في ظل التطورات المتسارعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبحت منطقة الخليج العربي في مقدمة الدول التي تسعى للاستفادة من هذه التكنولوجيا في تعزيز اقتصاداتها. وتبرز مملكة البحرين كقائد إقليمي في هذا المجال؛ حيث تتبنى استراتيجيات مبتكرة في مختلف القطاعات، مثل المالية، والأمن، والتعليم. ومع تزايد الاهتمام العالمي بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، تتاح للبحرين فرص كبيرة لتكون نقطة انطلاق للابتكار، مما يعزز من مكانتها كوجهة رائدة في المنطقة.
وبشكل عام، جلب التطور المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء العالم تأثيرات واسعة على التنمية الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية. وعلى الرغم من أن التقدم السريع الذي أحرزته التقنيات التي تحاكي الذكاء والعمليات البشرية قد أذهل المراقبين، بل وأثار مخاوف بشأن تهديد هذه الأنظمة للوجود الإنساني على المدى الطويل، فإن شركة «بي دبليو سي» قد أكدت أن الذكاء الاصطناعي «لا يزال في طور مبكر جدًا من التطور»؛ مما يعني توافر «فرص للأسواق الناشئة لتخطي نظيراتها الأكثر تقدمًا».
وتتوقع الشركة أن يسهم الذكاء الاصطناعي بما يزيد على 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، ومن المرجح أن يأتي 6.6 تريليونات دولار من هذا الرقم عبر زيادة الإنتاجية. وفي الشرق الأوسط، من المتوقع أن تسهم هذه التقنيات بأكثر من 320 مليار دولار في الاقتصاد الإقليمي بحلول نهاية العقد الحالي؛ حيث سجل ستيفن أندرسون رئيس أسواق الشرق الأوسط بشركة بي دبليو سي، أن الشركات وقادة الأعمال في المنطقة أكثر استعدادًا لخوض التجربة والمشاركة في هذا المجال مقارنة ببعض الدول الأخرى من العالم.
وقد لاحظت كارا ستروكمان وفاريا نصر الدين من مركز ويلسون، أن السباق بين البلدان لإثبات نفسها كقادة لهذه التكنولوجيا الناشئة جار بالفعل. وتأكيدًا على ذلك، ذكرت نيل لويس وريم بنديمراد من شبكة سي إن إن، أن الإمارات العربية المتحدة قد أفصحت عن نيتها بأن تصبح لاعبًا رئيسيا في مجال الذكاء الاصطناعي، كما ذكر معهد الأبحاث آسيا هاوس في سبتمبر 2024، أن المملكة العربية السعودية قد وضعت هذه التكنولوجيا كأداة فعالة لتحقيق رؤية 2030.
وبحسب ستروكمان ونصر الدين، فإن مملكة البحرين في وضع جيد ضمن سباق الذكاء الاصطناعي وذلك يرجع إلى ما حققته في قطاع (التكنولوجيا المالية) الحالي، والبنية الأساسية لأمنها الوطني، والتطورات ذات الصلة بقوتها العاملة؛ حيث مثل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات 6.8% من ناتجها المحلي الإجمالي لعام 2022.
فلقد أكدت المنامة نفسها كـبوابة مهمة للذكاء الاصطناعي لبقية دول الخليج العربي. وتعد الصناعات المتعلقة بأنظمة الخدمات المصرفية والمالية أحد أكبر المجالات التي تشهد حاليًا قدرًا من الابتكار. وأشارت ستروكمان ونصر الدين إلى أن البنوك والمؤسسات المالية في البحرين قد اتخذت خطوات لحوسبة خدماتها المالية؛ لدعم استراتيجية الحكومة للتحول الرقمي، مثل: إنشاء تطبيق بنفت بي الذي يسهل جميع المدفوعات من خلال محفظة رقمية وطنية، وحسابات مصرفية شخصية.
وفي قطاع الأعمال، تطرق الأكاديميون إلى الكيفية التي يتم بها استخدام هذه التكنولوجيات بالبحرين للمساعدة في تنمية رأس المال البشري المحلي والقوى العاملة. ففي أبريل 2019، افتُتحت أكاديمية الذكاء الاصطناعي التابعة لكلية البحرين التقنية بوليتكنك البحرين من خلال التعاون مع صندوق العمل تمكين وشركة مايكروسوفت الأمريكية للتكنولوجيا؛ وذلك لتوفير التخصصات الخاصة بالذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات للطلاب المقيمين.
وكذلك في الوقت نفسه، أنشأت بوليتكنك البحرين مركزًا للابتكار السحابي، والذي أكدت ستروكمان ونصر الدين أنه سيسهم في تعزيز التعاون بين مختلف القطاعات. وقد نشر المركز بالفعل بيانات بحثية حول مجموعة واسعة من القضايا مثل: تحسين كفاءة الخدمات والموارد التي تعمل باستخدام آليات الذكاء الاصطناعي، والحد من أمراض النباتات، واستخدام التعلم العميق لتطوير دردشة آلية تهدف بالأساس إلى دعم مهام وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني.
ونتيجة لهذه التطورات، من المتوقع أن تحقق البحرين نموًا بنسبة 35% في صناعة تكنولوجيا المعلومات بحلول عام 2027، مع توقع أن تنمو الإيرادات في سوق التجارة الإلكترونية الوطنية بأكثر من 8% سنويًا خلال نفس الفترة الزمنية.
ويلعب الذكاء الاصطناعي أيضًا دورًا في مجال الأمن الوطني، ومن الأمثلة على ذلك استخدام خفر السواحل البحريني - بالشراكة مع شركة إس آر تي مارين سيستمز البريطانية – آليات هذا الذكاء جنبًا إلى جنب مع معدات الرادار وكاميرات المراقبة في مهامها لمراقبة عمليات التهريب والاتجار المحتملة. ووفقًا للمدير التنفيذي لشركة إس آر تي سايمون تاكر فقد أسهمت هذه التقنيات في إنشاء حلقة أشبه بالفولاذ لحماية المملكة من التهديدات الخارجية.
ومن أبرز الإنجازات التي حققتها المملكة في هذا السياق هو اختيارها في اجتماع مارس 2024 من قبل وفود 60 دولة حول العالم لتصبح جنبًا إلى جنب مع ما يسمى بدول العيون الخمسة (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، كندا، أستراليا، نيوزيلندا)، لتأخذ دورًا رائدًا في استكشاف لوائح الأمان الجديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الشؤون العسكرية.
ويعترف المراقبون الغربيون أيضًا بدور حكومة البحرين وبرلمانها في تنظيم الأمور المحلية الخاصة بها، من خلال توثيق إطار قانوني لاستخدام الذكاء الاصطناعي كجزء من استراتيجيتها الرقمية الواسعة ودمجه مع رؤيتها الاقتصادية 2030. فلقد أقر مجلس الشورى في أبريل 2024 قانونا مستقلا حول الذكاء الاصطناعي، يحدد القانون لوائح لحظر إساءة استخدام تلك التكنولوجيا، وفي ضوء تلك القوانين أصدرت مؤسسة نقد البحرين (CBB) توجيهات بشأن التمويل الرقمي للمؤسسات المالية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. وقد اعترفت ستروكمان ونصر الدين بأن تشريعات المملكة قد استطاعت تنظيم هذه التقنيات واستخداماتها في السنوات المقبلة.
وأشارت أنيس روجرسون بمؤسسة «أوكسفورد أنسايتس» البريطانية للتحليلات التكنولوجية إلى أن طموح البحرين هو أن تصبح مركز تطوير لهذا النوع من التكنولوجيا في الشرق الأوسط، وهذا يتحقق من خلال تشجيع تأسيس المقرات الرئيسية لمطوري وممارسي هذه التقنيات المتقدمة. وبالإضافة إلى وضع تنظيمات محلية لتحديد قواعد الاستخدام على المستوى الإقليمي.
على العموم، تسير البحرين بخطى ثابتة نحو تحقيق ريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي ومؤسساتها المالية المتطورة من خلال تعزيز التشريعات المناسبة وتطوير البنية التحتية، وتواصل المملكة إعداد نفسها لتصبح مركزًا رئيسيًا للابتكار في الشرق الأوسط. مع هذا التوجه، ستظل البحرين نموذجًا يُحتذى به في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ مما يعزز مكانتها في المستقبل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك