العدد : ١٦٩٧١ - الاثنين ٠٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧١ - الاثنين ٠٩ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٦ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أمريكا التي زارها نتنياهو!

بقلم: د. منار الشوربجي

الجمعة ٠٢ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

رغم‭ ‬التصفيق‭ ‬الحار‭ ‬الذي‭ ‬تخلل‭ ‬خطابه‭ ‬أمام‭ ‬الكونجرس،‭ ‬فإن‭ ‬أمريكا‭ ‬التي‭ ‬زارها‭ ‬نتنياهو‭ ‬مؤخرا‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬زارها‭ ‬قبلا‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬التي‭ ‬زارها‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬لإلقاء‭ ‬خطابه‭ ‬بالقاعة‭ ‬نفسها‭. ‬والأمر‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬الآلاف‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬احتجاجا‭ ‬على‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭. ‬فداخل‭ ‬القاعة‭ ‬نفسها،‭ ‬قاطع‭ ‬خطابه‭ ‬حوالي‭ ‬نصف‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المجلسين،‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬يزد‭ ‬عدد‭ ‬الأعضاء‭ ‬الذين‭ ‬قاطعوا‭ ‬خطابه‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬على‭ ‬58‭ ‬ديمقراطيا‭. ‬وقتها،‭ ‬رفض‭ ‬بعض‭ ‬المقاطعين‭ ‬الحضور‭ ‬لأسباب‭ ‬حزبية‭ ‬كونهم‭ ‬أدركوا‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو،‭ ‬بدعوة‭ ‬من‭ ‬الجمهوريين،‭ ‬حضر‭ ‬لتحدى‭ ‬الرئيس‭ ‬‮«‬الديمقراطي‮»‬‭ ‬أوباما‭ ‬وتقريعه‭ ‬علنا‭ ‬بسبب‭ ‬إبرام‭ ‬اتفاق‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬حول‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي‭. ‬أما‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬فإن‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬المقاطعين‭ ‬قاطعوا‭ ‬بسبب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭. ‬وحتى‭ ‬الذين‭ ‬حضروا‭ ‬من‭ ‬الديمقراطيين،‭ ‬فلم‭ ‬يكونوا‭ ‬كلهم‭ ‬من‭ ‬الداعمين‭. ‬فإلى‭ ‬جانب‭ ‬رشيدة‭ ‬طليب‭ ‬التي‭ ‬رفعت‭ ‬لافتة‭ ‬كُتب‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬مجرم‭ ‬حرب‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬مثلا‭ ‬النائب‭ ‬اليهودي‭ ‬التقدمي‭ ‬جيري‭ ‬نادلر،‭ ‬الذي‭ ‬أمسك‭ ‬بكتاب‭ ‬الصحفي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بن‭ ‬كاسبيت‭ ‬‮«‬أيام‭ ‬نتنياهو‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يوجه‭ ‬انتقادات‭ ‬لاذعة‭ ‬لنتنياهو‭ ‬وظهر‭ ‬وهو‭ ‬يقرأ‭ ‬الكتاب‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الاستماع‭ ‬للخطاب‭. ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬لأن‭ ‬نائبة‭ ‬الرئيس‭ ‬هي‭ ‬دستوريا‭ ‬رئيسة‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬التي‭ ‬تجلس‭ ‬على‭ ‬المنصة‭ ‬بجانب‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬المناسبات،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الأقدم‭ ‬عضوية،‭ ‬السيناتور‭ ‬باتي‭ ‬موراي،‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬محل‭ ‬كاملا‭ ‬هاريس‭ ‬التي‭ ‬تعللت‭ ‬بموعد‭ ‬تحدد‭ ‬منذ‭ ‬فترة،‭ ‬لكن‭ ‬موراي‭ ‬رفضت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى،‭ ‬بل‭ ‬ورفض‭ ‬من‭ ‬يليها‭ ‬في‭ ‬السلسلة،‭ ‬زعيم‭ ‬الأغلبية،‭ ‬السيناتور‭ ‬اليهودي‭ ‬تشاك‭ ‬شومر،‭ ‬فاعتلى‭ ‬المنصة‭ ‬السيناتور‭ ‬بن‭ ‬كاردين‭ ‬الذي‭ ‬سيتقاعد‭ ‬بنهاية‭ ‬مدة‭ ‬الكونجرس‭ ‬الحالي‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬الزيف‭ ‬والتلفيق‭ ‬العنوان‭ ‬الأبرز‭ ‬لخطاب‭ ‬نتنياهو‭ ‬وحده،‭ ‬إذ‭ ‬اتضح‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬مقاطعة‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأعضاء،‭ ‬تم‭ ‬استجلاب‭ ‬أشخاص‭ ‬لشغل‭ ‬المقاعد‭ ‬الشاغرة‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرات‭ ‬للإيحاء‭ ‬بأن‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬كلها‭ ‬تلتف‭ ‬حول‭ ‬نتنياهو،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬فيه‭ ‬واضحا‭ ‬لكل‭ ‬ذي‭ ‬عينين‭ ‬أن‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬عابرا‭ ‬للحزبين‭ ‬وإنما‭ ‬صار‭ ‬بين‭ ‬الجمهوريين‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭.‬

أما‭ ‬آلاف‭ ‬المحتجين‭ ‬خارج‭ ‬القاعة،‭ ‬فقد‭ ‬عاملتهم‭ ‬الشرطة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مثلما‭ ‬عاملهم‭ ‬الضيف‭ ‬الصفيق‭ ‬الذي‭ ‬أهان‭ ‬المتظاهرين‭ ‬أمام‭ ‬نوابهم‭ ‬واتهمهم‭ ‬بالعمالة‭ ‬لإيران‭. ‬وقد‭ ‬اعتقلت‭ ‬الشرطة‭ ‬الكثيرين،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬مئات‭ ‬اليهود‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الذي‭ ‬رفعوا‭ ‬شعارات‭ ‬ترفض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬باسمهم‭ ‬كيهود‭.‬

ونتنياهو‭ ‬حرص‭ ‬قبل‭ ‬خطابه‭ ‬على‭ ‬لقاء‭ ‬قيادات‭ ‬المسيحية‭ ‬الصهيونية‭ ‬الداعمة‭ ‬بشدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬الذين‭ ‬قال‭ ‬لهم‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬لدينا‭ ‬أصدقاء‭ ‬أفضل‭ ‬منكم‮»‬‭. ‬وهو‭ ‬بالفعل‭ ‬محق‭ ‬في‭ ‬ذلك‭. ‬فالمسيحية‭ ‬الصهيونية‭ ‬تيار‭ ‬ديني‭ ‬أوروبي‭ ‬أمريكي‭ ‬يؤمن‭ ‬بأن‭ ‬عودة‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭ ‬للأرض‭ ‬لن‭ ‬تتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بعودة‭ ‬اليهود‭ ‬للأرض‭ ‬المقدسة‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬في‭ ‬حقيقته‭ ‬معاد‭ ‬لليهود‭ ‬كديانة‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬مؤيد‭ ‬بشدة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬ويتجاهل‭ ‬بالمطلق‭ ‬القهر‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬المسيحيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬كالمسلمين‭ ‬منهم‭. ‬وهذا‭ ‬التيار‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬الدعم‭ ‬اللا‭ ‬محدود‭ ‬داخل‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬ترامب‭ ‬قال‭ ‬صراحة‭ ‬إن‭ ‬اعترافه‭ ‬‮«‬بالقدس‭ ‬الموحدة‭ ‬عاصمة‭ ‬لإسرائيل‮»‬‭ ‬كان‭ ‬لضمان‭ ‬دعم‭ ‬المسيحيين‭ ‬الصهاينة،‭ ‬لا‭ ‬اليهود‭ ‬الأمريكيين‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المستقبل‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬تراجع‭ ‬منظم‭ ‬حتى‭ ‬لدعم‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬لإسرائيل‭. ‬فقد‭ ‬نقلت‭ ‬تقارير‭ ‬صحفية‭ ‬عن‭ ‬دراسة‭ ‬لجامعة‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الداعمين‭ ‬لإسرائيل‭ ‬لأسباب‭ ‬دينية‭ ‬بين‭ ‬شباب‭ ‬المسيحيين‭ ‬الأصوليين‭ ‬تحت‭ ‬سن‭ ‬الثلاثين،‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬23%‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانوا‭ ‬68,9%‭ ‬عام‭ ‬2021‭.‬

باختصار،‭ ‬أمريكا‭ ‬التي‭ ‬زارها‭ ‬نتنياهو‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬أمريكا‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬تباهي‭ ‬بأنها‭ ‬في‭ ‬جيبه‭!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا