يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
كلمة استثنائية ورؤية إنسانية متحضرة
الكلمة التي ألقاها سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كلمة استثنائية بكل المعاني.
جرت العادة على أن القادة حين يلقون كلمات بلادهم أمام الجمعية العامة، فإنهم يكتفون بشرح موقفهم من التطورات والأحداث العالمية، وطرح ما يطالبون به في هذا السياق. لكن كلمة سمو ولي العهد رئيس الوزراء تجاوزت هذا التقليد بكثير، ولهذا تعتبر كلمة استثنائية.
بالطبع، قدم سمو ولي العهد رئيس الوزراء في كلمته المبادئ والأبعاد الكبرى لمواقف مملكة البحرين من القضايا الإقليمية والعالمية الكبرى، كما قدم لمحات من تجربة البحرين التنموية الحضارية، لكن تركيزه الأساسي في الكلمة كان تقديم توصيف دقيق للتحديات الكبرى التي تواجه العالم اليوم وأزماته المتفجرة وأسبابها، ثم تقديم الجوانب الأساسية التي تمثل طريقا للتعامل مع هذه التحديات والأزمات.
سمو ولي العهد رئيس الوزراء قدم رؤية شاملة في هذا الخصوص، وهي رؤية انسانية متحضرة.
أول جوانب هذه الرؤية تشخيص التحديات التي يواجهها العالم. قال سمو ولي العهد رئيس الوزراء إن التحديات التي يواجهها العالم تفاقمت، وهي تتفاقم يوما بعد يوم. والتحديات ليس فقط ما يشهده العالم من حروب وصراعات دموية، بل تحديات الفقر والمجاعة والأمراض المعدية الفتاكة والحروب الأهلية وأسلحة الدمار الشامل. وغير هذا هناك تحديات تفرضها تقنيات ثورية جديدة، ستعيد تشكيل العالم الذي نعرفه اليوم، بالإضافة إلى التحديات البيئية والصحية التي لا تعرف حدوداً في التعقيد.
سمو ولي العهد رئيس الوزراء بهذا التوصيف يريد أن يقول إن التحديات تهدد كل دول العالم، وتهدد البشرية كلها.
ومعنى أن يقول سموه إن التحديات تتفاقم، أن العالم فشل في مواجهتها والتعامل معها.
الجانب الثاني الأساسي في كلمة سمو ولي العهد رئيس الوزراء يتعلق بتفسير هذا الفشل، أي ما هي العوامل التي تفسر هذا الفشل العالمي؟
سموه قدم هنا التفسيرات الأساسية الكبرى الحاسمة، وفي مقدمتها على الإطلاق أن المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة لم تكن على مستوى التحدي وظلت جامدة وتتعرض لضغوط هائلة تمنعها من القيام بدورها المفترض.
قال سموه: «إن الأنظمة التي تم إنشاؤها من أجل الحفاظ على النظام الدولي تتعرض لضغوط شديدة. ولهذا لم تستطع هذه الأنظمة حماية النظام الدولي.
أما السبب الكبير الثاني لفشل النظام الدولي الحالي في التعامل مع التحديات فقد حدده سموه في أن بعض الحكومات تتجاهل النظام القائم على القواعد المعترف به دولياً، حيث تنتهج سياسات قائمة على المصالح الذاتية، ونرى تفضيلاً لسياسة التعنت واستخدام القوة المشكوك في قانونيتها لتسوية النزاعات، نرى تصاعد التطرف والجماعات المسلحة غير النظامية التي تزرع الفوضى والانقسام».
وأهم الأسباب التي نستخلصها من كلمة سمو ولي العهد رئيس الوزراء هي أن عدم احترام القيم الإنسانية العليا أصبح سائدا، وكرامة الإنسان لم تعد تحترم، بل حق الحياة لم يعد يحترم.
هذه هي الأسباب الكبرى التي قدمها سمو ولي العهد رئيس الوزراء لحال العالم اليوم، وعلى ضوئها قدم سموه الخطوات الواجب اتخاذها إذا كان للعالم أن يتجاوز هذا الوضع وإذا كان لنا أن نأمل في عالم أكثر إنسانية.
في مقدمة هذه الخطوات أن هناك قضايا كبرى لا تحتمل التأجيل ولابد من حسمها فورا وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني الذي يعيش مأساة انسانية غير مسبوقة، وطالب سموه بضرورة وقف إطلاق النار فورا والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية. وهذه رؤية ثابتة لمملكة البحرين.
من أكبر الخطوات التي طالب بها سموه حتمية إصلاح الأمم المتحدة «لضمان أن تعكس الحقائق الجيوسياسية الحالية، بحيث تكون قادرة على الاستمرار في أداء مهمتها العالمية المهمة لعقود قادمة. ينبغي أن يكون هذا الإصلاح شاملاً، قائمًا على التوافق، ويشمل جميع هيئات اتخاذ القرار في الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن».
وثاني أكبر هذه الخطوات، العمل على قيام نظام دولي متعدد الأطراف يعطي الأهمية لقيم ومصالح كل الدول.
سموه أكد أنه لا بد من نظام دولي يحترم التعددية والقيم المشتركة وأن تتعاون كل دول العالم التي تتقاسم هذه القيم من أجل ذلك.
ولا يمكن أن يتحقق هذا كما قال سموه من دون «إرادة جماعية وتصميم على صياغة إطار دولي جديد مبني على القيم المشتركة». كما لا يمكن أن يتحقق من دون تأكيد «مسؤوليتنا المشتركة في دعم وحماية الكرامة الإنسانية وضمان بقاء النظام الدولي قوة من أجل الخير».
هكذا كما نرى، سمو ولي العهد رئيس الوزراء قدم رؤية إنسانية متحضرة لأزمات العالم ولكيفية تجاوزها.
وإذا كانت هناك جملة واحدة يمكن أن تلخص كلمة سمو ولي العهد رئيس الوزراء روحا ومضمونا فهي ضرورة «الاحترام المتبادل لإنسانيتنا المشتركة»، وهي كما قال سموه جوهر رؤية جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك