العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

كلمة استثنائية ورؤية إنسانية متحضرة

الكلمة‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬أمام‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬كلمة‭ ‬استثنائية‭ ‬بكل‭ ‬المعاني‭.‬

جرت‭ ‬العادة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬القادة‭ ‬حين‭ ‬يلقون‭ ‬كلمات‭ ‬بلادهم‭ ‬أمام‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة،‭ ‬فإنهم‭ ‬يكتفون‭ ‬بشرح‭ ‬موقفهم‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬والأحداث‭ ‬العالمية،‭ ‬وطرح‭ ‬ما‭ ‬يطالبون‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭. ‬لكن‭ ‬كلمة‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬تجاوزت‭ ‬هذا‭ ‬التقليد‭ ‬بكثير،‭ ‬ولهذا‭ ‬تعتبر‭ ‬كلمة‭ ‬استثنائية‭.‬

بالطبع،‭ ‬قدم‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬كلمته‭ ‬المبادئ‭ ‬والأبعاد‭ ‬الكبرى‭ ‬لمواقف‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية‭ ‬الكبرى،‭ ‬كما‭ ‬قدم‭ ‬لمحات‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬البحرين‭ ‬التنموية‭ ‬الحضارية،‭ ‬لكن‭ ‬تركيزه‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬الكلمة‭ ‬كان‭ ‬تقديم‭ ‬توصيف‭ ‬دقيق‭ ‬للتحديات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬وأزماته‭ ‬المتفجرة‭ ‬وأسبابها،‭ ‬ثم‭ ‬تقديم‭ ‬الجوانب‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬طريقا‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬والأزمات‭.‬

سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬قدم‭ ‬رؤية‭ ‬شاملة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص،‭ ‬وهي‭ ‬رؤية‭ ‬انسانية‭ ‬متحضرة‭.‬

أول‭ ‬جوانب‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬تشخيص‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬العالم‭. ‬قال‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬إن‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬العالم‭ ‬تفاقمت،‭ ‬وهي‭ ‬تتفاقم‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭. ‬والتحديات‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬يشهده‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬وصراعات‭ ‬دموية،‭ ‬بل‭ ‬تحديات‭ ‬الفقر‭ ‬والمجاعة‭ ‬والأمراض‭ ‬المعدية‭ ‬الفتاكة‭ ‬والحروب‭ ‬الأهلية‭ ‬وأسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭. ‬وغير‭ ‬هذا‭ ‬هناك‭ ‬تحديات‭ ‬تفرضها‭ ‬تقنيات‭ ‬ثورية‭ ‬جديدة،‭ ‬ستعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬نعرفه‭ ‬اليوم،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التحديات‭ ‬البيئية‭ ‬والصحية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬حدوداً‭ ‬في‭ ‬التعقيد‭.‬

سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بهذا‭ ‬التوصيف‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬التحديات‭ ‬تهدد‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وتهدد‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭.‬

ومعنى‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬سموه‭ ‬إن‭ ‬التحديات‭ ‬تتفاقم،‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬مواجهتها‭ ‬والتعامل‭ ‬معها‭.‬

الجانب‭ ‬الثاني‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬يتعلق‭ ‬بتفسير‭ ‬هذا‭ ‬الفشل،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬تفسر‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭ ‬العالمي؟

سموه‭ ‬قدم‭ ‬هنا‭ ‬التفسيرات‭ ‬الأساسية‭ ‬الكبرى‭ ‬الحاسمة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬أن‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التحدي‭ ‬وظلت‭ ‬جامدة‭ ‬وتتعرض‭ ‬لضغوط‭ ‬هائلة‭ ‬تمنعها‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بدورها‭ ‬المفترض‭.‬

قال‭ ‬سموه‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الأنظمة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إنشاؤها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬تتعرض‭ ‬لضغوط‭ ‬شديدة‭. ‬ولهذا‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬حماية‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭. ‬

أما‭ ‬السبب‭ ‬الكبير‭ ‬الثاني‭ ‬لفشل‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التحديات‭ ‬فقد‭ ‬حدده‭ ‬سموه‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الحكومات‭ ‬تتجاهل‭ ‬النظام‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬القواعد‭ ‬المعترف‭ ‬به‭ ‬دولياً،‭ ‬حيث‭ ‬تنتهج‭ ‬سياسات‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الذاتية،‭ ‬ونرى‭ ‬تفضيلاً‭ ‬لسياسة‭ ‬التعنت‭ ‬واستخدام‭ ‬القوة‭ ‬المشكوك‭ ‬في‭ ‬قانونيتها‭ ‬لتسوية‭ ‬النزاعات،‭ ‬نرى‭ ‬تصاعد‭ ‬التطرف‭ ‬والجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬التي‭ ‬تزرع‭ ‬الفوضى‭ ‬والانقسام‮»‬‭.‬

وأهم‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬نستخلصها‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬احترام‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬العليا‭ ‬أصبح‭ ‬سائدا،‭ ‬وكرامة‭ ‬الإنسان‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تحترم،‭ ‬بل‭ ‬حق‭ ‬الحياة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يحترم‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬الأسباب‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬لحال‭ ‬العالم‭ ‬اليوم،‭ ‬وعلى‭ ‬ضوئها‭ ‬قدم‭ ‬سموه‭ ‬الخطوات‭ ‬الواجب‭ ‬اتخاذها‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نأمل‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬أكثر‭ ‬إنسانية‭.‬

في‭ ‬مقدمة‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قضايا‭ ‬كبرى‭ ‬لا‭ ‬تحتمل‭ ‬التأجيل‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬حسمها‭ ‬فورا‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬قضية‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬مأساة‭ ‬انسانية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬وطالب‭ ‬سموه‭ ‬بضرورة‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬فورا‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬وهذه‭ ‬رؤية‭ ‬ثابتة‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭.‬

من‭ ‬أكبر‭ ‬الخطوات‭ ‬التي‭ ‬طالب‭ ‬بها‭ ‬سموه‭ ‬حتمية‭ ‬إصلاح‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬لضمان‭ ‬أن‭ ‬تعكس‭ ‬الحقائق‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الحالية،‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬مهمتها‭ ‬العالمية‭ ‬المهمة‭ ‬لعقود‭ ‬قادمة‭. ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح‭ ‬شاملاً،‭ ‬قائمًا‭ ‬على‭ ‬التوافق،‭ ‬ويشمل‭ ‬جميع‭ ‬هيئات‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‮»‬‭.‬

وثاني‭ ‬أكبر‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات،‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬متعدد‭ ‬الأطراف‭ ‬يعطي‭ ‬الأهمية‭ ‬لقيم‭ ‬ومصالح‭ ‬كل‭ ‬الدول‭.‬

سموه‭ ‬أكد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬يحترم‭ ‬التعددية‭ ‬والقيم‭ ‬المشتركة‭ ‬وأن‭ ‬تتعاون‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬تتقاسم‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭.‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬هذا‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬سموه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬‮«‬إرادة‭ ‬جماعية‭ ‬وتصميم‭ ‬على‭ ‬صياغة‭ ‬إطار‭ ‬دولي‭ ‬جديد‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬المشتركة‮»‬‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تأكيد‭ ‬‮«‬مسؤوليتنا‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬وحماية‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬وضمان‭ ‬بقاء‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬قوة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الخير‮»‬‭.‬

هكذا‭ ‬كما‭ ‬نرى،‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬قدم‭ ‬رؤية‭ ‬إنسانية‭ ‬متحضرة‭ ‬لأزمات‭ ‬العالم‭ ‬ولكيفية‭ ‬تجاوزها‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تلخص‭ ‬كلمة‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬روحا‭ ‬ومضمونا‭ ‬فهي‭ ‬ضرورة‭ ‬‮«‬الاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬لإنسانيتنا‭ ‬المشتركة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬سموه‭ ‬جوهر‭ ‬رؤية‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا