العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

جورج قرم.. المفكر العربي الكبير الذي رحل عن عالمنا

بقلم: د. عصام عبدالفتاح

السبت ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

رحل‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬أغسطس‭ ‬الماضي،‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬يناهز‭ ‬الثمانين‭ ‬عامًا،‭ ‬قامة‭ ‬فكرية‭ ‬هائلة‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬مفكري‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الذين‭ ‬يتميزون‭ ‬بثقافتهم‭ ‬الموسوعية‭ ‬وعمق‭ ‬تحليلاتهم‭ ‬لمشكلاته‭ ‬التاريخية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية‭. ‬إنه‭ ‬المفكر‭ ‬والكاتب‭ ‬والخبير‭ ‬الاقتصادي‭ ‬اللبناني‭ ‬جورج‭ ‬قرم‭. ‬وهو‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬الإسكندرية‭ ‬عام‭ ‬1940‭ ‬التي‭ ‬هام‭ ‬بها‭ ‬عشقًا‭. ‬ينحدر‭ ‬‮«‬قرم‮»‬‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬مشبعة‭ ‬بالثقافة‭ ‬والفن،‭ ‬فجده‭ ‬وأبوه‭ ‬كانا‭ ‬رسامين‭ ‬مشهورين‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.‬

وتلقى‭ ‬تعليمه‭ ‬الثانوي‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬الجيزويت‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬والتحق‭ ‬بعدها‭ ‬بكلية‭ ‬الحقوق‭ ‬ومعهد‭ ‬العلوم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬باريس‭. ‬وكان‭ ‬مهمومًا‭ ‬بظاهرة‭ ‬التوزع‭ ‬المجتمعي‭ ‬للسلطة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬على‭ ‬الأساس‭ ‬الطائفي‭ ‬فأعد‭ ‬أطروحة‭ ‬للدكتوراه‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬عام‭ ‬1966،‭ ‬عنوانها‭ ‬‮«‬تعدد‭ ‬الأديان‭ ‬وأنظمة‭ ‬الحكم‮»‬‭. ‬ولجورج‭ ‬قرم‭ ‬عشرات‭ ‬المؤلفات‭ ‬المهمة‭ ‬تُرجمت‭ ‬إلى‭ ‬العربية،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭: ‬انفجار‭ ‬المشرق‭ ‬العربي،‭ ‬وشرق‭ ‬وغرب،‭ ‬والمسألة‭ ‬الشرقية،‭ ‬ونال‭ ‬عنه‭ ‬جائزة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الفرنسية‭ ‬لعام‭ ‬2018‭.‬

تبوأ‭ ‬المفكر‭ ‬‮«‬جورج‭ ‬قرم‮»‬‭ ‬مناصب‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وخارجه،‭ ‬فكان‭ ‬أستاذًا‭ ‬جامعيًا،‭ ‬وتولي‭ ‬وزارة‭ ‬المالية،‭ ‬حيث‭ ‬وضع‭ ‬إصلاحًا‭ ‬سدد‭ ‬به‭ ‬مديونيات‭ ‬لبنان‭ ‬وأعاد‭ ‬التوازن‭ ‬الى‭ ‬ميزان‭ ‬مدفوعاته،‭ ‬وبات‭ ‬معروفًا‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬كان‭ ‬من‭ ‬أنقى‭ ‬السياسيين‭ ‬الذين‭ ‬عرفهم‭ ‬لبنان‮»‬‭.‬

تأثر‭ ‬‮«‬قرم‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الخمسينيات‭ ‬بالفكر‭ ‬الناصري‭ ‬وخطابات‭ ‬عبدالناصر‭ ‬المناهضة‭ ‬للإمبريالية،‭ ‬وثار‭ ‬ضد‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثي‭ ‬عقب‭ ‬تأميم‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬عام‭ ‬1956،‭ ‬وتحمس‭ ‬للتيارات‭ ‬التقدمية‭ ‬العلمانية،‭ ‬وفجعه‭ ‬وقوع‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ضحية‭ ‬لسياسات‭ ‬الغرب‭ ‬ومحاولاته‭ ‬لتحقيق‭ ‬مآربه‭ ‬إبان‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭. ‬يعلق‭ ‬‮«‬قرم‮»‬‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬قائلًا‭: ‬‮«‬اتسمت‭ ‬الأعوام‭ ‬الأخيرة‭ ‬للحرب‭ ‬الباردة‭ ‬في‭ ‬الثمانينيات‭ ‬بحشد‭ ‬الغرب‭ ‬للأديان‭ ‬ضد‭ ‬عدوين‭ ‬لدودين‭ ‬له‭: ‬الماركسية‭ ‬والحياد‭ ‬الإيجابي‭ ‬أي‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز،‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬تيتو‭ ‬وجمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬ونهرو‮»‬‭.‬

وعن‭ ‬خبراته‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والمالي‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والجزائر،‭ ‬التي‭ ‬عُين‭ ‬فيها‭ ‬مستشارًا‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬رفيع‭ ‬المستوى،‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬قرم‮»‬‭: ‬‮«‬أحد‭ ‬الدروس‭ ‬التي‭ ‬استخلصتها‭ ‬من‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الريع‭ ‬الذي‭ ‬تجلبه‭ ‬المواد‭ ‬الأولية‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬بعد‭ ‬زمن‭ ‬إلى‭ ‬عاهة‭ ‬لأن‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬حقًا‭ ‬امتلاك‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬بالمعاناة‭ ‬والحاجة‭ ‬إليها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفتقده‭ ‬المجتمع‭ ‬الريعي‭ ‬الذي‭ ‬يشتريها‭ ‬جاهزة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬معاناة‮»‬‭. ‬

وحول‭ ‬استغلال‭ ‬الأديان‭ ‬أداة‭ ‬للهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬قرم‮»‬‭: ‬‮«‬ظاهرة‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬تقليعة‭ ‬حديثة‭. ‬في‭ ‬شبابي‭ ‬وأثناء‭ ‬دراساتي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬وإنما‭ ‬ظهرت‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬خرجت‭ ‬أطروحة‭ ‬صمويل‭ ‬هنتنجتون‭ ‬حول‭ ‬صدام‭ ‬الحضارات‭ ‬التي‭ ‬يجعل‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬اختلاف‭ ‬القيم‭ ‬الثقافية‭ ‬والدينية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬المصدر‭ ‬الحقيقي‭ ‬لأزمات‭ ‬العالم‭. ‬وقد‭ ‬أراد‭ ‬هنتنجتون‭ ‬بتفسيره‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬يُحيي‭ ‬الثنائية‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬المؤرخ‭ ‬الفرنسي‭ ‬أرنست‭ ‬رينان‭ ‬ينادي‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الـ19‭ ‬وبمقتضاها‭ ‬يقسم‭ ‬العالم‭ ‬إلي‭ ‬عالمين‭: ‬العالم‭ ‬الآري‭ ‬المتحضر‭ ‬ذو‭ ‬الاثنية‭ ‬الرفيعة،‭ ‬والعالم‭ ‬السامي‭ ‬الميال‭ ‬بطبعه‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬والفوضي‮»‬‭ ‬

خطط‭ ‬الغرب‭ ‬أيضًا‭ ‬لإشعال‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬إذ‭ ‬رأى‭ ‬في‭ ‬قيامها‭ ‬وسيلة‭ ‬ناجعة‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬وصول‭ ‬القوميين‭ ‬من‭ ‬أشباه‭ ‬محمد‭ ‬مصدق‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬الحكم‭ ‬بعد‭ ‬الشاه،‭ ‬وكان‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬ستصبح‭ ‬حليفًا‭ ‬له،‭ ‬ولما‭ ‬تكشف‭ ‬له‭ ‬العكس‭ ‬انقلب‭ ‬عليها‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬الفتنة‭ ‬بين‭ ‬الشيعة‭ ‬والسنة‭ ‬ليرد‭ ‬كل‭ ‬النوازل‭ ‬السياسية‭ ‬لها،‭ ‬وكلما‭ ‬طرأت‭ ‬كارثة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬تبسط‭ ‬المحللون‭ ‬الغربيون‭ ‬في‭ ‬تفسيرها‭ ‬بمصطلحات‭ ‬الصراع‭ ‬الشيعي‭ -‬السني‭!‬

ركز‭ ‬‮«‬جورج‭ ‬قرم‮»‬‭ ‬انتقاداته‭ ‬على‭ ‬التبسيط‭ ‬المخل‭ ‬الذي‭ ‬تفرضه‭ ‬القراءات‭ ‬الغربية‭ ‬المصطنعة‭ ‬للأحداث‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬التفسير‭ ‬الموضوعي‭ ‬للواقع‭.‬

{ أستاذ‭ ‬فلسفة‭ ‬اللغة‭ ‬والأدب‭ ‬الفرنسي

‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب‭ -‬جامعة‭ ‬حلوان

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا