العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

أدافع مجددا عن اللغة العربية

مازلت‭ ‬واقفا‭ ‬في‭ ‬محطة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬منافحا‭ ‬عنها،‭ ‬وداعيا‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬وسائل‭ ‬تدريسها‭ ‬للناشئة،‭ ‬مع‭ ‬إدراك‭ ‬أن‭ ‬تحصيل‭ ‬عيالنا‭ ‬منها‭ ‬مخجل‭ ‬ومؤسف‭ ‬ويكسف،‭ (‬سأطالب،‭ ‬ربما‭ ‬للمرة‭ ‬العاشرة‭ ‬بترقية‭ ‬بعض‭ ‬الكلمات‭ ‬العامية‭ ‬إلى‭ ‬الفصحى،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬متداولة‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬البلدان‭ ‬الناطقة‭ ‬بالعربية،‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬أصحاب‭ ‬قاموس‭ ‬أكسفورد‭ ‬سنويا،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الكلمات‭ ‬‮«‬يكسف‮»‬‭ ‬و‮«‬يبهدل‮»‬‭ ‬و‮«‬يشرشح‮»‬‭ ‬و‮«‬يصيع‮»‬‭ ‬ومشتقاتها‭). ‬ويعزى‭ ‬ضعف‭ ‬الحصيلة‭ ‬ذاك‭ ‬إلى‭ ‬بؤس‭ ‬مناهج‭ ‬تدريس‭ ‬العربية‭. ‬

تحتم‭ ‬طبيعة‭ ‬عملي‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬أوراق‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الذي‭ ‬أعمل‭ ‬به‭ ‬حاليا‭ (‬التلفزيون‭)‬،‭ ‬واللغة‭ ‬هي‭ ‬العنصر‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬الإعلام،‭ ‬تليها‭ ‬مرتبة‭ ‬الصورة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأدوات،‭ ‬وقل‭ ‬لي‭ ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬عندما‭ ‬يأتيك‭ ‬طلب‭ ‬توظيف‭ ‬من‭ ‬واحدة‭ ‬اسمها‭ ‬هدى‭ ‬أو‭ ‬ندى‭ ‬وتكون‭ ‬قد‭ ‬كتبت‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬هدي‮»‬‭/ ‬‮«‬ندي‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬مصطفي‭ (‬وهو‭ ‬مصطفى‭) ‬أو‭ ‬يكتب‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬أنه‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬وظيفتن‭. ‬يعني‭ ‬‮«‬وظيفةٍ‮»‬‭ (‬قال‭ ‬نائب‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬السوداني‭ ‬إن‭ ‬تلميذا‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬سئل‭ ‬عن‭ ‬العشرة‭ ‬المبشرين‭ ‬بالجنة‭ ‬فذكر‭ ‬الرسول‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬ثم‭ ‬أبا‭ ‬لهب‭). ‬أجيال‭ ‬كاملة‭ ‬لا‭ ‬تميز‭ ‬بين‭ ‬الياء‭ ‬والألف‭ ‬المقصورة،‭ ‬ولا‭ ‬التاء‭ ‬المربوطة‭ ‬والمفتوحة،‭ ‬أما‭ ‬الهمزات‭ ‬فـ«خلّيها‭ ‬على‭ ‬الله‮»‬‭. ‬أستاذ‭ ‬جامعي‭ ‬في‭ ‬الهندسة‭ ‬استنكر‭ ‬أنني‭ ‬كتبت‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬ظبي‮»‬‭ ‬بالظاء،‭ ‬وليس‭ ‬بالضاد،‭ ‬وفشلت‭ ‬في‭ ‬إقناعه‭ ‬بأن‭ ‬طريقة‭ ‬نطقه‭ ‬للحرفين‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬‮«‬مرجعية‮»‬‭ ‬لغوية‭.‬

لا‭ ‬أعرف‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬الطرق‭ ‬المثلى‭ ‬لتدريس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ولكنني‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬تدريبات‭ ‬مكثفة‭ ‬لتدريس‭ ‬الانجليزية،‭ ‬وفي‭ ‬تقديري‭ ‬فإن‭ ‬طرق‭ ‬التدريس‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬المواد‭ ‬متداخلة‭ ‬وبينها‭ ‬قواسم‭ ‬مشتركة،‭ ‬وقبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬45‭ ‬سنة‭ ‬توصل‭ ‬معلمو‭ ‬اللغة‭ ‬الانجليزية‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬إلغاء‭ ‬مادة‭ ‬القواعد‭/ ‬النحو‭ ‬كمادة‭ ‬أو‭ ‬حصة‭ ‬مستقلة‭ ‬ومنفصلة،‭ ‬وهكذا،‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يتم‭ ‬إعطاء‭ ‬الطالب‭ ‬جرعات‭ ‬خفيفة‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬قراءة‭ ‬وفهم‭ ‬نصوص‭ ‬مكتوبة‭ ‬أو‭ ‬مسموعة،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬استنباط‭ ‬القاعدة‭ ‬والشواهد‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬نص،‭ ‬وإذا‭ ‬ظلت‭ ‬مناهج‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬عندنا‭ ‬جافة‭ ‬ومملّة‭ ‬كحالها‭ ‬الراهن،‭ ‬فإن‭ ‬اللغة‭ ‬الفصحى‭ ‬ستصبح‭ ‬عما‭ ‬قريب‭ ‬‮«‬تخصصا‮»‬‭ ‬لنخبة‭ ‬النخبة،‭ ‬والنخب‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجتمعات‭ ‬أقلية‭ ‬هزيلة‭ ‬العدد،‭ ‬ويزيد‭ ‬الأمر‭ ‬ضغثا‭ ‬على‭ ‬أبالة‭ (‬وهذه‭ ‬العبارة‭ ‬ليست‭ ‬بالأوردو،‭ ‬وتعني‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬تحول‭ ‬من‭ ‬سيئ‭ ‬إلى‭ ‬أزفت‭) ‬أن‭ ‬التلفزيون‭ ‬وهو‭ ‬أكثر‭ ‬أدوات‭ ‬الإعلام‭ ‬رواجا،‭ ‬لأنه‭ ‬يشدّ‭ ‬الأميين‭ ‬والمتعلمين،‭ ‬وقع‭ ‬تحت‭ ‬سطوة‭ ‬مجاميع‭ ‬من‭ ‬الأميين‭ ‬لغويا‭ ‬ومعرفيا،‭ ‬فهدموا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬بناه‭ ‬الصحفيون‭ ‬العرب‭ ‬الرواد‭ -‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬المكتوبة‭ ‬والإذاعات‭ ‬خاصة‭- ‬على‭ ‬مدى‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬عندما‭ ‬نجحوا‭ ‬في‭ ‬استنباط‭ ‬لغة‭ ‬فصيحة‭ ‬وبسيطة‭ ‬لا‭ ‬تنطّع‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬تقعُّر‭.‬

وكشخص‭ ‬أمضى‭ ‬معظم‭ ‬سنوات‭ ‬عمره‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحافة‭/ ‬الإعلام،‭ ‬أعرف‭ ‬كيف‭ ‬يثق‭ ‬العوام‭ ‬بمعظم‭ ‬ما‭ ‬يأتيهم‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬وفي‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أسعى‭ ‬خلالها‭ ‬لتحسين‭ ‬إلمامي‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬كنت‭ ‬ألجأ‭ ‬إلى‭ ‬إذاعة‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ (‬هنا‭ ‬لندن‭) ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬نطق‭ ‬واستخدام‭ ‬بعض‭ ‬المفردات،‭ ‬وخلال‭ ‬سنواتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تقضي‭ ‬نحبها،‭ ‬فإن‭ ‬تلك‭ ‬الإذاعة،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المحتوى،‭ ‬كانت‭ ‬تفتك‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬آناء‭ ‬الليل‭ ‬وأطراف‭ ‬النهار،‭ ‬حتى‭ ‬صرت‭ ‬أحسب‭ ‬أن‭ ‬ضعف‭ ‬التحصيل‭ ‬اللغوي‭ ‬بات‭ ‬شرطا‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬فيها،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬حال‭ ‬أداة‭ ‬إعلامية‭ ‬ذات‭ ‬خبرة‭ ‬وإرث‭ ‬تراكمي‭ ‬ضخم،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬بإذاعات‭ ‬وتلفزيونات‭ ‬سلق‭ ‬البيض‭ ‬التي‭ ‬تسلل‭ ‬إليها‭ ‬جهلة‭ ‬عصاميون‭ ‬كل‭ ‬رأسمالهم‭ ‬وسامة‭ ‬مصطنعة‭ ‬ويقدمون‭ ‬برامجهم‭ ‬بلغة‭ ‬المقاهي‭ ‬والأرصفة،‭ ‬وبالمناسبة‭ ‬فإن‭ ‬كثيرين‭ ‬يعرفون‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬نظام‭ ‬التصحيح‭ ‬في‭ ‬الكمبيوترات‭ ‬يتسم‭ ‬بالغباء‭ ‬عند‭ ‬معالجة‭ ‬النصوص‭ ‬العربية،‭ ‬فيضع‭ ‬لك‭ ‬خطوطا‭ ‬حمراء‭ ‬تحت‭ ‬كلمات‭ ‬مكتوبة‭ ‬بطريقة‭ ‬صحيحة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الخاص‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬لا‭ ‬يصحح‭ ‬الخطأ‭ ‬الإملائي‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬النحوي‭ ‬أيضا،‭ ‬وما‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬أعدّوا‭ ‬نظام‭ ‬التصحيح‭ ‬العربي‭ ‬كانوا‭ ‬قليلي‭ ‬الزاد‭ ‬والعتاد‭ ‬اللغوي‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا