العدد : ١٦٩٩٤ - الأربعاء ٠٢ أكتوبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٩ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٤ - الأربعاء ٠٢ أكتوبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٩ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل التلوث الضوئي يؤثر على صحتنا؟

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الأربعاء ٠٢ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

إذا‭ ‬أردتَ‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬معنى‭ ‬التلوث‭ ‬الضوئي‭ ‬وتأثيراته‭ ‬المحتملة‭ ‬عليك‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مباشر‭ ‬وفوري،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬عليك‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬هي‭ ‬تجربة‭ ‬بسيطة‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬وهي‭ ‬محاولة‭ ‬النوم‭ ‬أثناء‭ ‬الليل‭ ‬والأضواء‭ ‬مفتوحة،‭ ‬والأنوار‭ ‬عالية‭ ‬داخل‭ ‬الغرفة‭. ‬

لا‭ ‬شك‭ ‬بأنك‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬النوم‭ ‬كلياً،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الأقل‭ ‬ستشعر‭ ‬بانقطاعٍ‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬النوم،‭ ‬وستُصيبك‭ ‬حالة‭ ‬نفسية‭ ‬من‭ ‬الاستفزاز‭ ‬والأرق،‭ ‬وستشعر‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬بالتعب‭ ‬والإرهاق،‭ ‬وربما‭ ‬الصداع‭ ‬الحاد‭ ‬بسبب‭ ‬قلة‭ ‬الراحة‭ ‬والاسترخاء‭ ‬أثناء‭ ‬النوم‭.‬

فهذه‭ ‬الحالة‭ ‬النوعية‭ ‬ببساطة‭ ‬شديدة‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬نُطلق‭ ‬عليها‭ ‬علمياً‭ ‬بظاهرة‭ ‬أو‭ ‬مشكلة‭ ‬التلوث‭ ‬الضوئي،‭ ‬وهي‭ ‬التعرض‭ ‬للأنوار‭ ‬الساطعة،‭ ‬والأضواء‭ ‬العالية‭ ‬في‭ ‬أوقاتٍ‭ ‬غير‭ ‬مناسبة‭ ‬وغير‭ ‬مرغوبة‭ ‬فيها،‭ ‬وفي‭ ‬ظروف‭ ‬وأماكن‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬الإنسان‭ ‬إليها،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬البيئات‭ ‬الداخلية‭ ‬وفي‭ ‬غرف‭ ‬النوم،‭ ‬وفي‭ ‬فترات‭ ‬الليل‭ ‬وأوقات‭ ‬الراحة‭ ‬والخلود‭ ‬إلى‭ ‬النوم‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬تصيب‭ ‬الإنسان،‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬وتعاني‭ ‬منها‭ ‬الحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬من‭ ‬نباتات‭ ‬وحيوانات‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬البيئات‭ ‬الخارجية،‭ ‬فتُعكر‭ ‬وتلوث‭ ‬هذه‭ ‬الأنوار‭ ‬المضيئة‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬صفاء‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬ونقاوته‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الموجات‭ ‬المنيرة‭ ‬الساطعة‭ ‬لساعات‭ ‬طويلة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬اقتراب‭ ‬الفجر‭ ‬وشروق‭ ‬الشمس،‭ ‬فتُحدث‭ ‬خللاً‭ ‬في‭ ‬توازن‭ ‬حياتها،‭ ‬وشرخاً‭ ‬عميقاً‭ ‬في‭ ‬ممارساتها،‭ ‬واضطراباً‭ ‬غير‭ ‬محمود‭ ‬في‭ ‬تصرفاتها‭ ‬وسلوكياتها‭ ‬أثناء‭ ‬الليل‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬نهاراً‭ ‬بسبب‭ ‬الأضواء‭ ‬الشديدة،‭ ‬فتتغير‭ ‬كل‭ ‬العمليات‭ ‬الحيوية‭ ‬داخل‭ ‬الجسم،‭ ‬كما‭ ‬تتغير‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬بحثٍ‭ ‬عن‭ ‬قوت‭ ‬يومها،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التكاثر،‭ ‬أو‭ ‬النوم‭ ‬والراحة،‭ ‬حسب‭ ‬نوعية‭ ‬هذه‭ ‬الحيوانات‭ ‬وأسلوب‭ ‬حياتها‭.‬

وهذا‭ ‬الظاهرة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬التلوث‭ ‬الضوئي‭ ‬وانخفاض‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬لوجود‭ ‬الظلام،‭ ‬والازدياد‭ ‬المطرد‭ ‬في‭ ‬الإنارة‭ ‬الليلية‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬التفاقم‭ ‬نتيجة‭ ‬لتوسع‭ ‬الدائرة‭ ‬الجغرافية‭ ‬للأضواء‭ ‬الساطعة‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬خارج‭ ‬المدن‭ ‬الحضرية،‭ ‬وارتفاع‭ ‬شدة‭ ‬الإنارة‭ ‬والضوء،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬فيها‭ ‬المصابيح‭ ‬مفتوحة‭ ‬ومنيرة،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬ومع‭ ‬كثرة‭ ‬استخدام‭ ‬مصابيح‭ ‬‮«‬إل‭ ‬إي‭ ‬دي‮»‬‭ (‬LED‭) ‬الصديقة‭ ‬للبيئة‭ ‬والمنخفضة‭ ‬الاستهلاك‭ ‬للكهرباء‭.‬

ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬يقول‭ ‬العلم‭ ‬والعلماء‭ ‬حالياً‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬المستجدة؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬نتائج‭ ‬الأبحاث‭ ‬الميدانية‭ ‬الكمية‭ ‬التي‭ ‬أجروها‭ ‬حول‭ ‬علاقة‭ ‬هذا‭ ‬التلوث‭ ‬الضوئي‭ ‬بالإنسان‭ ‬أولاً‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬ثانياً؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬آلية‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬أعضاء‭ ‬أجسامنا؟‮  ‬‭ ‬

لقد‭ ‬تَنَبَهتْ‭ ‬‮«‬الجمعية‭ ‬الطبية‭ ‬الأمريكية‮»‬‭ ‬منذ‭ ‬يونيو‭ ‬2012‭ ‬لقضية‭ ‬التلوث‭ ‬الضوئي‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي،‭ ‬وصبَّت‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬اهتمامها‭ ‬العلمي‭ ‬والطبي‭ ‬بالجانب‭ ‬المتعلق‭ ‬بالعلاقة‭ ‬بين‭ ‬إفراط‭ ‬التعرض‭ ‬للأضواء‭ ‬أثناء‭ ‬الليل‭ ‬والإصابة‭ ‬بعدة‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬الأمراض،‭ ‬كالزهايمر‭ ‬والخرف‭ ‬المبكر،‭ ‬والسرطان‭. ‬ولذلك‭ ‬أصدرت‭ ‬الجمعية‭ ‬بياناً‭ ‬رسمياً‭ ‬تحذيرياً‭ ‬قدَّمت‭ ‬فيه‭ ‬سياساتها‭ ‬العامة‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬المحددة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬الأدلة‭ ‬العلمية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتلوث‭ ‬الضوئي‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬الليل‭ ‬وقلة‭ ‬فترة‭ ‬حلول‭ ‬الظلام،‭ ‬ومردوداته‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬لمن‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬ازدياد‭ ‬ساعات‭ ‬التعرض‭ ‬لهذا‭ ‬التلوث‭ ‬الضوئي‭. ‬فقد‭ ‬لخص‭ ‬البيان‭ ‬هذه‭ ‬التأثيرات‭ ‬في‭ ‬حدوث‭ ‬خللٍ‭ ‬واضطرابٍ‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬إيقاع‭ ‬الساعة‭ ‬البيولوجية‭ ‬للإنسان‭ (‬Circadian‭ ‬rhythm‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬الساعة‭ ‬الجزيئية،‭ ‬وانعكاسات‭ ‬هذا‭ ‬الاضطراب‭ ‬والتغير‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الجسم‭ ‬أثناء‭ ‬الليل،‭ ‬وعلاقته‭ ‬بالوقوع‭ ‬في‭ ‬شباك‭ ‬بعض‭ ‬الأمراض‭ ‬المزمنة‭ ‬كالزهايمر‭ ‬والخرف‭ ‬المبكر‭ ‬وبعض‭ ‬أنواع‭ ‬السرطان،‭ ‬حسب‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2013‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ (‬American‭ ‬Journal‭ ‬of‭ ‬Preventive‭ ‬Medicine‭) ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬التأثيرات‭ ‬الضارة‭ ‬للإضاءة‭ ‬الليلية‭: ‬تعقيب‭ ‬على‭ ‬البيان‭ ‬السياسي‭ ‬للجمعية‭ ‬الطبية‭ ‬الأمريكية‮»‬‭.‬

فأي‭ ‬خللٍ‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬البيولوجية‭ ‬للإنسان،‭ ‬يعني‭ ‬إحداث‭ ‬تغيرٍ‭ ‬واضطراب‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬ودورة‭ ‬النوم‭ ‬والاستيقاظ،‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬الحيوية‭ ‬ووظائف‭ ‬أعضاء‭ ‬الجسم‭ ‬والخلايا‭ ‬العصبية‭ ‬بصفةٍ‭ ‬خاصة،‭ ‬فهي‭ ‬جميعها‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬وقوع‭ ‬‮«‬التنكس‭ ‬العصبي‮»‬‭ ‬أو‭ ‬التحلل‭ ‬والتآكل‭ ‬العصبي‭ (‬neurodegeneration‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬فقدان‭ ‬تدريجي‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬لوظيفة‭ ‬الخلايا‭ ‬العصبية‭ ‬وموتها‭ ‬بعد‭ ‬حين،‭ ‬ثم‭ ‬أخيراً‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬شباك‭ ‬الخرف‭ ‬المبكر‭ ‬والأمراض‭ ‬العصبية‭ ‬الأخرى‭. ‬فالنوم‭ ‬عنصر‭ ‬أساسي‭ ‬للخلايا‭ ‬العصبية‭ ‬لإعادة‭ ‬توليد‭ ‬مرونتها،‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬المركبات‭ ‬السامة‭ ‬التي‭ ‬تتراكم‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان‭ ‬ومنها‭ ‬المخ‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬التلوث‭ ‬الضوئي‭ ‬المسبب‭ ‬للاضطراب‭ ‬في‭ ‬النوم‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬نمط‭ ‬إفراز‭ ‬الجسم‭ ‬لمادة‭ ‬الميلاتونين‭ (‬Melatonin‭) ‬المعروف‭ ‬بهرمون‭ ‬النوم‭ ‬الذي‭ ‬تفرزه‭ ‬الغدة‭ ‬الصنوبرية‭ (‬Pineal‭ ‬gland‭) ‬أثناء‭ ‬وقت‭ ‬الظلام،‭ ‬حيث‭ ‬تعمل‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬الساعة‭ ‬البيولوجية‭ ‬للإنسان،‭ ‬وتعمل‭ ‬ضد‭ ‬الالتهابات‭ ‬ونمو‭ ‬الأورام،‭ ‬كما‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬الميكروبات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬المعدة،‭ ‬حسب‭ ‬الدراسة‭ ‬بعنوان‭: ‬‮«‬الميلاتونين‭ ‬المنظم‭ ‬الرئيس‭ ‬لموت‭ ‬الخلية‭ ‬والتهابها‮»‬،‭ ‬والمنشورة‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬أبريل‭ ‬2019‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬موت‭ ‬وأمراض‭ ‬الخلية‮»‬‭ (‬Cell‭ ‬Death‭ & ‬Disease‭).‬

كما‭ ‬نشرت‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ (‬Frontiers‭ ‬in‭ ‬Neuroscience‭) ‬في‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬التعرض‭ ‬للنور‭ ‬الخارجي‭ ‬أثناء‭ ‬الليل‭ (‬التلوث‭ ‬الضوئي‭) ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بمرض‭ ‬الزهايمر‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أشارت‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التعرض‭ ‬للأنوار‭ ‬العالية‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬لفترات‭ ‬طويلة‭ ‬ترفع‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬الإصابة‭ ‬بالخَرَف‭ ‬المبكر،‭ ‬أو‭ ‬مرض‭ ‬الزهايمر،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬تفشيه‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬دراسة‭ ‬منشورة‭ ‬في‭ (‬Geroscience‭) ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2024‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الإضاءة‭ ‬الصناعية‭ ‬والتنكس‭ ‬العصبي‭: ‬هل‭ ‬التلوث‭ ‬الضوئي‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬تطور‭ ‬مرض‭ ‬الزهايمر؟‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬الاستنتاجات‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬التلوث‭ ‬الضوئي‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬التحلل‭ ‬العصبي‭ ‬والإصابة‭ ‬بالأمراض‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالأعصاب‭ ‬مثل‭ ‬الزهايمر‭.‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات،‭ ‬فهناك‭ ‬بحث‭ ‬يتوغل‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬التلوث‭ ‬الضوئي‭ ‬وأمراض‭ ‬السرطان،‭ ‬حيث‭ ‬نُشر‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬2016‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ (‬Asian‭ ‬Pacific‭ ‬Journal‭ ‬of‭ ‬Cancer‭ ‬Prevention‭) ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الإضاءة‭ ‬الصناعية‭ ‬أثناء‭ ‬الليل‭ ‬والسرطان‭: ‬دراسة‭ ‬دولية‮»‬‭. ‬فهذه‭ ‬الدراسة‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬أُجريت‭ ‬في‭ ‬158‭ ‬دولة،‭ ‬أشارت‭ ‬بأن‭ ‬مخاطر‭ ‬الإصابة‭ ‬ببعض‭ ‬أنواع‭ ‬السرطان‭ ‬كالثدي‭ ‬والمستقيم‭ ‬والقولون‭ ‬والرئة‭ ‬والبروستات‭ ‬تزيد‭ ‬مع‭ ‬التعرض‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬للضوء‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي،‭ ‬وخلصت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬شباك‭ ‬السرطان‭ ‬والإضاءة‭ ‬والأنوار‭ ‬العالية‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬وخارج‭ ‬المنزل‭.‬

كما‭ ‬نَشرتْ‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬نشينل‭ ‬جيوجرافيك‮»‬‭ ‬التاريخية‭ ‬المرموقة‭ ‬مقالاً‭ ‬عاماً‭ ‬في‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬التلوث‭ ‬الضوئي‭ ‬يضر‭ ‬بصحتنا‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أفادت‭ ‬بأن‭ ‬أجواء‭ ‬الليل‭ ‬تزيد‭ ‬نوراً‭ ‬وإضاءة‭ ‬سنة‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬مدن‭ ‬العالم،‭ ‬وبنسبة‭ ‬تبلغ‭ ‬نحو‭ ‬2%‭ ‬ومن‭ ‬مصادر‭ ‬كثيرة‭ ‬منها‭ ‬مصابيح‭ ‬الشوارع،‭ ‬والمحلات‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُغلق‭ ‬أبوابها،‭ ‬والمجمعات،‭ ‬والعمارات،‭ ‬والمنازل‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬التلفاز‭ ‬والكمبيوتر‭ ‬والهاتف‭ ‬المحمول،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اليوم‭ ‬إفراطاً‭ ‬مزمناً‭ ‬في‭ ‬التعرض‭ ‬للأنوار‭ ‬في‭ ‬ساعات‭ ‬الليل‭ ‬ولمستويات‭ ‬مرتفعة‭ ‬وساعات‭ ‬طويلة،‭ ‬مما‭ ‬يسبب‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأمراض،‭ ‬بدءاً‭ ‬بالأرق‭ ‬إلى‭ ‬أمراض‭ ‬القلب‭ ‬وأخيراً‭ ‬السرطان،‭ ‬وقائمة‭ ‬الأسقام‭ ‬والعلل‭ ‬من‭ ‬التلوث‭ ‬الضوئي‭ ‬تطول‭ ‬وتتوسع‭ ‬وتتعقد،‭ ‬وترتفع‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مطرد‭ ‬أعداد‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأنوار‭ ‬العالية‭.‬‮ ‬

وهذا‭ ‬التلوث‭ ‬الضوئي‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬عبث‭ ‬الإنسان‭ ‬بالأرض،‭ ‬والتدخل‭ ‬في‭ ‬أنظمة‭ ‬الكون‭ ‬الربانية‭ ‬دون‭ ‬علم‭ ‬وخبرة‭ ‬مسبقة،‭ ‬والتوغل‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬الدقيق‭ ‬والهش‭ ‬بين‭ ‬مخلوقات‭ ‬الله،‭ ‬كإحداث‭ ‬اضطرابٍ‭ ‬وخلل‭ ‬بين‭ ‬وظيفة‭ ‬الليل‭ ‬ووظيفة‭ ‬النهار،‭ ‬فلكلٍ‭ ‬دوره‭ ‬ووظيفته‭ ‬في‭ ‬استدامة‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض،‭ ‬وأي‭ ‬تعدٍ‭ ‬منهما‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬يعد‭ ‬فساداً‭ ‬بيئياً‭ ‬وصحياً‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬الإنسان‭ ‬والمخلوقات‭ ‬الأخرى‭. ‬فوظيفة‭ ‬النهار‭ ‬للعمل،‭ ‬وكسب‭ ‬الرزق،‭ ‬والجد‭ ‬والاجتهاد،‭ ‬ووظيفة‭ ‬الليل‭ ‬للراحة،‭ ‬والسكون،‭ ‬والدعة‭ ‬والاسترخاء،‭ ‬ولذلك‭ ‬يجب‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬جو‭ ‬الليل‭ ‬من‭ ‬‮«‬الظلمة‮»‬،‭ ‬والضعف‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬الأنوار‭ ‬والأضواء‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬حتى‭ ‬يؤدي‭ ‬الليل‭ ‬مهمته‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭. ‬ولذلك‭ ‬يُحدد‭ ‬القرآن‭ ‬ويَفْصِل‭ ‬بين‭ ‬الإثنين‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الوظيفية‭ ‬عندما‭ ‬قال‭: ‬‮«‬وجعلنا‭ ‬نومكم‭ ‬سباتاً،‭ ‬وجعلنا‭ ‬الليل‭ ‬لباساً،‭ ‬وجعلنا‭ ‬النهار‭ ‬معاشاً‮»‬،‭ ‬فظلام‭ ‬الليل‭ ‬وعَتْمتها‭ ‬ميزة‭ ‬عظيمة‭ ‬للإنسان‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬معاً،‭ ‬وظلام‭ ‬الليل‭ ‬واسْوداده‭ ‬نعمة‭ ‬ربانية‭ ‬يجب‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬حسب‭ ‬فطرة‭ ‬الله‭ ‬عليها،‭ ‬وندرك‭ ‬اليوم‭ ‬قيمتها‭ ‬مع‭ ‬تفشي‭ ‬ظاهرة‭ ‬التلوث‭ ‬الضوئي‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬وبُروز‭ ‬جوانبها‭ ‬الصحية‭ ‬المسببة‭ ‬للأمراض‭ ‬والعلل‭. ‬

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا