العدد : ١٦٩٧١ - الاثنين ٠٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧١ - الاثنين ٠٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

عطاؤنا.. في بلائنا!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٤ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬كل‭ ‬نفس‭ ‬ذائقة‭ ‬الموت‭ ‬ونبلوكم‭ ‬بالشر‭ ‬والخير‭ ‬فتنة‭ ‬وإلينا‭ ‬ترجعون‮»‬‭ (‬الأنبياء‭/‬35‭).‬

إذًا،‭ ‬فالابتلاء‭ ‬امتحان،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬بالشر‭ ‬والخير،‭ ‬والغاية‭ ‬منه‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يفضي‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬رضا‭ ‬أو‭ ‬سخط،‭ ‬والآن‭ ‬دعونا‭ ‬نتتبع‭ ‬ما‭ ‬يثمر‭ ‬من‭ ‬عطاء‭ ‬مبرور،‭ ‬ومن‭ ‬سعى‭ ‬مشكور،‭ ‬يقول‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬فيما‭ ‬يرويه‭ ‬عن‭ ‬ربه‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬القدسي،‭ ‬يقول‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬‮«‬يا‭ ‬ابن‭ ‬آدم،‭ ‬مرضت‭ ‬فلم‭ ‬تعدني‭ ‬قال‭: ‬يا‭ ‬رب‭ ‬وكيف‭ ‬أعودك‭ ‬وأنت‭ ‬رب‭ ‬العالمين؟‭! ‬قال‭: ‬أما‭ ‬علمت‭ ‬أن‭ ‬عبدي‭ ‬فلانًا‭ ‬مرض‭ ‬فلم‭ ‬تعده؟‭ ‬أما‭ ‬علمت‭ ‬أنك‭ ‬لو‭ ‬عدته‭ ‬لوجدتني‭ ‬عنده؟‭ ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬استطعمتك‭ ‬فلم‭ ‬تطعمني،‭ ‬قال‭: ‬يا‭ ‬رب،‭ ‬وكيف‭ ‬أطعمك‭ ‬وأنت‭ ‬رب‭ ‬العالمين؟‭!‬

قال‭: ‬أما‭ ‬علمت‭ ‬أنه‭ ‬استطعمك‭ ‬عبدي‭ ‬فلانًا،‭ ‬فلم‭ ‬تطعمه؟‭ ‬أما‭ ‬علمت‭ ‬أنك‭ ‬لو‭ ‬أطعمته‭ ‬لوجدت‭ ‬ذلك‭ ‬عندي،‭ ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬استسقيتك،‭ ‬فلم‭ ‬تسقني،‭ ‬قال‭: ‬كيف‭ ‬أسقيك‭ ‬وأنت‭ ‬رب‭ ‬العالمين؟‭! ‬قال‭: ‬استسقاء‭ ‬عبدي‭ ‬فلان‭ ‬فلم‭ ‬تسقه،‭ ‬أما‭ ‬علمت‭ ‬أنك‭ ‬لو‭ ‬أسقيته‭ ‬وجدت‭ ‬ذلك‭ ‬عندي‮»‬‭ ‬صحيح‭ ‬مسلم‭.‬

ولقد‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬عائشة‭ (‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنها‭) ‬تنظف‭ ‬الدينار‭ ‬وتعطره،‭ ‬وحين‭ ‬يسألها‭ ‬ابن‭ ‬أختها‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬الزبير‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما‭) ‬عن‭ ‬السبب،‭ ‬فكانت‭ ‬تقول‭ ‬له‭: ‬لأنه‭ ‬يقع‭ ‬بيد‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬الفقير‭!‬

ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬الإخلاص‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬يقرب‭ ‬العبد‭ ‬من‭ ‬ربه‭ ‬سبحانه،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬كلا‭ ‬لا‭ ‬تطعه‭ ‬واسجد‭ ‬واقترب‮»‬‭ (‬العلق‭/‬19‭).‬

والعمل‭ ‬أيًا‭ ‬كان‭ ‬نوعه‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬صالحًا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتوافر‭ ‬فيه‭ ‬شرطان،‭ ‬الأول‭: ‬الإخلاص،‭ ‬والثاني‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حلالًا‭ ‬طيبًا‭ ‬في‭ ‬كسبه‭ ‬وإنفاقه‭.‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬الحديث‭ ‬القدسي‭ ‬الذي‭ ‬رواه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬عن‭ ‬ربه‭ ‬عز‭ ‬وجل،‭ ‬ومن‭ ‬بشائر‭ ‬قبول‭ ‬العمل‭ ‬الصالح‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬تجدد‭ ‬الرغبة‭ ‬عند‭ ‬المؤمن‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الصالح،‭ ‬والتقرب‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وهذا‭ ‬أعظم‭ ‬عطاء‭ ‬يستشعره‭ ‬المسلم‭ ‬حين‭ ‬يقع‭ ‬به‭ ‬البلاء‭.‬

ومن‭ ‬عظمة‭ ‬البلاء‭ ‬وعطائه‭ ‬أنه‭ ‬مطهرة‭ ‬للذنوب،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬العبد‭ ‬يتصدق،‭ ‬ويثابر‭ ‬في‭ ‬الصدقة‭ ‬حتى‭ ‬يمشي‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وليس‭ ‬عليه‭ ‬خطيئة‭. ‬ومن‭ ‬عطاء‭ ‬البلاء‭ ‬أيضًا‭ ‬الرفعة‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬العبد،‭ ‬وكلما‭ ‬اشتد‭ ‬البلاء‭ ‬بالمؤمن،‭ ‬فهذا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬صدق‭ ‬إيمانه،‭ ‬وقوة‭ ‬يقينه،‭ ‬وأنه‭ ‬من‭ ‬عباد‭ ‬الله‭ ‬المُخلصين‭.‬

ومن‭ ‬عطاء‭ ‬البلاء‭ ‬لصاحبه‭ ‬أنه‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬حب‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬له‭. ‬

والله‭ ‬تعالى‭ ‬يعطي‭ ‬على‭ ‬القليل‭ ‬الكثير،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬مثل‭ ‬الذين‭ ‬ينفقون‭ ‬أموالهم‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬كمثل‭ ‬حبة‭ ‬أنبتت‭ ‬سبع‭ ‬سنابل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سنبلة‭ ‬مائة‭ ‬حبة‭ ‬والله‭ ‬يضاعف‭ ‬لمن‭ ‬يشاء‭ ‬والله‭ ‬واسع‭ ‬عليم‮»‬‭ (‬البقرة‭/‬261‭).‬

حبة‭ ‬واحدة‭ ‬تؤتي‭ ‬ثمارًا‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬عَدَّ‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬حصر،‭ ‬ألم‭ ‬يقل‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: ‬‮«‬ألم‭ ‬تر‭ ‬كيف‭ ‬ضرب‭ ‬الله‭ ‬مثلًا‭ ‬كلمة‭ ‬طيبة‭ ‬كشجرة‭ ‬طيبة‭ ‬أصلها‭ ‬ثابت‭ ‬وفرعها‭ ‬في‭ ‬السماء‭ (‬24‭) ‬تؤتي‭ ‬أكلها‭ ‬كل‭ ‬حين‭ ‬بإذن‭ ‬ربها‭ ‬ويضرب‭ ‬الله‭ ‬الأمثال‭ ‬للناس‭ ‬لعلهم‭ ‬يتذكرون‭ (‬25‭)‬‮»‬‭ (‬إبراهيم‭).‬

وهناك‭ ‬عطاء‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬مع‭ ‬بقاء‭ ‬رأس‭ ‬مال‭ ‬العبد،‭ ‬ويتحقق‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬القرض‭ ‬الحسن‭ ‬الًذي‭ ‬يحتفظ‭ ‬فيه‭ ‬العبد‭ ‬بماله‭ ‬مع‭ ‬تفريج‭ ‬كربة‭ ‬المؤمن‭ ‬عند‭ ‬الحاجة،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬من‭ ‬الذي‭ ‬يقرض‭ ‬الله‭ ‬قرضًا‭ ‬حسنًا‭ ‬فيضاعفه‭ ‬له‭ ‬أضعافًا‭ ‬كثيرة‭ ‬والله‭ ‬يقبض‭ ‬ويبسط‭ ‬وإليه‭ ‬ترجعون‮»‬‭ (‬البقرة‭/‬245‭).‬

وتأملوا‭ ‬سعة‭ ‬العطاء‭ ‬الإلهي‭ ‬وعلو‭ ‬منزلة‭ ‬المؤمن‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬أخيه‭ ‬المؤمن،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: ‬‮«‬‭.. ‬إنما‭ ‬يوفى‭ ‬الصابرون‭ ‬أجرهم‭ ‬بغير‭ ‬حساب‮»‬‭ (‬الزمر‭/‬10‭).‬

وجملة‭ ‬‮«‬بغير‭ ‬حساب‮»‬‭ ‬التي‭ ‬ختمت‭ ‬بها‭ ‬الآية‭ ‬الجليلة‭ (‬10‭) ‬من‭ ‬سورة‭ ‬الزمر‭ ‬تفيد‭ ‬مرة‭ ‬بغير‭ ‬حساب‭ ‬أي‭ ‬بلا‭ ‬حَدَّ،‭ ‬وتأتي‭ ‬مرة‭ ‬بمعنى‭ ‬بلا‭ ‬محاسبة‭ ‬ولا‭ ‬مساءلة‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬العطاء‭ ‬للصابرين‭ ‬على‭ ‬البلاء،‭ ‬الشاكرين‭ ‬في‭ ‬السراء‭. ‬

وبعد،‭ ‬فلا‭ ‬تشغل‭ ‬نفسك‭ ‬ووقتك‭ ‬بعَدِّ‭ ‬ما‭ ‬عند‭ ‬غيرك‭ ‬من‭ ‬النعم،‭ ‬بل‭ ‬اشغل‭ ‬وقتك‭ ‬بحصر‭ ‬ما‭ ‬لديك‭ ‬أنت‭ ‬من‭ ‬النعم،‭ ‬ثم‭ ‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬دونك‭ ‬في‭ ‬السراء،‭ ‬وأنظر‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬فوقك‭ ‬في‭ ‬البلاء،‭ ‬فلا‭ ‬تزدري‭ ‬نعمة‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وأعلم‭ ‬أن‭ ‬لو‭ ‬كشفت‭ ‬لك‭ ‬الحجب‭ ‬لحمدت‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حباك‭ ‬من‭ ‬استقامة‭ ‬في‭ ‬أولادك،‭ ‬وصلاح‭ ‬في‭ ‬أهلك،‭ ‬وصحة‭ ‬في‭ ‬بدنك‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا