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬محدود‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬المستوطنين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬المتطرفين‭. ‬وبينما‭ ‬أعلن‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطاني‭ ‬السابق‭ ‬اللورد‭ ‬‮«‬كاميرون‮»‬،‭ ‬عن‭ ‬خطط‭ ‬لفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬وزراء‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والمستوطنين،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬إيتمار‭ ‬بن‭ ‬غفير‮»‬،‭ ‬و‮«‬سموتريتش‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬تُتخذ‭ ‬أي‭ ‬إجراءات‭ ‬ملموسة‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬أشار‭ ‬‮«‬نصر‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬المستوطنين‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬‮«‬غير‭ ‬فعالة‮»‬،‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬اليمينية؛‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬كيف‭ ‬تستخدم‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬العقوبات‭ ‬كوسيلة‭ ‬رمزية،‭ ‬للإيحاء‭ ‬باتخاذها‭ ‬خطوات‭ ‬ضد‭ ‬انتهاكات‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬مع‭ ‬افتقارها‭ ‬إلى‭ ‬الفاعلية‭ ‬الحقيقية‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬سلوكيات‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية،‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬فجوة‭ ‬بين‭ ‬الأهداف‭ ‬المعلنة،‭ ‬والسياسات‭ ‬المتبعة‭. ‬كما‭ ‬خلص‭ ‬‮«‬بوت‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬العقوبات‭ ‬‮«‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬وضوح‭ ‬الأهداف‮»‬،‭ ‬وتستمر‭ ‬فترات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تحظى‭ ‬بدعم‭ ‬دولي‭ ‬كبير‮»‬‭. ‬ويتفق‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬‮«‬نصر‮»‬،‭ ‬و«باجوغلي‮»‬،‭ ‬و«فاكيل‮»‬،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬النهج‭ ‬الخاطئ‭ ‬الذي‭ ‬تتبعه‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬الحرب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ضد‭ ‬خصومها،‭ ‬لا‭ ‬يحقق‭ ‬أهدافها‭ ‬المرجوة‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬تؤثر‭ ‬سلبًا‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الغربية‭ ‬وشركائهم‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭ -‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭- ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهلها‭ ‬أيضًا‭. ‬وأعاد‭ ‬عقد‭ ‬‮«‬قمة‭ ‬البريكس‮»‬،‭ ‬السادسة‭ ‬عشرة‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬نهاية‭ ‬أكتوبر‭ ‬2024،‭ ‬تأكيد‭ ‬ذلك،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬كيفية‭ ‬تعاون‭ ‬الدول‭ ‬خارج‭ ‬الدائرة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الغربية‭ -‬العديد‭ ‬منها‭ ‬تحت‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭- ‬لتأسيس‭ ‬نظام‭ ‬مالي‭ ‬خاص‭ ‬بها،‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬التهرب‭ ‬بنجاح‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬الخارجية‭. ‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬صارمة‭ ‬ضد‭ ‬خصومها،‭ ‬لا‭ ‬تفشل‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬سلوك‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تضر‭ ‬أيضًا‭ ‬بالأعضاء‭ ‬الأكثر‭ ‬فقراً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬متناسب‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬تعرقل‭ ‬أي‭ ‬إمكانية‭ ‬لمجهودات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬مستقبلية‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تؤدي‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬‮«‬النفوذ‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬والاقتصادي‮»‬،‭ ‬لواشنطن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقليل‭ ‬الأهمية‭ ‬العالمية‭ ‬لقطاعاتها‭ ‬المصرفية،‭ ‬والخدمات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭. ‬ويعكس‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬العواقب‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تترتب‭ ‬على‭ ‬الاعتماد‭ ‬المفرط‭ ‬على‭ ‬العقوبات‭ ‬كأداة‭ ‬للضغط‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا