العدد : ١٦٩٨١ - الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨١ - الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إلى أين تتجه الحرب الروسية الأوكرانية؟

بقلم: د. نبيل العسومي

الثلاثاء ١٧ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬هنالك‭ ‬محاولات‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬دولية‭ ‬لإيجاد‭ ‬مخرج‭ ‬سلمي‭ ‬لإنهاء‭ ‬حالة‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وجمهورية‭ ‬أوكرانيا‭ ‬التي‭ ‬مضى‭ ‬عليها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عامين‭ ‬ونيف‭ ‬وبالعكس‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الذي‭ ‬فتح‭ ‬أبواب‭ ‬الأمل‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تحصد‭ ‬خيرة‭ ‬شباب‭ ‬البلدين،‭ ‬قامت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بمغامرة‭ ‬أخرى‭ ‬غريبة‭ ‬وغير‭ ‬مفهومة‭ ‬بدخول‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬كورسك‭.‬

فقبل‭ ‬أسبوع‭ ‬تقريبا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المغامرة‭ ‬كان‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأوكراني‭ ‬دميترو‭ ‬كوليبا‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الصينية‭ ‬بكين‭ ‬لدراسة‭ ‬ونقاش‭ ‬المشروع‭ ‬السلمي‭ ‬الصيني‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬للقيادة‭ ‬الصينية‭ ‬طرحه‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬وشكل‭ ‬قاعدة‭ ‬أساسية‭ ‬لإنهاء‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬جوهره‭ ‬حياد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وضمان‭ ‬حقوق‭ ‬الناطقين‭ ‬بالروسية‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬الدونباس‭ ‬وارتباطهم‭ ‬النهائي‭ ‬بروسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬جاءت‭ ‬هذه‭ ‬المغامرة‭ ‬غير‭ ‬المدروسة‭ ‬بما‭ ‬أشعر‭ ‬الصينيين‭ ‬وجميع‭ ‬الوسطاء‭ ‬الآخرين‭ ‬بأنهم‭ ‬خدعوا‭ ‬وأن‭ ‬الحكومة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تبنت‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬المفاوضات‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬عدم‭ ‬صدقية‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬واستخدام‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المفاوضات‭ ‬السلمية‭ ‬كوسيلة‭ ‬للتغطية‭ ‬على‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬كورسك‭ ‬بتنسيق‭ ‬مباشر‭ ‬ومشاركة‭ ‬من‭  ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬لتحقيق‭ ‬أربعة‭ ‬أهداف‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬المغامرة‭:‬

الأول‭: ‬إظهار‭ ‬قدرة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬التوغل‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الجيش‭ ‬مازال‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬إلحاق‭ ‬الضرر‭ ‬بروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬احتلال‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أراضيها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬صعوبة‭ ‬كبيرة‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬استطاعت‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬التوغل‭ ‬في‭ ‬كورسك‭ ‬في‭ ‬هجوم‭ ‬كبير‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لروسيا‭ ‬التعرض‭ ‬له‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬

فقد‭ ‬تمكنت‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مساحات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية‭ ‬ومحاولة‭ ‬استثمار‭ ‬هذا‭ ‬التوغل‭ ‬دعائيا‭ ‬وتسويقه‭ ‬لدى‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الداعمة‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬وقد‭ ‬احتفى‭ ‬الغربيون‭ ‬والإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬‮«‬بهذا‭ ‬الانتصار‭ ‬العسكري‮»‬‭.‬

الثاني‭: ‬إلحاق‭ ‬الإهانة‭ ‬بروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وصورتها‭ ‬والتأثير‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬معنويات‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬والشعب‭ ‬الروسي‭ ‬وهذا‭ ‬مطلب‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬مطالب‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬بل‭ ‬وسيلة‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التدريب‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬القادمة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬فهذه‭ ‬المحاولة‭ ‬بمثابة‭ ‬التمرين‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬قيام‭ ‬حرب‭ ‬مباشرة‭ ‬بين‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬والجيش‭ ‬الروسي‭ ‬لبيان‭ ‬أن‭ ‬هنالك‭ ‬خاصرة‭ ‬ضعيفة‭ ‬في‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭ ‬الطويلة‭ ‬يمكن‭ ‬التوغل‭ ‬داخلها‭ ‬ومحاصرة‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬وتهديد‭ ‬المدن‭ ‬الروسية‭.‬

الثالث‭: ‬إبراز‭ ‬أحقية‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بالمعونات‭ ‬والدعم‭ ‬المقدم‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وحلف‭ ‬الناتو،‭ ‬فبعكس‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يقال‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الماضية‭ ‬لهذا‭ ‬الهجوم‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬الغربية‭ ‬الامريكية‭ ‬تحديدا‭ ‬بأن‭ ‬الأموال‭ ‬والأسلحة‭ ‬المقدمة‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬تضيع‭ ‬هدرا‭ ‬بدون‭ ‬فائدة،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬الهجوم‭ ‬المضاد‭ ‬للجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬فشلا‭ ‬ذريعا‭ ‬حيث‭ ‬تعالت‭ ‬الأصوات‭ ‬الداعية‭ ‬لإيقاف‭ ‬هذا‭ ‬الانفاق‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬والأسلحة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬فائدة‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬والقيادة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الإنجاز‮»‬‭ ‬للقول‭ ‬بأن‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬قادر‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬الإنجازات‭ ‬العسكرية‭ ‬الكبيرة‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الاختراق‭ ‬الكبير‭ ‬للحدود‭ ‬الروسية‭.‬

‭ ‬فهذا‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬جندت‭ ‬له‭ ‬أوكرانيا‭ ‬نخبها‭ ‬العسكرية‭ ‬والقوات‭ ‬الخاصة‭ ‬والمرتزقة‭ ‬المتعاقدين‭ ‬معها‭ ‬من‭ ‬أغلب‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬خاصة‭ ‬الأمريكان‭ ‬والبريطانيين‭ ‬والفرنسيين‭ ‬والبولنديين‭ ‬كان‭ ‬هدفه‭ ‬الرئيسي‭ ‬إثبات‭ ‬ان‭ ‬الأموال‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬باحتلال‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإقليم‭.‬

الرابع‭: ‬طرحه‭ ‬مستشار‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬فلاديمير‭ ‬زيلينسكي‭ ‬عندما‭ ‬أكد‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الهجوم‭ ‬أن‭ ‬احتلال‭ ‬إقليم‭ ‬كورسك‭ ‬والاحتفاظ‭ ‬به‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬سوف‭ ‬يشكل‭ ‬ورقة‭ ‬للمساومة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مفاوضات‭ ‬مستقبلية‭ ‬بنظام‭ ‬‮«‬أخرج‭ ‬وأخرج‮»‬‭ ‬بمعنى‭ ‬تبادل‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬من‭ ‬الجانبين‭ ‬وهذا‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬فكرة‭ ‬عبر‭ ‬عنها‭ ‬مستشار‭ ‬الرئيس‭ ‬زيلينسكي‭ ‬اختفت‭ ‬بعد‭ ‬أسبوع‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاختراق‭.‬

والحقيقة‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬مخالفة‭ ‬تماما‭ ‬لمنطق‭ ‬الأهداف‭ ‬والتوقعات‭ ‬والمستقبلية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬المغامرة‭ ‬غير‭ ‬منطقية‭ ‬وغير‭ ‬واقعية‭ ‬وغير‭ ‬واقعية‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬محاصرة‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬التي‭ ‬توغلت‭  ‬في‭ ‬كورسك‭ ‬وضربها‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬وسوف‭ ‬ينتهي‭ ‬بها‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬الاستسلام‭ ‬أو‭ ‬الهروب‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬مشاهد‭ ‬للعيان‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬حيث‭ ‬خسرت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬الماضية‭ ‬فقط‭ ‬حوالي‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬قتيل‭ ‬من‭ ‬نخبتها‭ ‬العسكرية‭ ‬وقواتها‭ ‬الخاصة‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬خسائر‭ ‬مادية‭ ‬في‭ ‬المعدات‭ ‬والدبابات‭ ‬والراجمات‭ ‬وبهذا‭ ‬المعنى‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الضائع‭ ‬وأقرب‭ ‬إلى‭ ‬المغامرة‭ ‬المسرحية‭.‬

الجانب‭ ‬الثاني‭: ‬إن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬التوغل‭ ‬الروسي‭ ‬الدائم‭ ‬والمستمر‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الدونباس‭ ‬التي‭ ‬فشلت‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬في‭ ‬حمايته‭ ‬عسكريا‭ ‬وهربت‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬فإنها‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬مخرج‭ ‬ثانوي‭ ‬وهامشي‭ ‬لإثبات‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬كشفت‭ ‬قوة‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬لكنها‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬فشلا‭ ‬ذريعا‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تضطر‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬إلى‭ ‬سحب‭ ‬ولو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬قواتها‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬التكتيك‭ ‬الأوكراني‭ ‬الغربي‭ ‬بتنسيق‭ ‬مع‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬هو‭ ‬تكتيك‭ ‬فاشل‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ورطة‭ ‬أوكرانية‭ ‬جديدة‭ ‬سوف‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬غضب‭ ‬الدب‭ ‬الروسي‭ ‬ومن‭ ‬إصراره‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬إلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬وبهذا‭ ‬المعنى‭ ‬فإن‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬ورطوا‭ ‬أوكرانيا‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬وبالتالي‭ ‬حتمية‭ ‬تكبد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الخسائر‭ ‬والضياع‭ ‬المؤكدين‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا