يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
عندما تغيب «فكرة الوطن»
قبل أيام، نشر موقع «العربية.نت» تفاصيل ما جاء في حلقة من برنامج تلفزيوني بعنوان «مراجعات» يقدمه الباحث ضياء رشوان. الحلقة تضمنت حوارا مع إسلام الكتاتني، وهو أحد الشخصيات القيادية السابقة في تنظيم الإخوان المسلمين، انشق عن التنظيم وخرج من صفوفه.
في الحوار تحدث الكتاتني عن تجربته مع تنظيم الإخوان بالتفصيل، وتوقف خصوصا عند الأسباب التي دفعته إلى الخروج من الجماعة.
الذي يعنينا خصوصا هو ما قاله عن أهم الأسباب التي جعلته يقرر الخروج من التنظيم.
قال إن من أهم هذه الأسباب عندما اكتشف أن فكرة الوطن «غائبة عن الجماعة». يقول إنه بعد تجربته الطويلة مع التنظيم اكتشف «غياب مفهوم الوطن لدى الجماعة، حيث كان التركيز على الجماعة نفسها فوق كل شيء»، وإن هذا الاكتشاف «كان له تأثير كبير على رؤيته للتنظيم ودوره فيه، ما دفعه إلى البدء في التفكير جديا في الانفصال».
بالطبع يقصد بغياب فكرة الوطن أنه في الحالة المصرية، فإن مصر الوطن والدولة ليس لها مكان من الاهتمام في فكر وأيديولوجية وأجندة التنظيم.
الحقيقة أن هذه القضية من أكبر الكوارث في دولنا العربية. الأمر ليس قصرا على جماعة الإخوان، وتنظيمات دينية أخرى متطرفة، لكنه ينطبق على كل الجماعات والقوى الطائفية في دولنا العربية. بالنسبة إلى كل هذه الجماعات والتنظيمات والقوى، لا يعني لهم الوطن شيئا كثيرا، وفي الفكر والأجندة العملية ليس هناك أي أولوية إلا للطائفة والجماعة.
هذه كارثة كبرى. غياب فكرة الوطن يعني أول ما يعني بالنسبة إلى هذه القوى والجماعات أن مصلحة الوطن لا تعني لها أي شيء على الإطلاق وليس لها أي أهمية. المهم أولا وأخيرا هو مصلحة الطائفة والجماعة. ويعني أن التضحية بمصلحة الوطن أيًّا كانت مقبولة وجائزة في سبيل المصلحة الطائفية الضيقة.
بعبارة أخرى، الولاء الوطني العام، أي للوطن والدولة، لا يمثل أولوية بالنسبة إلى هؤلاء، إذ الولاء أولا وأخيرا للطائفة والجماعة.
غياب فكرة الوطن بهذا المعنى له حتما نتائج كارثية مدمرة عانت وتعاني منها عديد من دولنا العربية.
أول هذه النتائج أن العنف والإرهاب يصبح أحد أكبر الأساليب التي تلجأ إليها هذه القوى والجماعات. طالما أنها لا تعتد بالوطن والمجتمع الواحد، فهي ترى أنه لا بأس من استخدام العنف والإرهاب ضد الدولة والمجتمع.
وهي في مرحلة معينة تعتبر أن تدمير وتخريب الدولة ضرورة لإعلاء كلمة الطائفة أو الجماعة. ولهذا نجد أن أغلب هذه القوى والجماعات تحرص على أن يكون لها ذراع مسلح، أو تنشئ مليشيا مسلحة.
ومن أخطر هذه النتائج على الإطلاق أن هذه القوى والجماعات لا تتردد في الاستعانة والاستقواء بالدول والقوى الأجنبية المعادية للوطن، بل ولا تجد أي بأس في التآمر معها على حساب الوطن ومقدراته.
وإذا قدر لهذه القوى والجماعات أن يكون لها كلمة في تقرير شؤون الدولة والحكم، فإنها لا تتردد في تدمير الدولة ومؤسساتها وتمزيق المجتمع.
نعلم جميعا أن كل هذه النتائج الكارثية شهدنا تجلياتها في عدد من الدول العربية. يكفي أن ننظر إلى ما انتهى إليه أمر دول مثل العراق ولبنان واليمن، حيث لم تعد الدولة موجودة بالمعنى المفهوم.
ولم يكن غريبا ما شهدناه في أحداث 2011 مثلا حين حظيت هذه القوى والجماعات بالدعم القوي بكل الأشكال من الدول والمنظمات المعادية للدول العربية والتي تريد تدمير دولنا ومجتمعاتنا.
الحقيقة أننا عندما نتحدث عن بناء دولنا العربية وعن تعزيز قدرتها على البقاء ومواجهة التحديات، فهذه أكبر كارثة ومعضلة على الإطلاق. كارثة «غياب فكرة الوطن» عن بعض القوى والجماعات في مجتمعاتنا.
مواجهة هذه الكارثة ومعالجة هذه المعضلة هي أكبر التحديات التي نواجهها على الإطلاق.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك