العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لورنس العرب وثورة في الصحراء

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬تقرير‭ ‬سري‭ ‬رفعه‭ ‬لورنس‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬المخابرات‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬1916‭ ‬بعنوان‭ (‬سياسات‭ ‬مكة‭)‬،‭ ‬الأهداف‭ ‬الرئيسية‭ ‬لبريطانيا،‭ ‬وللغرب‭ ‬عامة‭: ‬‮«‬أهدافنا‭ ‬الرئيسية؛‭ ‬تفتيت‭ ‬الوحدة‭ ‬الإسلامية‭ ‬ودحر‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬وتدميرها،‭ ‬وإذا‭ ‬عرفنا‭ ‬كيف‭ ‬نعامل‭ ‬العرب،‭ ‬وهم‭ ‬الأقل‭ ‬وعيًا‭ ‬للاستقرار‭ ‬من‭ ‬الأتراك،‭ ‬فسيبقون‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬السياسية‭ ‬داخل‭ ‬دويلات‭ ‬صغيرة‭ ‬حاقدة‭ ‬ومتنافرة،‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للتماسك‮»‬‭.‬

هل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬صحيح؟‭ ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬لورنس‭ ‬العرب؟

لورنس‭ ‬العرب‭ ‬هو‭ ‬الكولونيل‮ ‬توماس‭ ‬إدوارد‭ ‬لورنس من‭ ‬مواليد‭ ‬عام‭ ‬1888،‭ ‬وهو‭ ‬عالم‭ ‬آثار‮ ‬وضابط‭ ‬جيش ودبلوماسي‮ ‬وكاتب‭ ‬بريطاني‭. ‬ولد‭ ‬طفلا‭ ‬غير‭ ‬شرعي‭ ‬لوالدته‭ ‬سارة‭ ‬جونر‭ (‬18611959‭) ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬مربية‭ ‬ومعلمة‭ ‬أطفال،‭ ‬ووالده‮ ‬السير‭ ‬توماس‭ ‬تشابمان‮ ‬‭(‬1846-1919‭) ‬وهو‭ ‬أحد النبلاء من‭ ‬أصل أنجلو‭ ‬إيرلندي‭. ‬كان‭ ‬والده‭ ‬قد‭ ‬هجر‭ ‬زوجته‭ ‬الأولى‭ ‬وعائلته‭ ‬في‭ ‬إيرلندا‭ ‬ليعيش‭ ‬مع‭ ‬سارة‭ ‬التي‭ ‬أنجب‭ ‬منها‭ ‬لورنس‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬الزواج‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬1896،‭ ‬انتقل‭ ‬لورانس‭ ‬إلى أكسفورد والتحق‭ ‬بالمدرسة‭ ‬الثانوية،‭ ‬ثم‭ ‬درس‭ ‬التاريخ‭ ‬في‮ ‬كلية‭ ‬يسوع‭ ‬في‭ ‬أكسفورد من‭ ‬عام‭ ‬1907‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1910،‭ ‬وبين‭ ‬عامي‭ ‬1910‭ ‬و1914‭ ‬عمل‭ ‬كعالم‭ ‬آثار‭ ‬في‮ ‬المتحف‭ ‬البريطاني،‭ ‬وبشكل‭ ‬رئيسي‭ ‬في‮ ‬قرقميش في‮ ‬سوريا‭ ‬العثمانية‭.‬

بعد‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭ ‬من‭ ‬اندلاع الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى عام‭ ‬1914،‭ ‬تطوع‭ ‬لورنس‭ ‬للالتحاق‭ ‬بالجيش‭ ‬البريطاني‭ ‬وتمركز‭ ‬في‮ ‬المكتب‭ ‬العربي‮ ‬‭(‬الذي‭ ‬تأسس‭ ‬عام‭ ‬1916‭) ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬في‭ ‬مصر‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬1916،‭ ‬سافر‭ ‬إلى بلاد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النهرين والجزيرة‭ ‬العربية‮ ‬في‭ ‬مهام‭ ‬استخباراتية‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬انخرط‭ ‬في‭ ‬الثورة‭ ‬العربية‭ ‬وأصبح‭ ‬حلقة‭ ‬وصل‭ ‬بين‭ ‬القوات‭ ‬العربية‭ ‬وضباط‭ ‬بريطانيين‭ ‬آخرين‭.‬

وبعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬انضم‭ ‬لورانس‭ ‬إلى وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطانية،‭ ‬وعمل‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1922‭ ‬انسحب‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬وقضى‭ ‬السنوات‭ ‬اللاحقة‭ ‬وحتى‭ ‬عام‭ ‬1935‭ ‬يخدم‭ ‬مجندا‭ ‬في‭ ‬سلاح‭ ‬الجو‭ ‬الملكي،‭ ‬وخدم‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭ ‬في‭ ‬الجيش،‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬نشر‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬المسمى‮ ‬‭(‬سبعة‭ ‬أعمدة‭ ‬للحكمة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬اليوم‭ ‬أعمدة‭ ‬الحكمة‭ ‬السبعة‭) ‬عام‭ ‬1926،‭ ‬وهي‭ ‬سيرة‭ ‬ذاتية‭ ‬يتحدث‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬مشاركته‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وتفتيت‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭.‬

يقول‭ ‬زهدي‭ ‬الفاتح‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬لورنس‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬خطى‭ ‬هرتزل‭): ‬حصل،‭ ‬بعد‭ ‬تخرجه‭ ‬من‭ ‬أكسفورد‭ ‬سنة‭ ‬1910،‭ ‬بواسطة‭ ‬معلمة‭ ‬هوغارث،‭ ‬على‭ ‬منحة‭ ‬خولته‭ ‬الاشتراك‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬علمية‭ ‬للتنقيب‭ ‬عن‭ ‬الآثار‭ ‬في‭ ‬قرقميش‭ (‬جرابلس‭) ‬بآسيا‭ ‬الصغرى‭ ‬‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬تابعة‭ ‬الآن‭ ‬لسوريا‭ ‬‭ ‬وقد‭ ‬ظلت‭ ‬مهمة‭ ‬هذه‭ ‬البعثة‭ ‬سرًا‭ ‬دفينًا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أفرادها‭ ‬كانوا‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مهمة‭ ‬للغاية،‭ ‬عسكريًا‭ ‬واستراتيجيًا،‭ ‬ويمكن‭ ‬تشبيه‭ ‬مهمة‭ ‬هذه‭ ‬البعثة‭ ‬ومموليها‭ ‬بأية‭ ‬بعثة‭ ‬أمريكية‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬تمولها‭ ‬المخابرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المركزية‭.‬

ألحق‭ ‬لورنس‭ ‬بمدرسة‭ ‬للإرساليين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬في‭ ‬جبيل‭ ‬بلبنان،‭ ‬لتحسين‭ ‬لغته‭ ‬العربية،‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬ذلك‭: ‬لسبب‭ ‬ما‭ ‬يريدني‭ ‬هوغارث‭ ‬إتقان‭ ‬العربية‭.‬

التحق‭ ‬هوغارث‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬فبراير‭ ‬1910،‭ ‬بلورنس،‭ ‬تم‭ ‬توجها‭ ‬معًا‭ ‬بالبحر‭ ‬لزيارة‭ ‬جبل‭ ‬الكرمل،‭ ‬ناثارت،‭ ‬وقرى‭ ‬اليرموك‭. ‬ومن‭ ‬درعا‭ ‬استقلا‭ ‬قطار‭ ‬خط‭ ‬الحجاز‭ ‬إلى‭ ‬الشام،‭ ‬فحمص‭ ‬فحلب،‭ ‬حتى‭ ‬وصلا‭ ‬إلى‭ ‬قرقميش‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬مارس‭.‬

ارتاب‭ ‬الأتراك‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1912‭ ‬بأمر‭ ‬لورنس‭ ‬فكتب‭ ‬إلى‭ ‬هاغارث‭ ‬يقول‭: ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬العجوز،‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬حياة‭ ‬بعد،‭ ‬إنها‭ ‬تراقبني‭.‬

في‭ ‬يناير‭ ‬1914‭ ‬انخرط‭ ‬رسميًا‭ ‬في‭ ‬سلك‭ ‬الاستخبارات‭ ‬البريطانية‭ ‬العسكرية‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬مهمته‭ ‬قال‭ ‬لورنس‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬أعمدة‭ ‬الحكمة‭ ‬السبعة‭): ‬‮«‬وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬عملي‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬العربية‭ ‬فقد‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬دون‭ ‬مقابل،‭ ‬فالحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬التي‭ ‬حثت‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬القتال‭ ‬من‭ ‬أجلنا،‭ ‬كانت‭ ‬مقابل‭ ‬وعود‭ ‬محددة‭ ‬لإنشاء‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬مستقلة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭. ‬والعرب‭ ‬يثقون‭ ‬بالأشخاص،‭ ‬وليس‭ ‬بالمؤسسات‭. ‬فهم‭ ‬رأوا‭ ‬فيّ‭ ‬عميلاً‭ ‬حرًا‭ ‬للحكومة‭ ‬البريطانية،‭ ‬وطلبوا‭ ‬مني‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬تلك‭ ‬الوعود‭ ‬المكتوبة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومة‭. ‬لذلك‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أنضم‭ ‬إلى‭ ‬المؤامرة،‭ ‬وأن‭ ‬أقوم‭ ‬بإعطاء‭ ‬تأكيدات‭ ‬كلامية‭ ‬للرجال‭ ‬بأنهم‭ ‬يستحقون‭ ‬مكافأتهم‭. ‬وخلال‭ ‬سنتين‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬المشترك‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المعارك‭ ‬المستعرة،‭ ‬فقد‭ ‬اعتادوا‭ ‬على‭ ‬تصديقي‭ ‬ويظنون‭ ‬أن‭ ‬حكومتي‭ ‬كمثلي‭ ‬أيضًا،‭ ‬بأنها‭ ‬كانت‭ ‬مخلصة‭ ‬في‭ ‬وعودها‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الأمل،‭ ‬فهم‭ ‬قاموا‭ ‬ببعض‭ ‬الأمور‭ ‬الرائعة،‭ ‬ولكن‭ ‬بالطبع‭ ‬فبدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬فخورين‭ ‬بما‭ ‬قمنا‭ ‬به‭ ‬سويا،‭ ‬فإنني‭ ‬كنت‭ ‬خجلاً‭ ‬باستمرار‭ ‬وبشدة‭ ‬من‭ ‬نفسي‭.‬

كان‭ ‬واضحًا‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬كسبنا‭ ‬الحرب،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الوعود‭ ‬ستكون‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬ورقة‭ ‬ميتة‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬وكان‭ ‬الواحد‭ ‬‭ ‬يقصد‭ ‬بعض‭ ‬الشباب‭ ‬الإنجليز‭ ‬‭ ‬يرى‭ ‬من‭ ‬خلالهم‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬العظمة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬واحدًا‭ ‬منهم،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إنجليزًا،‭ ‬وكنا‭ ‬نرمي‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬أتون‭ ‬النار،‭ ‬إلى‭ ‬أسوأ‭ ‬الميتات،‭ ‬وذلك‭ ‬ليس‭ ‬لكسب‭ ‬الحرب‭ ‬وإنما‭ ‬ليكون‭ ‬لنا‭ ‬بترول‭ ‬الشرق‭ ‬ومنتوجاته‭ ‬الزراعية‭. ‬وكان‭ ‬المطلب‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬هزم‭ ‬أعدائنا،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬حكمة‭ (‬اللنبي‭).. ‬يواصل‭ ‬ويقول‭: ‬‮«‬وإنني‭ ‬لفخور‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المعارك‭ ‬التي‭ ‬خضتها‭ ‬وقدمتها‭ ‬لم‭ ‬تكلف‭ ‬أي‭ ‬إراقة‭ ‬دماء‭ ‬لجندي‭ ‬إنجليزي‮»‬‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لورنس‭ ‬يقوم‭ ‬ببعض‭ ‬الأعمال‭ ‬الأخرى‭ ‬للاستخبارات‭ ‬البريطانية؛‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭ ‬وهو‭ ‬يصف‭ ‬عمله‭ ‬اليومي‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬1915‭ ‬‮«‬حسنًا،‭ ‬الرسم‭ ‬والإشراف‭ ‬على‭ ‬رسم‭ ‬الخرائط،‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬طباعة‭ ‬وتغليف‭ ‬الخرائط،‭ ‬والجلوس‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬يقوم‭ ‬بترميز‭ ‬البرقيات‭ ‬وفك‭ ‬تشفيرها،‭ ‬وإجراء‭ ‬مقابلات‭ ‬مع‭ ‬السجناء‭ ‬وكتابة‭ ‬التقارير‭ ‬وإعطاء‭ ‬المعلومات‭ ‬من‭ ‬الساعة‭ ‬9‭ ‬صباحًا‭ ‬حتى‭ ‬7‭ ‬مساء‮»‬‭.‬

يقول‭ ‬دافيد‭ ‬مواري‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬لورنس‭ ‬العرب‭ ‬‭ ‬القيادة،‭ ‬الاستراتيجيات،‭ ‬الصراعات‭): ‬‮«‬من‭ ‬أهمية‭ ‬العمل‭ ‬المهم‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬به،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬إحدى‭ ‬مهامه‭ ‬الأساسية‭ ‬هي‭ ‬تجميع‭ ‬ملفات‭ ‬تعريف‭ ‬للقادة‭ ‬العسكريين‭ ‬والسياسيين‭ ‬العثمانيين‭ ‬وكتابة‭ ‬التقارير‭ ‬عن‭ ‬الأراضي‭ ‬العثمانية،‭ ‬وبالفعل‭ ‬كتبها‭ ‬بأسلوبه‭ ‬الخاص‮»‬‭.. ‬يواصل‭ ‬ويقول‭: ‬‮«‬كان‭ ‬لورنس‭ ‬هو‭ ‬الضابط‭ ‬المناسب‭ ‬لمقابلة‭ ‬السجناء‭ ‬بسبب‭ ‬مهاراته‭ ‬اللغوية‭ ‬ومعرفته‭ ‬بالقضايا‭ ‬القبلية‭.. ‬وكان‭ ‬يفضل‭ ‬أسلوبًا‭ ‬وديًا‭ ‬ومحبًا،‭ ‬ووجد‭ ‬أنه‭ ‬عند‭ ‬إظهار‭ ‬معرفته‭ ‬بالأراضي‭ ‬العثمانية‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وسوريا،‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتحدث‭ ‬هؤلاء‭ ‬السجناء‭ ‬بحرية‭ ‬تامة‭ ‬وخاصة‭ ‬رجال‭ ‬القبائل‭ ‬العربية‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬تجنيدهم‮»‬‭. ‬

يقول‭ ‬مؤلف‭ ‬كتاب‭ (‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‭) ‬الدكتور‭ ‬أسعد‭ ‬رزوق‭: ‬‮«‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الصهيونيين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يمولون‭ ‬لورنس‭ ‬‭ ‬بمعرفة‭ ‬الدولة‭ ‬البريطانية‭ ‬أم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬معرفتها‭.. ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬‭ ‬لإقامة‭ ‬دولة‭ ‬قومية‭ ‬عربية،‭ ‬متخلية‭ ‬كل‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الإسلام،‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬كانوا‭ ‬يباركون‭ ‬أيضًا‭ ‬إيمان‭ ‬لورنس‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬مصلحة‭ ‬بريطانيا‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬منقسمًا‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬مفتتًا‭ ‬إلى‭ ‬دويلات‭ ‬متناحرة،‭ ‬ومتنافرة‭ ‬بعد‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬عامل‭ ‬توحيدهم‭ ‬وتماسكهم‮»‬‭.‬

ويؤكد‭ ‬مؤلفا‭ (‬الوقائع‭ ‬السرية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬لورنس‭ ‬العرب‭) ‬فيليب‭ ‬نايتلي‭ ‬وكولين‭ ‬سمبسون؛‭ ‬أنه‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬ادعاء‭ ‬لورنس‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬منح‭ ‬العرب‭ ‬الحرية‭ ‬والاستقلال،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مصممًا‭ ‬على‭ ‬إلحاق‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬بالإمبراطورية‭ ‬البريطانية‭.‬

أما‭ ‬لماذا‭ ‬أعطى‭ ‬لورنس‭ ‬ذلك‭ ‬الوعد،‭ ‬فيقول‭ ‬المؤلفان‭: ‬إن‭ ‬دوافع‭ ‬لورنس‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬تتركز‭ ‬في‭ ‬يقينه‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الوعد‭ ‬هو‭ ‬الوسيلة‭ ‬الأفضل‭ ‬لدفعهم‭ ‬للقتال‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الإنجليز،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬معرفته‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬البريطانية،‭ ‬وهو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬المخططين‭ ‬لأسسها،‭ ‬لن‭ ‬تنفذ‭ ‬أبدًا‭ ‬ذلك‭ ‬الوعد،‭ ‬الذي‭ ‬حلم‭ ‬به‭ ‬العرب‭ ‬طويلاً‭ ‬ومن‭ ‬أجله‭ ‬حاربوا،‭ ‬وذلك‭ ‬بدليل‭ ‬قول‭ ‬لورنس‭ ‬إلى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أعز‭ ‬صديقاته‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬حبك‭ ‬المؤامرة،‭ ‬وخاطرت‭ ‬لإيماني‭ ‬أن‭ ‬وقوف‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬جانبنا‭ ‬هو‭ ‬عامل‭ ‬حيوي‭ ‬لتحقيق‭ ‬أملنا‭ ‬بانتصار‭ ‬سريع،‭ ‬بخس‭ ‬الثمن‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬والأفضل‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬ننتصر‭ ‬وننكث‭ ‬بوعدنا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ننكسر‮»‬‭.‬

وما‭ ‬أشبه‭ ‬اليوم‭ ‬بالبارحة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬العربية‭.‬

وتمخضت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التحركات‭ ‬والمخططات‭ ‬والخيانات‭ ‬عن‭ ‬أمرين‭ ‬كانا‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬لهما‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وهما‭: ‬اتفاقية‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1916،‭ ‬وهي‭ ‬الاتفاقية‭ ‬التي‭ ‬بموجبها‭ ‬قسم‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا،‭ ‬ووعد‭ ‬بلفور‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إعلانه‭ ‬سنة‭ ‬1917‭ ‬الذي‭ ‬أصدرته‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانيّة‭ ‬خلال الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬بهدف‭ ‬دعم‭ ‬تأسيس‭ ‬وطن‭ ‬قوميّ‭ ‬للشعب‭ ‬اليهوديّ‭ ‬في‮ ‬فلسطين،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬منطقة عثمانية‮ ‬ذات‭ ‬أقليّة‭ ‬يهوديّة‭ (‬حوالي‭ ‬3‭-‬5%‭ ‬من‭ ‬إجماليّ‭ ‬السكان‭).‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬يحدث،‭ ‬فالمسرحية‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تُعرض‭ ‬ولكن‭ ‬بأسماء‭ ‬أبطال‭ ‬مختلفين‭.‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا