العدد : ١٦٩٩٧ - السبت ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٢ ربيع الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٧ - السبت ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٢ ربيع الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الارتقاء بحياة الإنسان جوهر أهداف وغايات التنمية

بقلم: د. محمد عبدالشفيع عيسى {

الجمعة ٠٤ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

عكف‭ ‬عالم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الكبير‭ ‬المرحوم‭ ‬الدكتور‭ ‬إسماعيل‭ ‬صبري‭ ‬عبدالله،‭ ‬مدير‭ ‬معهد‭ ‬التخطيط‭ ‬القومي‭ ‬الأسبق‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬طوال‭ ‬أعوام‭ ‬مديدة،‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ (‬عمود‭) ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الصحف‭ ‬الفكرية‭ ‬الأسبوعية،‭ ‬بعنوان‭ (‬ألفاظ‭ ‬ومعانٍ‭). ‬وقد‭ ‬كرس‭ ‬جهده‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬كشف‭ ‬أسرار‭ ‬بعض‭ ‬الألفاظ‭ ‬المستغلقة،‭ ‬لتقريبها‭ ‬لأذهان‭ ‬القراء‭ ‬ولو‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬خاصة‭ ‬المثقفين‭ ‬المتنورين،‭ ‬وقد‭ ‬خطر‭ ‬لي‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬أحاول‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬بالتطبيق‭ ‬على‭ ‬نقطة‭ (‬مستغلقة‭) ‬حقًا‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬التنمية‮»‬،‭ ‬فما‭ ‬‮«‬التنمية»؟‭ ‬سؤال‭ ‬غير‭ ‬سهل‭ ‬المرمى،‭ ‬وعميق‭ ‬الأغوار‭ ‬فمن‭ ‬قائل‭ ‬إن‭ ‬التنمية‭ ‬مصنفة‭ ‬لفظيًا‭ ‬حسب‭ ‬مجالات‭ ‬استعمالها‭ ‬البلاغي‭ ‬المختلفة‭! ‬فإذا‭ ‬هي‭ ‬تنمية‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية‭ ‬وهلم‭ ‬جرا‭.‬

وسوف‭ ‬نتبع‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ (‬الشكلانية‭) ‬لنقول‭ ‬إن‭ ‬أبرز‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬اللفظي‭ ‬للتنمية،‭ ‬وأقدمها‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬هي‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الأربعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم،‭ ‬وأوائل‭ ‬الخمسينيات‭. ‬ولعل‭ ‬التنمية‭ ‬هنا،‭ ‬كمقابل‭ ‬للكلمةDevelopment ،‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬التداولي‭ ‬اللغوي‭ ‬بعد‭ ‬لفظة‭ ‬التأخر‭ ‬Backwardness،‭ ‬حيث‭ ‬اشتقت‭ ‬لفظة‭ ‬البلاد‭ ‬المتخلفة underdeveloped كبديل‭ ‬للبلاد‭ ‬المتأخرة،‭ ‬ثم‭ ‬لحقت‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬ردح‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬لفظة‭ ‬‮«‬البلاد‭ ‬النامية‮»‬‭ ‬Developing ‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الخمسينيات‭ ‬وأوائل‭ ‬الستينيات‭.‬

من‭ ‬‮«‬المتأخرة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬المتخلفة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬النامية‮»‬‭ ‬جرى‭ ‬اللسان‭ ‬العربي‭ ‬ليعكس‭ ‬الأوضاع‭ ‬المختلفة‭ ‬لموقع‭ ‬البلدان‭ (‬الآخذة‭ ‬في‭ ‬النمو‭) ‬من‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭. ‬وسواء‭ ‬نظرنا‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬‮«‬التأخر‮»‬‭ ‬فـ«التخلف‮»‬‭ ‬فـ«النمو‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬مطالع‭ ‬السبعينيات‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬تبعها،‭ ‬فإن‭ ‬المحتوى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للفظة‭ ‬التنمية‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬الأغلب‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال،‭ ‬فإذ‭ ‬بـ«التنمية‭ ‬الاقتصادية‮»‬‭ ‬هي‭ ‬الأغنى‭ ‬في‭ ‬المحتوى‭ ‬النظري‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬استخدام‭ ‬آخر‭ ‬لتلك‭ ‬اللفظة‭.‬

وبرغم‭ ‬الثراء‭ ‬الكامن‭ ‬في‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬لفظًا‮»‬،‭ ‬ونعنى‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬عيبها‭ ‬الجوهري‭ ‬كامن‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬استخدام‭ ‬اللفظة‭ ‬على‭ ‬مجال‭ ‬التداول‭ ‬الاقتصادي‭ ‬حصرًا،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬التنمية‭ ‬‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬وكأنها‭ ‬مرادفة‭ ‬للتطور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬دون‭ ‬غيره،‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬التطور‭ ‬أو‭ ‬‮«‬التنمية‮»‬‭.‬

فهل‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬صحيح‭ ‬حقًا،‭ ‬وهل‭ ‬إن‭ ‬التنمية‭ ‬هي‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‮»‬‭ ‬وكفى؟‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬نربأ‭ ‬بجمهرة‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬أن‭ ‬يحذوا‭ ‬حذوه؛‭ ‬وإنما‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‮»‬‭ ‬مجرد‭ ‬بُعد‭ ‬واحد‭ ‬ليس‭ ‬غير،‭ ‬من‭ ‬أبعاد‭ ‬عملية‭ ‬التنمية،‭ ‬فتصير‭ ‬التنمية‭ ‬بهذا‭ ‬المدلول‭ ‬عملية،‭ ‬‮«‬ذات‭ ‬بُعد‭ ‬واحد‮»‬‭ ‬one‭-‬dimensioned.‭ ‬فأين‭ ‬منها‭ ‬إذن‭ ‬الأبعاد‭ ‬الأخرى‭ ‬للعملية‭ ‬ذات‭ ‬الأبعاد‭ ‬المتعددة‭ ‬والمتداخلة‭ ‬بطبيعتها،‭ ‬Multi-inter disciplinary،‭ ‬حيث‭ ‬تنوع‭ ‬الجوانب‭ ‬وترابطها‭ ‬الجدلي‭ ‬وحركيتها‭ ‬عبر‭ ‬الزمن‭ ‬كمًّا‭ ‬وكيفًا‭.‬

عود‭ ‬على‭ ‬بدء،‭ ‬فإن‭ ‬الثراء‭ ‬النسبي‭ ‬الأكبر‭ ‬لمفهوم‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬قد‭ ‬أغرى‭ ‬الباحثين‭ ‬والخبراء‭ ‬والمنظّرين‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ (‬التنمية‭) ‬و‭(‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭) ‬كمرادفين‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬القصور‭ ‬البادي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬الترادف‮»‬‭ ‬وجد‭ ‬المبرّر‭ ‬لاستخدامات‭ ‬تداولية‭ ‬أخرى،‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬تقريبًا،‭ ‬للفظة‭ ‬التنمية،‭ ‬فإذا‭ ‬إنها‭ ‬تنتقل‭ ‬لتكون‭ ‬محورًا‭ ‬‮«‬لأعمال‭ ‬علمية‭ ‬متنوعة‮»‬،‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬المعرفية‭ ‬للعلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭.‬

وهنا‭ ‬ظهرت‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬الاجتماعية‮»‬‭ ‬كلفظة‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬التنمية‭ ‬المنفردة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬السوسيولوجي‭ ‬بمعناه‭ ‬الضيق‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭. ‬وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬برزت‭ ‬في‭ ‬الكتابات‭ ‬السوسيولوجية‭ ‬معانٍ‭ ‬متعددة‭ ‬ذات‭ ‬غنى‭ ‬نظري‭ ‬‭ ‬عملي‭ ‬كبير،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬العربية‭ ‬مثلًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬الإبداعي،‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬‮«‬في‭ ‬بناء‭ ‬البشر‮»‬‭ ‬للدكتور‭ ‬حامد‭ ‬عمار‭) ‬وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬التنمية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ظهرت‭ ‬لفظة‭ ‬ذات‭ ‬معنى‭ ‬يكرّس‭ ‬الطابع‭ ‬التجزيئي‭ ‬للعلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بمدلولها‭ ‬الواسع،‭ ‬حيث‭ ‬ظهرت‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬السياسية‮»‬‭ ‬في‭ ‬الأدبيات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالذات‭ ‬خلال‭ ‬عقد‭ ‬الستينيات‭ ‬وما‭ ‬بعده‭ ‬خاصة‭ ‬السبعينيات‭.‬

‭ ‬وحينئذ‭ ‬بدأ‭ ‬ظهور‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬السياسية‮»‬‭ ‬كحقل‭ ‬معرفي‭ ‬يتبلور،‭ ‬ويركز‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬‮«‬التغير‭ ‬السياسي‮»‬‭ ‬ومفهوم‭ ‬‮«‬الحداثة‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬مقتربات‭ ‬عدة،‭ ‬مثل‭ ‬مقترب‭ ‬‮«‬المدخلات‭ ‬والمخرجات‮»‬‭ ‬وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬‮«‬التغير‮»‬‭ ‬ظهر‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الاستقرار‮»‬‭ ‬في‭ ‬الستينيات،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬‮«‬صمويل‭ ‬هنتنجتون‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬تنوعت‭ ‬وتجددت‭ ‬إسهاماته‭ ‬الفكرية‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬حتى‭ ‬كتابه‭ ‬الأشهر‭ ‬‮«‬صدام‭ ‬الحضارات‮»‬‭.‬

ومضت‭ ‬‮«‬الخطة‮»‬‭ ‬و«الخطى‮»‬‭ ‬‮«‬التجزيئية‮»‬‭ ‬للعلوم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وإن‭ ‬شئت‭ ‬فقل‭: ‬العلم‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬حين‭ ‬روّجت‭ ‬بعض‭ ‬منظمات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬حقبة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وحتى‭ ‬مطلع‭ ‬التسعينيات،‭ ‬لمصطلحات‭ ‬ذات‭ ‬بنى‭ ‬لفظية‭ ‬متقاربة،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬العلمية‮»‬‭ ‬و‮«‬التنمية‭ ‬التكنولوجية‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬المجال‭ ‬العربي،‭ ‬ولو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تكوين‭ ‬‮«‬الجمعية‭ ‬التكنولوجية‮»‬‭ ‬في‭ ‬الثمانينيات‭.‬

وتكرست‭ ‬التجزيئية‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬وأعمال‭ ‬‮«‬مؤتمر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتجارة‭ ‬والتنمية‮»‬‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الستينيات‭ ‬UNCTAD.

ومن‭ ‬قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬نلحظ‭ ‬ظهور‭ ‬‮«‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتنمية‭ ‬الصناعية‮»‬‭ ‬UNIDO جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬الأخرى‭ ‬المنشأة‭ ‬كوكالات‭ ‬متخصصة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬UN .

وكان‭ ‬للمنظمات‭ ‬الإقليمية‭ ‬نصيب‭ ‬وسهم‭ ‬وافر‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬التجزيئية،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬أنشأت‭ ‬المنظمة‭ ‬العربية‭ ‬للتنمية‭ ‬الزراعية‭ ‬وغيرها‭.‬

هذا،‭ ‬وعدا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬فقد‭ ‬ظهرت‭ ‬فروع‭ ‬علمية‭ ‬كاملة‭ ‬استعارت‭ ‬مفهوم‭ ‬التنمية،‭ ‬لتقيم‭ ‬منها‭ ‬بناءً‭ ‬أو‭ ‬صرحًا‭ ‬مستقلًا،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬البشرية‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬بلغت‭ ‬أوجها‭ ‬التنظيري‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مؤلف‭ ‬عالم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الحائز‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬‮«‬أمارتيا‭ ‬سن‮»‬‭: ‬‮«‬التنمية‭ ‬حرية‮»‬‭.‬

بلغ‭ ‬الطموح‭ ‬النظري‭ ‬منتهاه‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬عليه‭ ‬الصرح‭ ‬الفكري‭ ‬للتنمية‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نظرية‭ ‬التنمية‭ ‬التقليدية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬فرعها‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬حول‭ ‬خصائص‭ ‬البلاد‭ ‬النامية‭ ‬وبعض‭ ‬مشكلاتها‭ ‬البارزة‭ (‬كالديموجرافيا‭ ‬المختلّة‭) ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فرعها‭ ‬المتطور‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬مدارس‭ ‬مبدعة‭ ‬مثل‭ ‬مدرسة‭ ‬‮«‬نقد‭ ‬التبعية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬برزت‭ ‬الأعمال‭ ‬المتصلة‭ ‬بالتحولات‭ ‬الهيكلية‭ ‬Structural Transforming، والعلاقة‭ ‬الاعتمادية‭ ‬لبلدان‭ ‬‮«‬العالم‭ ‬الثالث‮»‬‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬ماليًا‭ ‬وتجاريا‭ ‬وتكنولوجيًا‭ (‬التبعية‭)‬،‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬التوازن‭ ‬الرشيد‭ ‬بين‭ ‬المقادير‭ ‬الاستثمارية‭ ‬المخصّصة‭ ‬للاستخدامات‭ ‬المختلفة‭ ‬حيث‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬اتجاه‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬المتوازنة‮»‬‭ ‬و«التنمية‭ ‬غير‭ ‬المتوازنة‮»‬‭.‬

وأخيرًا‭ ‬قامت‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬‮«‬المستحدثة‮»‬‭ ‬على‭ ‬أقنوم‭ ‬نظري‭ ‬مختلف،‭ ‬قوامه‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬الدخول‭ ‬وتحسين‭ ‬مستويات‭ ‬المعيشة‭ ‬والرفاهية‭ ‬للأفراد،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والرعاية‭ ‬والحماية‭ ‬الاجتماعية‭.‬

ولما‭ ‬ظهر‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬البشرية‮»‬‭ ‬قاصرة‭ ‬عن‭ ‬معانقة‭ ‬أبعاد‭ ‬التحول‭ ‬الهيكلي‭ ‬والاستقلالية‭ ‬النسبية‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الخارجي،‭ ‬وقاصرة‭ ‬عن‭ ‬معانقة‭ ‬المفاهيم‭ ‬المرتبطة‭ ‬ببناء‭ ‬الإنسان،‭ ‬قام‭ ‬البعض‭ ‬بابتداع‭ ‬مفهوم‭ ‬ولفظة‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬الإنسانية‮»‬‭ ‬للإيحاء‭ ‬بالمحتوى‭ ‬المختلف‭ ‬عن‭ ‬مجرد‭ ‬تنمية‭ ‬حياة‭ (‬البشر‭) ‬كأفراد‭ ‬أو‭ ‬جماعات،‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬تطور‭ ‬المعرفة‭ ‬وحقوق‭ ‬المرأة‭.. ‬إلخ‭.‬

ولكن‭ ‬الطابع‭ ‬التجزيئي‭ ‬للعلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التخلي‭ ‬عنه‭ ‬وإقامة‭ ‬البديل‭ ‬المتكامل،‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬الإنسانية‮»‬‭.‬

لذلك‭ ‬كله،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬يحق‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬ليست‭ ‬‮«‬تنميات‮»‬‭ ‬مجزّأة‭ ‬أو‭ ‬مُجتزأة،‭ ‬ولكن‭ ‬التنمية‭ ‬عملية‭ ‬Process‭ ‬متكاملة‭ ‬متضافرة،‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬واجتماعيًا،‭ ‬وسياسيًا،‭ ‬وثقافيًا،‭ ‬مبدؤها‭ ‬ومنتهاها‭ ‬الإنسان‭ ‬‭ ‬الإنسان‭.‬

بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬ثمة‭ ‬تنمية‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وأخرى‭ ‬اجتماعية،‭ ‬أو‭ ‬ثقافية،‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭. ‬إلخ‭. ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬ثمة‭ (‬تنميات‭) ‬متعددة،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬تنمية‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬تتجزأ‭. ‬تنمية‭ ‬تبدأ‭ ‬وتنتهي‭ ‬بالإنسان‭ ‬الكامل‭ ‬والمتكامل‭. ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬أنسنة‭ ‬التنمية،‭ ‬وكما‭ ‬كنا‭ ‬نقول‭ ‬من‭ ‬زمان‭ ‬إن‭ (‬الديمقراطية‭ ‬هي‭ ‬حكم‭ ‬الشعب‭ ‬بالشعب‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬الشعب‭)‬،‭ ‬فكذلك‭ ‬يحق‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬التنمية‭ ‬هي‭ ‬التنمية‭ ‬للإنسان‭ ‬بالإنسان‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬الإنسان‭. ‬فالإنسان‭ ‬هو‭ ‬الوسيلة‭ ‬وهو‭ ‬الواسطة‭ ‬والغاية‭ ‬معًا‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نرجوه‭ ‬حقًا‭.‬

 

{‭ ‬أستاذ‭ ‬في‭ ‬اقتصاديات

‭ ‬التنمية‭ ‬والعلاقات‭ ‬الدولية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا