العدد : ١٦٩٨٠ - الأربعاء ١٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٠ - الأربعاء ١٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المرأة القائدة.. أم المؤمنين خديجة أنموذجا

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ١٥ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

لا‭ ‬نعرف‭ ‬متى‭ ‬اهتمت‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬بمحمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬سمعت‭ ‬به،‭ ‬وماذا‭ ‬سمعت،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬الذي‭ ‬نعرفه‭ ‬أنها‭ ‬سمعت‭ ‬عن‭ ‬أخلاقه‭ ‬العالية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعيشها‭ ‬في‭ ‬معاملاته‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬وفي‭ ‬إدارة‭ ‬أعماله‭ ‬وأعمال‭ ‬عمه‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬التجارية،‭ ‬وربما‭ ‬أوضحت‭ ‬سبب‭ ‬اختيارها‭ ‬له‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ليقوم‭ ‬بالخروج‭ ‬في‭ ‬تجارتها‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬بعض‭ ‬المراجع‭  ‬إنها‭ ‬قالت‭ ‬له‭: ‬‮«‬إنه‭ ‬مما‭ ‬دعاني‭ ‬إلى‭ ‬البعث‭ ‬إليك‭ ‬دون‭ ‬أهل‭ ‬مكة‭ ‬ما‭ ‬بلغني‭ ‬من‭ ‬صدق‭ ‬حديثك‭ ‬وعظيم‭ ‬أمانتك‭ ‬وكرم‭ ‬أخلاقك‮»‬،‭ ‬وتذكر‭ ‬الروايات‭ ‬أن‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬السيدة‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬أعطته‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تعطي‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬التجار،‭ ‬وأرسلت‭ ‬معه‭ ‬غلامها‭ ‬ميسرة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تبدأ‭ ‬الحكاية،‭ ‬ويبدأ‭ ‬بروز‭ ‬إنسانة‭ ‬قائدة‭ ‬استطاعت‭ ‬برباط‭ ‬جأشها‭ ‬وقوة‭ ‬شخصيتها‭ ‬أن‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬بروز‭ ‬فجر‭ ‬جديد‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬مكة‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬الإنسانية‭ ‬جمعاء‭. ‬

القدرة‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬معادن‭ ‬الناس‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرار؛‭ ‬عندما‭ ‬قررت‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬إعطاء‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أفضل‭ ‬مالها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاتجار‭ ‬بها،‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نخمن‭ ‬أنها‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تكتفي‭ ‬بما‭ ‬سمعت‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬حول‭ ‬أخلاقياته‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وإنما‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تتأكد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ومن‭ ‬مصدر‭ ‬موثوق،‭ ‬وهو‭ ‬خادمها‭ ‬ميسرة،‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬التحليل‭ ‬والتفكير‭ ‬والتمحيص،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬معادن‭ ‬البشر‭ ‬وشخصياتهم‭ ‬الحقيقية‭ ‬تظهر‭ ‬أثناء‭ ‬السفر،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬وسائل‭ ‬ترفيه‭ ‬أو‭ ‬وسائل‭ ‬نقل‭ ‬سريعة،‭ ‬وفنادق‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وإنما‭ ‬كانت‭ ‬المساحة‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬يقطعونها‭ ‬بين‭ ‬مكة‭ ‬والشام‭ ‬وبالعكس،‭ ‬والمكوث‭ ‬هناك‭ ‬والقيام‭ ‬بعمليات‭ ‬التجارة‭ ‬تستغرق‭ ‬عدة‭ ‬أشهر،‭ ‬وكانت‭ ‬منازلهم‭ ‬في‭ ‬الترحال‭ ‬هي‭ ‬الخيام،‭ ‬ووسائل‭ ‬نقلهم‭ ‬الإبل‭ ‬والقافلة،‭ ‬وكانت‭ ‬وجباتهم‭ ‬التمر‭ ‬والحليب‭ ‬والقليل‭ ‬من‭ ‬الشعير‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فكانت‭ ‬تلك‭ ‬البيئة‭ ‬هي‭ ‬البيئة‭ ‬المناسبة‭ ‬لدراسة‭ ‬الشخصيات‭ ‬البشرية،‭ ‬فرافق‭ ‬ميسرة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬سفره‭ ‬إلى‭ ‬الشام،‭ ‬كانت‭ ‬مهمته‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬خدمته‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وأن‭ ‬يراقب‭ ‬تصرفاته‭ ‬ومعاملاته،‭ ‬وشخصيته،‭ ‬فكيف‭ ‬ينام‭ ‬وماذا‭ ‬يفعل‭ ‬حين‭ ‬استيقاظه،‭ ‬وكيف‭ ‬يقوم‭ ‬بعملية‭ ‬البيع‭ ‬والشراء،‭ ‬وكيف‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬والتجار‭ ‬والبشر،‭ ‬وكيف‭ ‬يتعامل‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬يمشي‭ ‬عليها‭ ‬ومع‭ ‬الحيوانات‭ ‬والنبات،‭ ‬وكل‭ ‬حركاته‭ ‬وسكناته،‭ ‬وكل‭ ‬سجاياه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬وكان‭ ‬ميسرة‭ ‬أمينًا‭ ‬فنقل‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المعلومات‭ ‬بحرفية‭ ‬وجدارة‭.‬

لذلك‭ ‬قامت‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬باجتياز‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬وهو‭ ‬قرار‭ ‬العمل‭ ‬بأموالها،‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬وهي‭ ‬موضوع‭ ‬الارتباط‭ ‬برسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬اتخذ‭ ‬القرار،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬قامت‭ ‬بتوصيل‭ ‬الفكرة‭ ‬إلى‭ ‬عقل‭ ‬وقلب‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬فتمت‭ ‬عملية‭ ‬الزواج‭ ‬والارتباط‭.‬

القدرة‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬النفس‭ ‬والتحكم‭ ‬بالذات؛‭ ‬حينما‭ ‬أراد‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أن‭ ‬يكرم‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬والبشرية‭ ‬بالنبوة‭ ‬كان‭ ‬إذا‭ ‬خرج‭ ‬لحاجته‭ ‬أبعد‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬بيتًا،‭ ‬ويفضي‭ ‬إلى‭ ‬الشعاب‭ ‬وبطون‭ ‬الأودية،‭ ‬فلا‭ ‬يمر‭ ‬بحجر‭ ‬ولا‭ ‬شجر‭ ‬إلا‭ ‬قال‭: ‬السلام‭ ‬عليك‭ ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬وكان‭ ‬يلتفت‭ ‬عن‭ ‬يمينه‭ ‬وشماله‭ ‬وخلفه‭ ‬فلا‭ ‬يرى‭ ‬أحدًا‭. ‬ويشير‭ ‬طهماز‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬السيدة‭ ‬خديجة‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭) ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬ولا‭ ‬بد‭ ‬أنه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ذكر‭ ‬ذلك‭ ‬للسيدة‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها،‭ ‬فمثل‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬أمور‭ ‬عجيبة‭ ‬خارقة‭ ‬للعادة،‭ ‬تثير‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬من‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬والخوف،‭ ‬ويصبح‭ ‬محتاجًا‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬يثق‭ ‬به،‭ ‬يبثه‭ ‬ما‭ ‬يجده،‭ ‬ويحدثه‭ ‬بما‭ ‬يساوره‭ ‬من‭ ‬خوف‭ ‬وقلق،‭ ‬والسيدة‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬أقرب‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬روحًا‭ ‬وجسدًا،‭ ‬فهي‭ ‬أهله‭ ‬وسكنه‭ ‬وأنس‭ ‬روحه‭ ‬ونفسه‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭. ‬وعن‭ ‬ابن‭ ‬عباس‭ ‬أن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قال‭ ‬لخديجة‭: ‬‮«‬إني‭ ‬أرى‭ ‬ضوءًا‭ ‬وأسمع‭ ‬صوتًا،‭ ‬وأنا‭ ‬أخشى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بي‭ ‬جنن‮»‬،‭ ‬قالت‭: ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الله‭ ‬ليفعل‭ ‬ذلك‭ ‬بك‭ ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬عبد‭ ‬الله،‭ ‬ثم‭ ‬أتت‭ ‬ورقة‭ ‬بن‭ ‬نوفل‭ ‬فذكرت‭ ‬ذلك‭ ‬له‭ ‬فقال‭: ‬إن‭ ‬يكن‭ ‬صادقًا‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬ناموس‭ ‬مثل‭ ‬ناموس‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وإن‭ ‬بعث‭ ‬وأنا‭ ‬حي‭ ‬فسأعزره‭ ‬وأنصره‭ ‬وأومن‭ ‬به‮»‬‭. ‬رواه‭ ‬أحمد‭ ‬متصلاً‭ ‬ومرسلاً،‭ ‬والطبراني‭ ‬بنحوه‭ ‬وزاد‭: ‬وأعينه‭. ‬ورجال‭ ‬أحمد‭ ‬رجال‭ ‬الصحيح‭.‬

استمر‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنوال،‭ ‬ورسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يسمع‭ ‬ويرى‭ ‬الأمور‭ ‬الغريبة‭ ‬والخارقة‭ ‬للعادة‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬يسمع‭ ‬عنها‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وهي‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬كانت‭ ‬عونًا‭ ‬وعضدًا‭ ‬ومثبتًا‭ ‬له،‭ ‬حتى‭ ‬نزل‭ ‬أمين‭ ‬الملائكة‭ ‬جبريل‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬على‭ ‬أمين‭ ‬الأرض‭ ‬محمد‭ ‬نبي‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬والبشرية‭ ‬جمعاء‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭.‬

نزل‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬تروي‭ ‬كتب‭ ‬السيرة‭ ‬النبوية‭ ‬‭ ‬من‭ ‬الغار‭ ‬وهو‭ ‬يرتجف‭ ‬فزعًا‭ ‬فدخل‭ ‬على‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬زملوني‭.. ‬زملوني‮»‬‭ ‬أي‭ ‬دثروني‭ ‬وغطوني،‭ ‬فزمّلته‭ ‬وغطته،‭ ‬حتى‭ ‬ذهب‭ ‬عنه‭ ‬الروع،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬أن‭ ‬يقص‭ ‬عليها‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حدث،‭ ‬فأخبرها‭ ‬الخبر،‭ ‬وقال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬لقد‭ ‬خشيت‭ ‬على‭ ‬نفسي،‭ ‬قالت‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭: ‬‮«‬كلا‭ ‬والله‭ ‬لا‭ ‬يخزيك‭ ‬الله‭ ‬أبدًا،‭ ‬إنك‭ ‬لتصل‭ ‬الرحم‭ ‬وتحمل‭ ‬الكل،‭ ‬وتكسب‭ ‬المعدوم،‭ ‬وتقري‭ ‬الضعيف،‭ ‬وتعين‭ ‬على‭ ‬نوائب‭ ‬الدهر‮»‬‭.‬

ولم‭ ‬تكتف‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬تبث‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬الطمأنينة،‭ ‬ولكنها‭ ‬انطلقت‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬به‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬إلى‭ ‬ابن‭ ‬عمها‭ ‬ورقة‭ ‬بن‭ ‬نوفل‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬فقالت‭ ‬له‭: ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬عم‭ ‬اسمع‭ ‬من‭ ‬ابن‭ ‬أخيك،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬ورقة‭: ‬ماذا‭ ‬ترى؟‭ ‬فأخبره‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بكل‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬جرت،‭ ‬عندئذ‭ ‬أضيئت‭ ‬البشرية‭ ‬بنور‭ ‬الإسلام‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬عبادة‭ ‬الأوثان‭ ‬أيًا‭ ‬كان‭ ‬نوعها‭ ‬إلى‭ ‬عبادة‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬وحده،‭ ‬فدخلت‭ ‬البشرية‭ ‬العهد‭ ‬العقلاني‭ ‬الجديد،‭ ‬عهد‭ ‬توحيد‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬والإيمان‭ ‬به،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬آمنت‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها،‭ ‬فكانت‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬الخلق‭ ‬‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬منازع‭ ‬‭ ‬يؤمن‭ ‬بالله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬ورسوله‭ ‬وبصدق‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭.‬

ويجب‭ ‬الملاحظة‭ ‬والتركيز‭ ‬هنا‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬منذ‭ ‬الإرهاصات‭ ‬الأولى‭ ‬لنزول‭ ‬الوحي،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فلم‭ ‬تشكّ‭ ‬فيه‭ ‬وفيما‭ ‬يقول‭ ‬ولو‭ ‬للحظة‭ ‬واحدة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تثبته‭ ‬وتصدقه‭ ‬وتناصره‭ ‬وتخفف‭ ‬عنه‭ ‬كلما‭ ‬عاد‭ ‬إليها‭ ‬فزعًا‭ ‬مرعوبًا،‭ ‬وكانت‭ ‬حريصة‭ ‬كل‭ ‬الحرص‭ ‬ألا‭ ‬يسمع‭ ‬ما‭ ‬يكره‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الكلمات‭ ‬صغيرة‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يظنها‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬تساوي‭ ‬ما‭ ‬قيل‭.‬

هكذا‭ ‬وبكل‭ ‬اقتدار،‭ ‬تمكنت‭ ‬هذه‭ ‬الزوجة‭ ‬الوفية‭ ‬المحبة‭ ‬وهذه‭ ‬المرأة‭ ‬القائدة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المجتمع‭ ‬الجاهلي‭ ‬أن‭ ‬تتدخل‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬أكبر‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬مجرى‭ ‬التاريخ‭.‬

قدرتها‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬بيت‭ ‬الزوجية؛‭ ‬نكاد‭ ‬نجزم‭ ‬أن‭ ‬بيت‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬الصخب‭ ‬واللعب‭ ‬والصراخ‭ ‬وشقاوة‭ ‬الأطفال‭ ‬ومرحهم‭ ‬وضحكاتهم،‭ ‬ونكاد‭ ‬نجزم‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المشاكل‭ ‬وبعض‭ ‬المنغصات‭ ‬أيضًا،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الزوج‭ ‬والأب‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬الحنون‭ ‬العظيم‭ ‬وتلك‭ ‬الزوجة‭ ‬والأم‭ ‬الطاهرة‭ ‬سيدة‭ ‬نساء‭ ‬قريش‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬استطاعا‭ ‬أن‭ ‬يتجاوزا‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المنغصات‭ ‬مهما‭ ‬كانت،‭ ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬والسير‭ ‬أن‭ ‬تذكر‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكدر‭ ‬عش‭ ‬الزوجية‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬كبيرة‭ ‬أو‭ ‬صغيرة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬عاشاها‭ ‬معًا‭ ‬بلغت‭ ‬حوالي‭ ‬خمس‭ ‬وعشرين‭ ‬سنة‭ ‬بحلوها‭ ‬ومرها،‭ ‬فهل‭ ‬نعتقد‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬توجد‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬أو‭ ‬المنغصات؟

ولله‭ ‬در‭ ‬خديجة‭ ‬بنت‭ ‬خويلد‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها،‭ ‬قد‭ ‬انصرفت‭ ‬تمامًا‭ ‬لإدارة‭ ‬بيتها‭ ‬والقيام‭ ‬بأعباء‭ ‬المنزل‭ ‬على‭ ‬كثرتها‭ ‬وإرهاقها،‭ ‬وهي‭ ‬جدّ‭ ‬سعيدة‭ ‬بذلك،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬بذلك‭ ‬بكل‭ ‬حب‭ ‬وإخلاص‭ ‬وتفان،‭ ‬وربما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تكنس‭ ‬وتغسل‭ ‬ولكنها‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬بأعظم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فهي‭ ‬تربي‭ ‬العيال‭ ‬وتدير‭ ‬المنزل‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬ومن‭ ‬فيه،‭ ‬وتقوم‭ ‬برعايتهم‭ ‬وتلبي‭ ‬احتياجاتهم،‭ ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬تتولى‭ ‬بنفسها‭ ‬خدمة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ولا‭ ‬تكلف‭ ‬أحدًا‭ ‬بذلك‭. ‬يقول‭ ‬ابن‭ ‬حجر‭: ‬كانت‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬رضاه‭ ‬بكل‭ ‬ممكن،‭ ‬ولم‭ ‬يصدر‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يغضبه‭ ‬قط‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬لغيرها‭. ‬ويروي‭ ‬في‭ ‬البخاري‭ ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أن‭ ‬جبريل‭ ‬أتى‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬هذه‭ ‬خديجة‭ ‬قد‭ ‬أتت،‭ ‬معها‭ ‬إناء‭ ‬فيه‭ ‬إدام‭ ‬أو‭ ‬طعام‭ ‬أو‭ ‬شراب،‭ ‬فإذا‭ ‬هي‭ ‬أتتك‭ ‬فاقرأ‭ ‬عليها‭ ‬السلام‭ ‬من‭ ‬ربها‭ ‬ومنّي،‭ ‬وبشرها‭ ‬ببيت‭ ‬في‭ ‬الجنة‭ ‬من‭ ‬قصب،‭ ‬لا‭ ‬صخب‭ ‬فيه‭ ‬ولا‭ ‬نصب‮»‬‭. ‬والشاهد‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬بنفسها‭ ‬تحضر‭ ‬له‭ ‬الطعام‭ ‬وتأتي‭ ‬به‭ ‬إليه‭ ‬وتقدمه‭ ‬له‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬حريصة‭ ‬كل‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬أن‭ ‬ترسل‭ ‬أحد‭ ‬خدمها‭ ‬للقيام‭ ‬بذلك،‭ ‬ولكنها‭ ‬الزوجة‭ ‬المخلصة‭.‬

تلك‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها،‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬زوجة‭ ‬وقائدة‭ ‬ومفكرة‭ ‬وعظيمة‭.‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا