العدد : ١٧١٦٣ - الخميس ٢٠ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٦٣ - الخميس ٢٠ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ رمضان ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

لأن العالم في قبضة الهمج

قبل‭ ‬أيام،‭ ‬أصدرت‭ ‬منظمة‭ ‬اليونيسف‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بيانا‭ ‬قالت‭ ‬فيه‭ ‬إن‭ ‬مليون‭ ‬طفل‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬يصارعون‭ ‬الموت‭ ‬ويكافحون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬وسط‭ ‬انعدام‭ ‬الضروريات‭ ‬الأساسية‭. ‬ووجهت‭ ‬نداء‭ ‬إغاثة‭ ‬لإنقاذ‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال‭.‬

اليونيسف‭ ‬أصدرت‭ ‬هذا‭ ‬النداء‭ ‬لأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬منعت‭ ‬دخول‭ ‬أي‭ ‬مساعدات‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬الى‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وقطعت‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء‭.‬

أي‭ ‬ان‭ ‬إسرائيل‭ ‬أرادت‭ ‬عن‭ ‬عمد‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬بالموت‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬مليون‭ ‬طفل‭ ‬فلسطيني‭ ‬وانما‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭.‬

في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬لنداء‭ ‬اليونيسف‭ ‬شنت‭ ‬اسرائيل‭ ‬عدوانا‭ ‬همجيا‭ ‬على‭ ‬غزة‭.   ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬عدوان‭ ‬إسرائيلي‭ ‬سقط‭ ‬مئات‭ ‬الشهداء‭ ‬وتم‭ ‬تدمير‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬استطاعوا‭ ‬تدميره‭ ‬من‭ ‬منازل‭ ‬ومخيمات‭ ‬ومنشآت‭ ‬بلا‭ ‬تمييز‭.‬

كالعادة،‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭ ‬ترتكبها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬سارعت‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بإصدار‭ ‬بيانات‭ ‬تدين‭ ‬وتشجب‭ ‬وتطالب‭ ‬باحترام‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬ووقف‭ ‬العدوان،‭ ‬وأيضا‭ ‬المنظمات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الدولية‭ ‬سارعت‭ ‬بإصدار‭ ‬البيانات‭ ‬ونداءات‭ ‬الاستغاثة‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬المجزرة‭.‬

وكالعادة،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬البيانات‭ ‬والنداءات‭ ‬أي‭ ‬جدوى،‭ ‬وتمضي‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬عدوانها‭ ‬الهمجي‭ ‬ترتكب‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬وتقتل‭ ‬الأبرياء‭ ‬وتدمر‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬كأنها‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وفوق‭ ‬أي‭ ‬قانون‭ ‬دولي،‭ ‬ومطلقة‭ ‬السراح‭ ‬بلا‭ ‬حسيب‭.‬

في‭ ‬المحصلة‭ ‬النهائية،‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬بكل‭ ‬دوله‭ ‬ومنظماته‭ ‬وقدراته‭ ‬وإمكانياته‭ ‬يقف‭ ‬عاجزا‭ ‬عجزا‭ ‬مطلقا‭ ‬أمام‭ ‬قوة‭ ‬همجية‭ ‬وأمام‭ ‬أكبر‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬عرفها‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭.‬

هذا‭ ‬امر‭ ‬لم‭ ‬يعرفه‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬العالم‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الخنوع‭ ‬والعجز‭ ‬أمام‭ ‬الهمج‭ ‬أعداء‭ ‬الانسانية‭ ‬والحضارة‭.‬

كيف‭ ‬يحدث‭ ‬هذا؟‭.. ‬لماذا‭ ‬وصل‭ ‬العالم‭ ‬الى‭ ‬هذه‭ ‬الحال؟

أذكر‭ ‬أنه‭ ‬قبل‭ ‬فترة،‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي‭ ‬طرحت‭ ‬البي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬البريطانية‭ ‬عبر‭ ‬أحد‭ ‬برامجها‭ ‬السؤال‭ ‬التالي‭ ‬على‭ ‬متابعيها‭:‬

لماذا‭ ‬تستمر‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬أفعال‭ ‬تصفها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومنظمات‭ ‬حقوقية‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬إبادة‭ ‬جماعية‮»‬‭ ‬و«جريمة‭ ‬حرب»؟

مناسبة‭ ‬طرح‭ ‬السؤال‭ ‬كان‭ ‬صدور‭ ‬تقريرين‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬يدينان‭ ‬إسرائيل‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬وإبادة،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬عشرات‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭.‬

التقرير‭ ‬الأول‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬اللجنة‭ ‬الأممية‭ ‬الخاصة‭ ‬المعنية‭ ‬بالتحقيق‭ ‬في‭ ‬الممارسات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬تمس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬واعتبر‭ ‬أن‭ ‬ممارسات‭ ‬إسرائيل‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬‮«‬تتسق‭ ‬مع‭ ‬خصائص‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‮»‬‭ ‬واتهم‭ ‬إسرائيل‭ ‬‮«‬باستخدام‭ ‬التجويع‭ ‬كأسلوب‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬الحرب‭ ‬وفرض‭ ‬عقاب‭ ‬جماعي‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‮»‬‭.‬

والتقرير‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬عن‭ ‬منظمة‭ ‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش،‭ ‬المعنية‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ومقرها‭ ‬نيويورك،‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬أوامر‭ ‬الإخلاء‭ ‬التي‭ ‬تصدرها‭ ‬السلطات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لسكان‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬تمثل‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬‮«‬التهجير‭ ‬القسري‮»‬‭ ‬و«التطهير‭ ‬العرقي‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬جريمة‭ ‬حرب‮»‬‭ ‬بحسب‭ ‬القانون‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي‭. ‬ويتناول‭ ‬التقرير‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬154‭ ‬صفحة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬يائسون،‭ ‬جائعون،‭ ‬ومحاصرون‭: ‬تهجير‭ ‬إسرائيل‭ ‬القسري‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‮»‬،‭ ‬سلوك‭ ‬السلطات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬نزوح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬90‭% ‬من‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬–‭ ‬1.9‭ ‬مليون‭ ‬فلسطيني‭ ‬–‭ ‬وإلى‭ ‬تدمير‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬لأجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الأشهر‭ ‬الـ13‭ ‬الماضية‭.‬

هذه‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬البي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬استمرار‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬العدوان‭ ‬وارتكاب‭ ‬الجرائم‭ ‬رغم‭ ‬الإدانات‭ ‬الواضحة‭ ‬بارتكابها‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬وإبادة‭ ‬تستحق‭ ‬العقاب‭. ‬وأرفقت‭ ‬بهذا‭ ‬السؤال‭ ‬أسئلة‭ ‬أخرى‭ ‬مرتبطة‭ ‬به‭ ‬هي‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬إلزام‭ ‬إسرائيل‭ ‬بأوامر‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬وقرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الخاصة‭ ‬بسلوكها‭ ‬في‭ ‬الحرب؟‭.. ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬محاسبة‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الممارسات؟‭ ‬كيف؟‭.. ‬هل‭ ‬تبذل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لإثناء‭ ‬إسرائيل‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬السلوك؟

الجواب‭ ‬بسيط‭. ‬إسرائيل‭ ‬نفسها‭ ‬كيان‭ ‬عدواني‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬إلا‭ ‬ارتكاب‭ ‬الجرائم‭ ‬وليس‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬هدف‭ ‬الا‭ ‬محاولة‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬بالإرهاب‭. ‬وهو‭ ‬كيان‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أي‭ ‬قيمة‭ ‬للإنسانية‭ ‬ولا‭ ‬معنى‭ ‬للسلام‭.‬

لكن‭ ‬الذي‭ ‬أتاح‭ ‬لهذا‭ ‬الكيان‭ ‬مواصلة‭ ‬ارتكاب‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬هي‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬أمريكا‭. ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تواصل‭ ‬اسرائيل‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الهمجية‭ ‬لولا‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬المطلق‭ ‬ومن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الأخرى‭.‬

هذه‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أقامت‭ ‬نظاما‭ ‬عالميا‭ ‬يهمين‭ ‬عليه‭ ‬الغرب‭ ‬ويسلب‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬أي‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الحساب‭ ‬والعقاب‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬ويتيح‭ ‬لها‭ ‬مواصلة‭ ‬جرائمها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬العقاب‭.‬

باختصار‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬مقادير‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬الهمج‭ ‬والهمجية‭. ‬وهي‭ ‬أصلا‭ ‬تعتبر‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬مشروعا‭ ‬غربيا‭. ‬والدول‭ ‬الأخرى‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬عليها‭ ‬فعله‭ ‬لردع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الهمج‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا