العدد : ١٦٩٨١ - الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨١ - الخميس ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

وقفة أخيرة في محطة العربية

رغم‭ ‬أنني‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬المستعربة،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬أحس‭ ‬بالسعادة‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬أعانني‭ ‬على‭ ‬امتلاك‭ ‬ولو‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬ناصية‭ ‬العربية،‭ ‬فقد‭ ‬بذلت‭ ‬ومازلت‭ ‬أبذل‭ ‬كل‭ ‬جهد‭ ‬ممكن‭ ‬للارتقاء‭ ‬بلساني‭ ‬عربياً،‭ ‬فقد‭ ‬أتى‭ ‬عليّ‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬كنت‭ ‬فيه‭ ‬أرفع‭ ‬يدي‭ ‬في‭ ‬حجرة‭ ‬الدراسة،‭ ‬لأقول‭ ‬لمدرسي‭ ‬أبو‭ ‬شنب‭ ‬معقوف‭: ‬‮«‬ممكن‭ ‬تشرحي‭ ‬الكلام‭ ‬دي‭ ‬تاني‭ ‬يا‭ ‬شيخة‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬يحاول‭ ‬بعضنا‭ ‬مجاراة‭ ‬عيال‭ ‬الخرطوم‭ ‬فنقول‭ ‬عندما‭ ‬نرى‭ ‬فتاة‭ ‬جميلة‭: ‬‮«‬يا‭ ‬هلو‭ (‬حلو‭) ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬شطة‮»‬‭.‬

على‭ ‬كل‭ ‬أحسب‭ ‬أن‭ ‬لي‭ ‬تجربة‭ ‬جديرة‭ ‬بالتوثيق‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬لأنني‭ ‬مستفرق‭ ‬بحكم‭ ‬أنني‭ ‬نوبي‭/ ‬إفريقي‭ (‬على‭ ‬وزن‭ ‬مستشرق‭)‬،‭ ‬فطوال‭ ‬مراحل‭ ‬الدراسة‭ ‬كانت‭ ‬دروس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬الأثقل‭ ‬على‭ ‬نفسي،‭ ‬فقد‭ ‬بدت‭ ‬لي‭ ‬دروس‭ ‬قواعد‭ ‬النحو‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬طلاسم‭ ‬السحر‭ ‬الأسود،‭ ‬وبما‭ ‬أنني‭ ‬تلقيت‭ ‬تعليمي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬الضرب‭ ‬ينفعهم‭ ‬والعلم‭ ‬يرفعهم‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬نلت‭ ‬حظا‭ ‬غير‭ ‬طيب‭ ‬من‭ ‬الضرب‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬استيعابي‭ ‬لدروس‭ ‬النحو،‭ ‬وإلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬أردد‭ ‬كلما‭ ‬استشكل‭ ‬عليّ‭ ‬أمر‭ ‬نحوي‭: ‬تفكَّرت‭ ‬في‭ ‬النحو‭ ‬حتى‭ ‬مللت‭ / ‬وأتعبت‭ ‬نفسي‭ ‬به‭ ‬والبدن‭.‬

مع‭ ‬تقدم‭ ‬مسيرتي‭ ‬التعليمية‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬بيئة‭ ‬حضرية‭ ‬ناطقة‭ ‬بالعربية،‭ ‬ساعدتني‭ ‬على‭ ‬إتقان‭ ‬المخاطبة‭ ‬بالعربية‭ ‬العامية‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬وفي‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬انتبهت‭ ‬إلى‭ ‬أنني‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬درجات‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬مادة‭ ‬التعبير‭/ ‬الإنشاء،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬إلمامي‭ ‬بقواعد‭ ‬النحو‭ ‬اقتصر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬مستتر‭ ‬من‭ ‬فاعل‭ ‬ومفعول‭ ‬به‭ ‬ومبتدأ‭ ‬وخبر؛‭ ‬وجار‭ ‬ومجرور،‭ ‬ولاحقا‭ ‬صقلت‭ ‬لساني‭ ‬العربي‭ ‬بالشعر،‭ ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬صقلا‭ ‬يدعو‭ ‬الى‭ ‬التباهي،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬ألْحَنُ‭ ‬كثيرا‭ ‬عند‭ ‬قراءة‭ ‬نصوص‭ ‬عربية‭ ‬بصوت‭ ‬مسموع،‭ ‬وفاقم‭ ‬تلك‭ ‬المشكلة‭ ‬عندي‭ ‬البون‭ ‬الشاسع‭ ‬بين‭ ‬الفصحى‭ ‬والدارجة،‭ ‬فكما‭ ‬جميع‭ ‬الناطقين‭ ‬بالعربية‭ ‬كانت‭ ‬إجادتي‭ ‬للغة‭ ‬العامية‭ ‬تسبق‭ ‬إلمامي‭ ‬بالفصحى‭ ‬بأميال‭ ‬كثيرة،‭ ‬ولكن‭ ‬بمواصلة‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬كتب‭ ‬كثيرة‭ ‬كُتِبَت‭ ‬بعربية‭ ‬فصحى‭ ‬جميلة‭ ‬وسلسة‭ ‬وسهلة،‭ ‬أحسست‭ ‬بأن‭ ‬لساني‭ ‬تعرَّب‭ ‬بدرجة‭ ‬يصعب‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬آل‭ ‬قحطان‭ ‬وعدنان‭ ‬اكتشاف‭ ‬‮«‬أعجميتي‮»‬‭.‬

ومازلت‭ ‬ضعيف‭ ‬الإلمام‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬النحو،‭ ‬ولكنني‭ ‬لا‭ ‬أحس‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬يسبب‭ ‬لي‭ ‬قعودا‭ ‬لغويا،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬كثير‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬المفعول‭ ‬المطلق‭ ‬والمفعول‭ ‬لأجله‭ ‬ومعه،‭ ‬ولكنني‭ ‬أحسب‭ ‬أنه‭ ‬صارت‭ ‬لي‭ ‬حاسة‭ ‬سادسة‭ ‬تجعلني‭ ‬أحس‭ ‬بالخطأ‭ ‬والصواب‭ ‬اللغوي،‭ ‬ولن‭ ‬أنسى‭ ‬حيرتي‭ ‬عندما‭ ‬زجرني‭ ‬معلم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬عندما‭ ‬قرأت‭ ‬نصا‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬حدث‭ ‬كذا‭ ‬وكذا‭ ‬في‭ ‬بيتِ‭ ‬لحم‮»‬،‭ ‬وكسرت‭ ‬التاء‭ ‬في‭ ‬‮«‬بيت‮»‬‭ ‬لأنها‭ ‬مسبوقة‭ ‬بحرف‭ ‬جر،‭ ‬قائلا‭ ‬إن‭ ‬بيت‭ ‬لحم‭ ‬ممنوعة‭ ‬من‭ ‬الصرف،‭ ‬ومنذ‭ ‬يومها‭ ‬وأنا‭ ‬أجاهد‭ ‬كي‭ ‬أفهم‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬اللغة‭ ‬عن‭ ‬الممنوع‭ ‬من‭ ‬الصرف‭: ‬اسم‭ ‬معرب‭ ‬لا‭ ‬يدخله‭ ‬تنوين‭ ‬التمكين،‭ ‬ويجر‭ ‬بالفتحة‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬الكسرة‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬مضافا‭ ‬أو‭ ‬دخلته‭ ‬أل‭ ‬التعريف‭ ‬فإنه‭ ‬يجر‭ ‬بالكسرة‭. ‬ثم‭ ‬تأتي‭ ‬قائمة‭ ‬الأسماء‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬من‭ ‬الصرف‭: ‬الأسماء‭ ‬التي‭ ‬تحوي‭ ‬ألف‭ ‬التأنيث‭ ‬الممدودة‭ ‬أو‭ ‬المقصورة‭ ‬مثل‭ ‬ليلى،‭ ‬شقراء‭. ‬والاسم‭ ‬الذي‭ ‬على‭ ‬صيغة‭ ‬منتهى‭ ‬الجموع‭ ‬أي‭ ‬كل‭ ‬جمع‭ ‬تكسير‭ ‬بعد‭ ‬ألف‭ ‬تكسيره‭ ‬حرفان‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭ ‬أحرف‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الحرف‭ ‬الأوسط‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬ساكنا‭. ‬وتكون‭ ‬على‭ ‬وزن‭ (‬مفاعل،‭ ‬مفاعيل،‭ ‬فواعل‭) ‬مثل‭: ‬مساجد،‭ ‬مجاميع،‭ ‬سواعد،‭ ‬والعلم‭ ‬المركب‭ ‬تركيبا‭ ‬مزجيا‭ ‬مثل‭ ‬حضرموت،‭ ‬بعلبك‭. ‬يا‭ ‬مثبت‭ ‬العقول‭ ‬يا‭ ‬الله‭.‬

الله‭ ‬يعطي‭ ‬العافية‭ ‬لمن‭ ‬اجتهدوا‭ ‬وصاغوا‭ ‬قواعد‭ ‬اللغة،‭ ‬فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬استيعاب‭ ‬وصياغة‭ ‬تلك‭ ‬القواعد‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬عليه‭ ‬إلا‭ ‬عقل‭ ‬ثاقب‭ ‬ومتوقد،‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬تذكرنا‭ ‬ان‭ ‬تلخيص‭ ‬تلك‭ ‬القواعد‭ ‬ليسهل‭ ‬فهمها‭ ‬تطلُب‭ ‬ألف‭ ‬بيت‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬من‭ ‬ابن‭ ‬مالك،‭ ‬لا‭ ‬حيلة‭ ‬لنا‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬نناشد‭ ‬واضعي‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الناطقة‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬يرحموا‭ ‬عيالنا‭ ‬بعدم‭ ‬حشو‭ ‬المقررات‭ ‬المدرسية‭ ‬بقواعد‭ ‬نحوية‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬فقط‭ ‬لأهل‭ ‬‮«‬التخصص‮«‬‭.‬

ولا‭ ‬آتي‭ ‬بجديد‭ ‬عندما‭ ‬أدعو‭ ‬الى‭ ‬تبسيط‭ ‬مناهج‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬المدرسية،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الزمان‭ ‬من‭ ‬يدعون‭ ‬إلى‭ ‬ذلك؛‭ ‬بعضهم‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬كره‭ ‬قواعد‭ ‬النحو،‭ ‬ومنهم‭ ‬عمار‭ ‬الكلبي‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عابوا‭ ‬عليه‭ ‬خطأً‭ ‬نحويا‭:‬

ماذا‭ ‬لقينا‭ ‬من‭ ‬المستعربيـــن‭ ‬ومن‭ ‬‭*‬‭ ‬قياس‭ ‬نحـــــــــوهم‭ ‬الذي‭ ‬ابتدعوا‭ ‬

إن‭ ‬قلت‭ ‬قافية‭ ‬بكرا‭ ‬يكـــــــون‭ ‬بها‭ ‬‭*‬‭ ‬بيت‭ ‬خلاف‭ ‬الذي‭ ‬قاسوه‭ ‬أو‭ ‬ذرعوا‭ ‬

قالوا‭ ‬لحنت‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬منتصـــــبا‭ ‬‭*‬‭ ‬وذاك‭ ‬خفض‭ ‬وهـــذا‭ ‬ليس‭ ‬يرتفع‭ ‬

كم‭ ‬بين‭ ‬قوم‭ ‬قد‭ ‬احتالوا‭ ‬بمنطـــقهم‭ ‬‭*‬‭ ‬وبين‭ ‬قوم‭ ‬على‭ ‬إعرابهـــم‭ ‬طبعـوا‭ ‬

ما‭ ‬كل‭ ‬قولي‭ ‬مشروحا‭ ‬لكم‭ ‬فخـذوا‭ ‬‭*‬‭ ‬ما‭ ‬تعرفون‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬تعرفوا‭ ‬فدعـوا

ليت‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أكثر‭ ‬مني‭ ‬اقتدارا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬اللغة‭ ‬يعنون‭ ‬بأمر‭ ‬تبسيط‭ ‬العربية‭ ‬وتحريرها‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬المنبطحين‭ ‬على‭ ‬النصوص‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬‮»‬قُل‭ ‬ولا‭ ‬تقل‮«‬،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التضحية‭ ‬بقوانينها‭ ‬الأساسية،‭ ‬ليسهل‭ ‬استيعابها،‭ ‬فلا‭ ‬‮»‬يستعر‮«‬‭ ‬عيالنا‭ ‬منها،‭ ‬ويستعيرون‭ ‬مفردات‭ ‬إفرنجية‭ ‬لتزويق‭ ‬الكلام‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا