يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
حدود «الانفتاح» الإيراني
منذ أن فاز مسعود بزشكيان، الذي تم تقديمه على أنه إصلاحي، بالرئاسة في إيران، تزايد الحديث عن عهد جديد في سياسة إيران الخارجية. بعبارة أدق، تزايد الحديث احتمالات اتباع سياسة خارجية إيرانية أكثر اعتدالا وانفتاحا على العالم، وخصوصا فيما يتعلق بالعلاقات مع الغرب، ومع الدول العربية.
الذي عزز هذا الحديث عن الانفتاح في سياسة إيران الخارجية أن بزشكيان نفسه جعل هذا الأمر منذ بداية الحملة الانتخابية أحد أكبر أركان حملته. فقد دعا منذ البداية إلى ضرورة تحسين العلاقات بين إيران والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، من أجل التوصل إلى رفع العقوبات عن إيران وخروج إيران من عزلتها. واعتبر أن هذا الانفتاح سيفيد الاقتصاد الإيراني والمواطنين إفادة كبرى. ولهذا تعهد بالدخول في مفاوضات مباشرة مع واشنطن لإحياء المحادثات حول ملف البرنامج النووي الإيراني، المتوقفة منذ انسحاب الولايات المتحدة في 2018 من الاتفاق.
الأمر الثاني الذي يعزز بالنسبة لكثير من المحللين والمراقبين هذا الانفتاح والاعتدال في سياسة إيران الخارجية هو أن المرشد الإيراني نفسه خامنئي يؤيد هذا التوجه.
محللون أشاروا في هذا السياق إلى حقيقة أن المرشد هو الذي قرر السماح لبزشكيان بالترشح، وارتأى أن مصلحة النظام في الوقت الحالي تقتضي هذا.
اتخاذ المرشد هذا الموقف كان إقرارا منه بعمق الأزمة الطاحنة التي تعيشها إيران وبالتداعيات الخطيرة التي يمكن أن تهدد النظام إذا لم يحدث هذا النوع من التغيير.
تقارير كثيرة تحدثت عن إدراك خامنئي بأن الغضب الشعبي على سياسات النظام وصل حدا خطيرا ولا بد من احتوائه قبل أن يتفاقم أكثر. ولهذا السبب تحديدا أيد وصول مرشح يوصف بالإصلاحي إلى الرئاسة كي يعطي نوعا من الأمل للإيرانيين، ويؤيد انفتاحا في السياسة الخارجية على أمل أن يحل هذا جزءا من أزمة النظام. بعبارة أخرى، المرشد أدرك أنه إذا لم يحدث هذا التغيير فلن تكون هناك نهاية للاحتجاجات الشعبية ضد النظام ولا أحد يعلم إلى ماذا يمكن أن تقود إليه.
بناء على هذه الاعتبارات يرجح الكثيرون أن تشرع إيران فعلا في عهد جديد من الانفتاح والاعتدال في سياساتها الخارجية. وهو الأمر الذي أشار إليه فعلا وزير الخارجية الإيراني الجديد في تصريحاته الأولى.
وإذا افترضنا صحة هذا من منطلق أن هذا الانفتاح تقتضيه مصلحة النظام أولا وأخيرا، فما هي حدود مثل هذا الانفتاح؟.
الإجابة عن هذا التساؤل تقتضي التوقف عند اعتبارات عدة.
أول هذه الاعتبارات حقيقة أن كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية في إيران عموما هو بيد المرشد الإيراني والحرس الثوري. هذه قاعدة تقليدية ثابتة لا تتغير سواء كان الرئيس محافظا أو إصلاحيا.
ثاني هذه الاعتبارات أن الرئيس الجديد ليس لديه خبرة سابقة في مجال السياسية الخارجية ولم يكن في يوم من الأيام منخرطا في قضاياها وتحولاتها.
وهذه الحقيقة في حد ذاتها تعزز قبضة المرشد والحرس الثوري أكثر على السياسة الخارجية.
وأخذا في الاعتبار أنه تقليديا فإن المرشد والحرس الثوري من حيث المبدأ مع سياسة خارجية أكثر تشددا، فإنه حتى لو حدث تحول جديد نحو الانفتاح الذي يجري الحديث عنه والذي تقتضيه مصلحة النظام، فإن هذا الانفتاح سيكون بالضرورة محدودا.
الأمر المهم الآخر أنهم عندما يتحدثون في إيران عن عهد جديد من الانفتاح الخارجي فهم يقصدون أساسا أمريكا والدول الغربية عموما. هذه هي الأولوية المطلقة بالنسبة لهم.
كما ذكرت النظام الإيراني يعتبر أنه مضطر اليوم إلى الانفتاح على الغرب وضبط العلاقات مع أمريكا كي يقود هذا إلى رفع العقوبات والخروج من العزلة، وذلك للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة.
السؤال الذي يعنينا هنا هو: وأين موقع الدول العربية من كل هذا؟
هذا حديث آخر بإذن الله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك