اتصل بي صديق، لم أتصل أو يتصل بي منذ عدة أشهر، وهذا الصديق كيميائي كان يعمل في مختبر ما، كنت أتواصل به بعض الأحيان ليميط لي اللثام عن بعض الأمور التي أجهلها. طرح صديقي هذا موضوع انبعاثات محركات الديزل وكم هي ذات تأثير في صحة الإنسان والبيئة، ثم طلب مني توصيل هذه المعلومات إلى الجهات ذات العلاقة حتى تتمكن من القيام ببعض الإجراءات للتقليل من تأثير الأدخنة الصادر من تلك النوعيات من المحركات، كما حدث سابقًا مع محركات السيارات العادية التي سُن لها قانون واشتراطات بأن يتم تركيب قطعة من جهاز على عادم السيارات لامتصاص بعض الغازات والأدخنة التي تنطلق منها.
طلبتُ منه أن يعطيني بعض المعلومات حتى أكتب مقالاً بهدف النشر حتى يصل إلى الجهات ذات العلاقة، فقال إنه هو من سيكتب المقال، وأنه مستعد لعمل عرض مرئي لتوضيح الموضوع إن طلبت الجهات هذا العلاقة، وهذا هو المقال:
لا يخفى على أحد أن معظم دول العالم تعاني من ظاهرة التلوث البيئي وخصوصًا تلوث الهواء بالغازات المسببة لتغير المناخ واستنزاف طبقة الأوزون، وكلا الأمرين لهما تبعات كارثية على البيئة وعلى صحة الإنسان وكذلك سلامة بقية الكائنات الحية. فلذلك تسعى الدول جاهدة إلى التحكم والسيطرة على هذه الانبعاثات من خلال إصدار قوانين وتشريعات ولوائح وإجراءات مراقبة وسيطرة حازمة تضمن منع وتقليل انبعاثات هذه الغازات بناءً على تركيبها الكيميائي وتركيزاتها.
ونحن في مملكة البحرين من الدول السبَاقة في هذا الجانب، فالحكومة ملتزمة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر كاملةً والتي منها الهدف الثالث عشر والمتمثل (بالعمل المناخي)، فالجهود التي بذلتها وما زالت تبذلها وزارة النفط والبيئة واضحة وأثارها وثمارها مجنية، فما نرى جانب من جوانب المحافظة على البيئة إلا وهناك مرسوم أو قرار للمحافظة عليه، تتبعها إجراءات صارمة للتحكم والسيطرة ونراها دائمةَ المواكبة بالتعرف على التقنيات الحديثة المعتمدة، وكذلك الممارسات الجيدة المتبعة للدول الأخرى لتقوم بتطبيقها وفقًا لاعتبارات وتشريعات وقوانين الدولة.
إلا أن للمواطنين دورا وواجبا وطنيا للمساهمة والوقوف يدًا بيد مع الحكومة من أجل المحافظة على المكتسبات المتحققة في مجال البيئة سواءً من ناحية التبليغ عن المخالفات أو تقديم المبادرات المتعلقة بذلك، وهذا في الحقيقة هو ما دفعنا إلى كتابة هذا الموضوع والتركيز عليه لما له من أهمية كبيرة في المحافظة على جودة الهواء وعلى صحة وسلامة المواطنين والمقيمين.
قبل أقل من أسبوع من كتابة هذا المقال حضرتُ اجتماعًا مع أحد الرؤساء التنفيذيين لأحد المصانع البتروكيميائية، وأثناء حديثنا عن منتجات الشركة لفت انتباهي أحد المنتجات التي يقومون بتصنيعها ويطلق عليه اسم (DEF) Diesel Exhaust Fluid وبالعربية (سائل عوادم الديزل) وهو منتج صديق للبيئة ولا يسبب ضررًا على الصحة، فأدرت دفة الحديث معه مركزًا على هذا المنتج وعن كمية الإنتاج وعما إذا كان المصنع قادرا على تغطية وتلبية طلبات السوق المحلية. فكان أثناء حديثي يبتسم ويهز برأسه ينتظر متى أنهي أسالتي ليرد عليّ؛ بأن معظم إنتاج المصنع يتم تصديره إلى دول أوروبا والولايات المتحدة. فسألته عن السبب فأخبرني أنه لا توجد قوانين وتشريعات في دولنا تلزم المستخدمين لمحركات الديزل باستخدام هذه المادة، إلا في نطاق ضيق بينما أغلب الدول الأوروبية والولايات المتحدة لديها قانون وتشريعات تلزم باستخدام هذه المادة لمركبات محركات الديزل التي تحتوي على غرفة الاختزال التحفيزي الانتقائي (SCR) Selective Catalytic والتي قامت مصانع محركات الديزل للمركبات مؤخرًا بتركيبه في جميع الشاحنات التي تعمل بالديزل استجابة للقوانين والاشتراطات المفروضة من الدول. فأخبرته لعله مخطئ في هذا الجانب وإنني على يقين أننا في مملكة البحرين لدينا تشريع وقانون بخصوص مراقبة انبعاثات غازات أكاسيد النيتروجين من محركات الديزل الموجودة في الشاحنات وباصات المدارس ومولدات الطاقة. وبعد هذا اللقاء رحت أستفسر وأبحث وأتأكد مما إذا كان هناك قرار يلزم مستوردي الشاحنات ويشترط وجود غرفة الاختزال التحفيزي الانتقائي (SCR) ووجود قرار يلزم سائقي وملاك الشاحنات بملء الخزان المخصص بمادة الـ (DEF).
وللتوضيح يقوم هذا المركب الكيميائي (DEF) والذي هو عبارة عن محلول يوريا مائي ذي تركيز معين بمعالجة دخان العوادم في محركات الديزل. حيث تحتوي الشاحنات الحديثة على نظام متكامل يتكون من خزان مخصص لهذه المادة تكون فتحة التعبئة بجانب فتحة تعبئة وقود الديزل وكذلك يتكون من غرفة الاختزال التحفيزي الانتقائي، والتي يتم تركيبها في مجرى أنبوب عادم الشاحنات إضافة إلى وجود مضخات حساسة تقوم برش هذه المادة آليًا وبكميات محددة إلى داخل غرفة الاختزال التحفيزي الانتقائي (SCR) والذي تقوم بدورها بخفض أكاسيد النيتروجين أو ما يسمى بغازات النوكس (NOx gases) بنسبة تصل إلى 95% وتحويلها إلى غاز النيتروجين وبخار الماء.
وبعد رجوعي من الاجتماع والعودة إلى البحرين قمتُ بالبحث والاطلاع على القرارات التي أصدرتها وزارة النفط والبيئة (المجلس الأعلى للبيئة سابقًا) ومنها القرار رقم 2 لسنة 2021 بشأن (المقاييس البيئية للهواء) فقد كان القرار يتعلق بانبعاثات الغازات من المصانع ومن ضمنها غازات أكاسيد النيتروجين. ولكنني لم أجد أي مادة أو بند يتعلق بالتحكم والسيطرة على انبعاثات غازات أكاسيد النيتروجين من مركبات ومحركات الديزل، وكذلك قمت بالاطلاع على القرار رقم 8 لسنة 2002 بشأن (معايير الملوثات والمواد المنبعثة من المركبات أو عوادمها والتفتيش عليها) فتبين أن القرار متعلق بالمركبات التي تعمل بوقود الجازولين فقط والذي يتضمن في المادة رقم 14 نصًا يقول «إنه لا يجوز استيراد المركبات التي تعمل بالجازولين ولا تحتوي على المحول الحفزي (Catalytic Convertor)».
وعلى الرغم أن مركبات الديزل تعتبر أكبر مسبب لانبعاث هذه الغازات إلا أنني لم أجد قرارًا أو مادة تتطرق إلى هذا الخطر البيئي الذي بدأ يغزو الطرقات مع الزيادة المطردة في أعداد الشاحنات والمركبات الثقيلة وما تعانيه الشوارع والطرقات من ازدحام مروري تشارك فيها، وخصوصًا في ساعات الذروة، والتي تسهم بما لا يدع مجال للشك في زيادة حالات أمراض الجهاز التنفسي بين مواطني ومقيمي مملكة البحرين. وللتأكيد على ذلك فقد ذكرت وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA) أن انبعاثات أكاسيد النيتروجين من الشاحنات والمركبات التي تعمل بالديزل لها أضرار كبيرة جدًا على صحة الإنسان، وخصوصًا صحة الجهاز التنفسي، حيث ذكر المصدر نفسه «إن استنشاق هواء يحتوي على تركيز عالٍ من ثاني أكسيد النيتروجين يمكن أن يؤدي إلى تهيج مجاري الهواء في الجهاز التنفسي البشري» إضافة إلى المخاطر الأخرى المتعلقة بمساهمته بتكوين غاز الأوزون [(O3) Ozone] وكذلك المواد الجسيمية [(PM) Particulate matter] من خلال تفاعلها مع بعض المركبات في الهواء والتي لا يخفى ضررها على صحة الإنسان أيضًا، وهذا ما أكدته دراسة نشرت على مجلة (ELSEVIER) تحت عنوان (Country- and manufacturer-level attribution of air quality impacts due to excess NOx emissions from diesel passenger vehicles in Europe)، فقد ذكرت أنه وعلى الرغم من الإجراءات والقوانين المفروضة والنسبة المحددة لانبعاث غازات أكاسيد النيتروجين من شاحنات الديزل إلا أننا نعاني من معدل وفيات تصل إلى 5000 وفاة سنويًا بسبب هذه الانبعاثات في دول أوروبا.
ثم يختم صاحبي المقال بهذا الرجاء؛
وإنني هنا أبعث برسالة عاجلة للجهات المعنية وعلى رأسها وزارة النفط والبيئة وكذلك الإدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية للعمل على دراسة الأمر من أجل إصدار قرار مماثل للقرار رقم 8 لسنة 2002 المتعلق بانبعاثات عوادم المركبات التي تعمل بوقود الجازولين، بحيث يكون القرار متعلقًا بانبعاثات عوادم المركبات التي تعمل بوقود الديزل. لما له من تأثير بيئي إيجابي ينعكس على جودة الهواء وبيئة البلد وصحة المواطنين والمقيمين، بل ونكون من الدول السبّاقة إقليميًا، بل وعالميًا في تبني كل ما من شأنه المحافظة على البيئة ومواكبة التقنيات الحديثة في هذا المجال وبالتالي نكون في مقدمة الدول التي تحقيق أحد أهداف التنمية المستدامة بصورة مستمرة.
وهنا ينتهي المقال.
ومن ناحيتنا نقول إن موضوع تلوث الهواء بأكاسيد النتروجين يمكن أن يُعد من المخاطر الكبيرة التي تؤثر في الإنسان وصحته، فالهواء الملوث ليس كمثل الغذاء أو الماء الملوث الذي يمكن تجنبه واللجوء إلى نوعية أخرى من الغذاء والماء الصحي، فالهواء لا يمكن تجنبه، فهو موجود حولنا في كل مكان، فإن كان ملوثًا فإن هذا يؤثر تأثيرًا مباشرًا في الإنسان.
ونحن نعتقد أنه آن الأوان للنظر في مثل هذا الموضوع مع بعض الموضوعات الأخرى الخاصة المتعلقة بتلوث الهواء تحديدًا، وتلوث الغذاء، وتلوث الماء، ومثل هذه الأمور وجعلها ذات أولوية وكذلك من المفروض أن تتحمل المؤسسات الخاصة مسؤوليتها المجتمعية في هذا الموضوع فهي موجودة وتسبب أنواعا كثيرة من التلوث.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك