العدد : ١٧٠٧٤ - السبت ٢١ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٤ - السبت ٢١ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

عام بعد «طوفان الأقصى».. ماذا تغير في معادلة الصراع؟

بقلم: د. أحمد رفيق عوض

الجمعة ١١ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

خسارات‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬مضت‭ ‬حتى‭ ‬يوم‭ ‬الناس‭ ‬هذا‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬انكشافها‭ ‬من‭ ‬الداخل؛‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تتميز‭ ‬بالديموقراطية‭ ‬التي‭ ‬أشبعونا‭ ‬ضجيجا‭ ‬وصخبا‭ ‬بشأنها،‭ ‬ولا‭ ‬بقدرتها،‭ ‬ولا‭ ‬قوتها،‭ ‬فقد‭ ‬اتضح‭ ‬أنها‭ ‬مستعدة‭ ‬لفضح‭ ‬كل‭ ‬أصدقائها‭ ‬إذا‭ ‬تأخروا‭ ‬في‭ ‬إرسال‭ ‬الذخائر‭ ‬المتطورة،‭ ‬وسقطت‭ ‬كل‭ ‬الادعاءات‭ ‬بالمظلومية‭ ‬والتفرد‭ ‬والاستثنائية‭ ‬وقوة‭ ‬الابتكار‭ ‬والفردانية‭ ‬المبدعة‭. ‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬سقط‭ ‬عندما‭ ‬وقف‭ ‬نتنياهو‭ ‬أمام‭ ‬الكونجرس‭ ‬‮«‬إياه‮»‬‭ ‬ليقول‭ ‬لهم‭ ‬إنه‭ ‬يحارب‭ ‬من‭ ‬أجلهم،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أسقطت‭ ‬كل‭ ‬الشكليات‭ ‬المعروفة‭ ‬من‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬ظهرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬العالم‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬حقاً،‭ ‬مجرد‭ ‬كيان‭ ‬استعماري‭ ‬يستخدم‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحه،‭ ‬ولا‭ ‬يهمه‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬الربح‭ ‬والسيطرة‭.‬

خسارات‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬خسارات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أيضاً،‭ ‬فقد‭ ‬ظهرا‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أنهما‭ ‬كيانان‭ ‬مستعدان‭ ‬لسحق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وتهديد‭ ‬ممثليه‭ ‬ومحاصرة‭ ‬هيئاته‭ ‬والوقوف‭ ‬عراة‭ ‬أمام‭ ‬حقوق‭ ‬الشعوب‭ ‬والشرائع‭ ‬كلها‭. ‬

كانت‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الفضائح‭ ‬طفحت‭ ‬بالأكاذيب‭ ‬والنفاق‭ ‬وتغذية‭ ‬الموت‭ ‬والتجويع‭ ‬والترويع‭ ‬والتهجير‭ ‬في‭ ‬بث‭ ‬حي‭ ‬ومباشر‭.‬

كانت‭ ‬سنة‭ ‬رأى‭ ‬فيها‭ ‬العالم‭ ‬كيف‭ ‬استطاعت‭ ‬أمريكا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬أن‭ ‬يلجما‭ ‬كل‭ ‬الأصوات‭ ‬العاقلة‭ ‬والمظاهرات‭ ‬الرافضة‭ ‬والقرارات‭ ‬الدولية‭ ‬وكل‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬تتقدم‭ ‬بالحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬وقف‭ ‬المذبحة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

خسارات‭ ‬إسرائيل‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬محصورة‭ ‬بتدمير‭ ‬القيم‭ ‬وتهشيم‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬أرادت‭ ‬إسرائيل‭ ‬دائماً‭ ‬أن‭ ‬تقدمها‭ ‬للعالم،‭ ‬بل‭ ‬تمثلت‭ ‬هذه‭ ‬الخسارات‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬إرادة‭ ‬المنطقة‭ ‬أيضاً،‭ ‬فقد‭ ‬نجحت‭ ‬اسرائيل‭ ‬ـ‭ ‬برأيي‭ ‬ـ‭ ‬بتخريب‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬والإغراءات‭ ‬الكثيرة‭ ‬لتثبيت‭ ‬حالة‭ ‬قبولها‭ ‬واندماجها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬فلا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬كياناً‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬سيكون‭ ‬مقبولاً‭ ‬من‭ ‬أحد‭.‬

إن‭ ‬الصورة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬إسرائيل‭ ‬تصديرها‭ ‬للمنطقة‭ ‬باعتبارها‭ ‬كيانا‭ ‬غاضبا‭ ‬ومجنونا‭ ‬يفرض‭ ‬الخوف‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬وليس‭ ‬الحب،‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬صورة‭ ‬جوفاء‭ ‬وهشة‭ ‬جداً،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬بالذات‭ ‬شهدت‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬شنت‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬جبهات‭ ‬متعددة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬منطقة‭ ‬في‭ ‬الكيان‭ ‬لم‭ ‬تنل‭ ‬نصيبها‭ ‬من‭ ‬صفارات‭ ‬الإنذار‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

هذه‭ ‬السنة‭ ‬شهدت‭ ‬إغلاقات‭ ‬لمطار‭ ‬اللد‭ ‬وسكك‭ ‬الحديد‭ ‬والموانئ‭ ‬والمدارس‭ ‬والمعاهد،‭ ‬وشهدت‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تشهده‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬التآكل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والمؤسساتي‭ ‬والهجرة‭ ‬المعاكسة‭ ‬وتراجع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬ونزع‭ ‬الشرعية‭ ‬عن‭ ‬احتلالها‭.‬

وبدلاً‭ ‬من‭ ‬انحصار‭ ‬الاشتباك‭ ‬الدامي‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فقد‭ ‬توسعت‭ ‬الحرب‭ ‬لتشمل‭ ‬أطرافاً‭ ‬وجبهات‭ ‬متعددة،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يشكل‭ ‬فضيحة‭ ‬أخرى‭ ‬لسياسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬شيئاً‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد،‭ ‬إما‭ ‬عجزاً‭ ‬أو‭ ‬خضوعاً‭ ‬للحكومة‭ ‬الأكثر‭ ‬تطرفاً‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬لأنها‭ ‬شريكة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر،‭ ‬أو‭ ‬لكل‭ ‬ذلك‭.‬

إذن،‭ ‬خسارات‭ ‬إسرائيل‭ ‬شملت‭ ‬أيضاً‭ ‬فقدان‭ ‬التأثير‭ ‬السياسي‭ ‬والنفوذ‭ ‬وسخونة‭ ‬العلاقات،‭ ‬وقد‭ ‬يعود‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬أو‭ ‬نتوقع‭. ‬فالمذبحة‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬ولا‭ ‬نتوقع،‭ ‬وأعتقد‭ ‬جازماً‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬إسرائيل‭ ‬بنا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاستباحة‭ ‬لدمنا‭ ‬وثرواتنا‭ ‬وفضائنا‭ ‬لن‭ ‬تقود‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬إلى‭ ‬استقرار‭ ‬أو‭ ‬تسوية‭ ‬بحدها‭ ‬الأدنى‭.‬

أعتقد‭ ‬جازماً‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬قطعت‭ ‬آخر‭ ‬الخيوط‭ ‬وأحرقت‭ ‬آخر‭ ‬السفن‭ ‬لعودة‭ ‬العقل‭ ‬أو‭ ‬استرجاعه‭.‬

وبالقدر‭ ‬الذي‭ ‬خسرت‭ ‬فيه‭ ‬إسرائيل‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬السنة،‭ ‬فقد‭ ‬خسرنا‭ ‬نحن‭ ‬أيضاً،‭ ‬خسرنا‭ ‬خيرة‭ ‬الناس‭ ‬وخسرنا‭ ‬كثيراً‭ ‬مما‭ ‬أنجزنا‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬ولا‭ ‬نزال‭ ‬نخسر‭ ‬وحدتنا‭ ‬ونخسر‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الدم‭ ‬إلى‭ ‬أساس‭ ‬حقيقي‭ ‬للنهوض‭ ‬والتقدم‭. ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬نراوح‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬المكان‭ ‬وذات‭ ‬اللغة‭ ‬وذات‭ ‬المصالح‭ ‬وذات‭ ‬الأجندة‭.‬

كانت‭ ‬سنة‭ ‬مؤلمة‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬الاستفراد‭ ‬بنا،‭ ‬ووقف‭ ‬إقليمنا‭ ‬عاجزاً‭ ‬ومتفرجاً‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬إمكانياته‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬الوقائع‭ ‬أو‭ ‬تغييرها،‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬فيه‭ ‬أنه‭ ‬تكرر‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬أيضاً‭.‬

وبرأيي‭ ‬إن‭ ‬إقليمنا‭ ‬يخطئ‭ ‬جداً‭ ‬إذا‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬حياده‭ ‬أو‭ ‬نأيه‭ ‬بنفسه‭ ‬عما‭ ‬يجري‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نجاته‭ ‬من‭ ‬ألسنة‭ ‬النار،‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فالحروب‭ ‬تمنع‭ ‬بالحروب‭ ‬وليس‭ ‬بتجنبها،‭ ‬سكوت‭ ‬الإقليم‭ ‬أو‭ ‬خضوعه‭ ‬ترك‭ ‬الساحة‭ ‬فارغة‭ ‬جداً‭ ‬ليملأها‭ ‬ويختطفها‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الرد‭ ‬والمناورة‭.‬

وللمرة‭ ‬الألف‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬الاعتدال‭ ‬موقف‭ ‬أخلاقي‭ ‬صحيح‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬ليصبح‭ ‬موقفاً‭ ‬حقيقيا،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يسمى‭ ‬الخضوع‭ ‬اعتدالاً‭ ‬إلا‭ ‬لرفع‭ ‬الحرج‭ ‬فقط‭.‬

 

{ رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬

المستقبلية‭ ‬بجامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا