زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
أدافع مجددا عن اللغة العربية
مازلت واقفا في محطة اللغة العربية منافحا عنها، وداعيا إلى تحسين وسائل تدريسها للناشئة، مع إدراك أن تحصيل عيالنا منها مخجل ومؤسف ويكسف، (سأطالب، ربما للمرة العاشرة بترقية بعض الكلمات العامية إلى الفصحى، بعد أن أصبحت متداولة في كافة البلدان الناطقة بالعربية، كما يفعل أصحاب قاموس أكسفورد سنويا، ومن بين تلك الكلمات «يكسف» و«يبهدل» و«يشرشح» و«يصيع» ومشتقاتها). ويعزى ضعف الحصيلة ذاك إلى بؤس مناهج تدريس العربية.
تحتم طبيعة عملي النظر في أوراق الباحثين عن عمل في المجال الذي أعمل به حاليا (التلفزيون)، واللغة هي العنصر الأساسي في الإعلام، تليها مرتبة الصورة وغيرها من الأدوات، وقل لي ماذا تفعل عندما يأتيك طلب توظيف من واحدة اسمها هدى أو ندى وتكون قد كتبت اسمها «هدي»/ «ندي»، أو من مصطفي (وهو مصطفى) أو يكتب شخص ما أنه يبحث عن وظيفتن. يعني «وظيفةٍ» (قال نائب في البرلمان السوداني إن تلميذا في مدرسة سئل عن العشرة المبشرين بالجنة فذكر الرسول عليه السلام ثم أبا لهب). أجيال كاملة لا تميز بين الياء والألف المقصورة، ولا التاء المربوطة والمفتوحة، أما الهمزات فـ«خلّيها على الله». أستاذ جامعي في الهندسة استنكر أنني كتبت «أبو ظبي» بالظاء، وليس بالضاد، وفشلت في إقناعه بأن طريقة نطقه للحرفين لا تمثل «مرجعية» لغوية.
لا أعرف الكثير عن الطرق المثلى لتدريس اللغة العربية، ولكنني حصلت على تدريبات مكثفة لتدريس الانجليزية، وفي تقديري فإن طرق التدريس في معظم الدول وفي كل المواد متداخلة وبينها قواسم مشتركة، وقبل أكثر من 45 سنة توصل معلمو اللغة الانجليزية إلى ضرورة إلغاء مادة القواعد/ النحو كمادة أو حصة مستقلة ومنفصلة، وهكذا، في معظم أنحاء العالم بما في ذلك العالم العربي يتم إعطاء الطالب جرعات خفيفة من قواعد اللغة الإنجليزية، في سياق قراءة وفهم نصوص مكتوبة أو مسموعة، بمعنى أن يتم استنباط القاعدة والشواهد عليها من نص، وإذا ظلت مناهج اللغة العربية عندنا جافة ومملّة كحالها الراهن، فإن اللغة الفصحى ستصبح عما قريب «تخصصا» لنخبة النخبة، والنخب في جميع المجتمعات أقلية هزيلة العدد، ويزيد الأمر ضغثا على أبالة (وهذه العبارة ليست بالأوردو، وتعني أن الأمر تحول من سيئ إلى أزفت) أن التلفزيون وهو أكثر أدوات الإعلام رواجا، لأنه يشدّ الأميين والمتعلمين، وقع تحت سطوة مجاميع من الأميين لغويا ومعرفيا، فهدموا كل ما بناه الصحفيون العرب الرواد -في الصحافة المكتوبة والإذاعات خاصة- على مدى نصف قرن عندما نجحوا في استنباط لغة فصيحة وبسيطة لا تنطّع فيها ولا تقعُّر.
وكشخص أمضى معظم سنوات عمره في مجال الصحافة/ الإعلام، أعرف كيف يثق العوام بمعظم ما يأتيهم عبر وسائل الإعلام، وفي المرحلة التي كنت أسعى خلالها لتحسين إلمامي باللغة العربية، كنت ألجأ إلى إذاعة بي بي سي (هنا لندن) للتأكد من صحة نطق واستخدام بعض المفردات، وخلال سنواتها الأخيرة وقبل أن تقضي نحبها، فإن تلك الإذاعة، وإن كانت أفضل من غيرها من حيث المحتوى، كانت تفتك باللغة العربية آناء الليل وأطراف النهار، حتى صرت أحسب أن ضعف التحصيل اللغوي بات شرطا للحصول على وظيفة فيها، وإذا كان هذا حال أداة إعلامية ذات خبرة وإرث تراكمي ضخم، فما بالك بإذاعات وتلفزيونات سلق البيض التي تسلل إليها جهلة عصاميون كل رأسمالهم وسامة مصطنعة ويقدمون برامجهم بلغة المقاهي والأرصفة، وبالمناسبة فإن كثيرين يعرفون أنه حتى نظام التصحيح في الكمبيوترات يتسم بالغباء عند معالجة النصوص العربية، فيضع لك خطوطا حمراء تحت كلمات مكتوبة بطريقة صحيحة، في حين أن النظام الخاص باللغة الإنجليزية لا يصحح الخطأ الإملائي فحسب بل النحوي أيضا، وما ذلك إلا لأن من أعدّوا نظام التصحيح العربي كانوا قليلي الزاد والعتاد اللغوي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك