العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هذه هي ثورة 23 يوليو 1952

بقلم: د. عبدالفتاح طوقان {

السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

الزعيم‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬ضابط‭ ‬عسكري‭ ‬محترف‭ ‬باقتدار‭ ‬وممتاز‭ ‬ورائع‭ ‬ممتلئ‭ ‬بالوطنية‭ ‬الصادقة‭ ‬والأمانة‭ ‬والشرف‭ ‬حولت‭ ‬مهاراته‭ ‬التي‭ ‬تعلمها‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬1948‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬والقصص‭ ‬المؤلمة‭ ‬التي‭ ‬استمع‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬عامة‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬المستعبد‭ ‬7000‭ ‬عام‭ ‬وحالات‭ ‬القهر‭ ‬والفساد‭ ‬وانتهازية‭ ‬المستعمر‭ ‬الطامع‭ ‬في‭ ‬ثروات‭ ‬مصر‭ ‬التي‭ ‬سلمها‭ ‬حكام‭ ‬تواردوا‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬وهم‭ ‬غير‭ ‬مصريين‭ ‬لمن‭ ‬استفادوا‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬مصر‭ ‬بغير‭ ‬حق‭ ‬وتحكموا‭ ‬في‭ ‬الشعب‭ ‬ومصيره‭ ‬ولأرضه‭ ‬بمساندة‭ ‬أقلية‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬3‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬إلى‭ ‬مارد‭ ‬التحرير‭ ‬واستقلال‭ ‬الشعوب‭.‬

لقد‭ ‬استغلوا‭ ‬مصر‭ ‬وشعبها‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعامل‭ ‬بمثابة‭ ‬الأجير‭ ‬الغريب‭ ‬عن‭ ‬أرضه‭ ‬ووطنه‭ ‬بينما‭ ‬يتم‭ ‬توزيع‭ ‬ألقاب‭ ‬الباشوية‭ ‬والأراضي‭ ‬والأوسمة‭ ‬والهبات‭ ‬على‭ ‬شلة‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬الحاكم‭ ‬تدين‭ ‬له‭ ‬بولاء‭ ‬المنافقين،‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬أصبح‭ ‬رئيسًا‭ ‬للحكومة‭ ‬ورئيسًا‭ ‬للديوان‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬غير‭ ‬سوية‭ ‬امتدّت‭ ‬وطالت‭ ‬والدة‭ ‬الحاكم‭ ‬نفسه،‭ ‬وأصبح‭ ‬كهربائي‭ ‬إيطالي‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬القصر‭ ‬له‭ ‬الكلمة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬ونسائية‭ ‬وخُصصت‭ ‬له‭ ‬غرفة‭ ‬بالقصر‭ ‬بجانب‭ ‬غرفة‭ ‬الحاكم‭! ‬فجاءت‭ ‬الثورة‭ ‬لتنهي‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬بما‭ ‬حملته‭ ‬من‭ ‬عفن‭ ‬سياسي‭ ‬وأخلاقي‭ ‬وألغت‭ ‬الطبقات‭ ‬بين‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬وقضت‭ ‬على‭ ‬كون‭ ‬العمال‭ ‬المصريين‭ ‬سلعًا‭ ‬تُباع‭ ‬وتُشترى‭ ‬وحررت‭ ‬الفلاحين‭ ‬ونهضت‭ ‬بحالهم‭ ‬وأصدرت‭ ‬قوانين‭ ‬الإصلاح‭ ‬الزراعي‭ ‬وأعادت‭ ‬توزيع‭ ‬الأراضي‭ ‬وقضت‭ ‬على‭ ‬سيطرة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الزراعة‭ ‬أو‭ ‬الصناعة‭.‬

جاء‭ ‬عبدالناصر‭ ‬محررًا‭ ‬وصاحب‭ ‬فكر‭ ‬قومي‭ ‬هو‭ ‬وزملاؤه‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار‭ ‬لمواجهة‭ ‬الاستعمار‭ ‬وتكريس‭ ‬الكرامة‭ ‬وإعادة‭ ‬الحقوق‭ ‬للشعب‭ ‬المصري‭ ‬والشعب‭ ‬العربي‭ ‬والإفريقي،‭ ‬وحمل‭ ‬مشعل‭ ‬استقلال‭ ‬الشعوب‭ ‬وحريتها‭ ‬ما‭ ‬أزعج‭ ‬الغرب‭ ‬المستعمر‭ ‬وعملاءه‭ ‬من‭ ‬الرجعية‭ ‬العربية‭ ‬الحاكمة‭ ‬والمعينة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الاستعمار‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬زبانية‭ ‬الاستعمار‭ ‬لخدمة‭ ‬مصالح‭ ‬الغرب‭ ‬متعدية‭ ‬على‭ ‬مصر‭. ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬الثورة‭ ‬مشروع‭ ‬مصانع‭ ‬الحديد‭ ‬والصلب‭ ‬ومشروع‭ ‬السد‭ ‬العالي‭ ‬الذي‭ ‬رفع‭ ‬نصيب‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬وأسهم‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬الرقعة‭ ‬المزروعة‭ ‬بنحو‭ ‬1‭.‬4‭ ‬مليون‭ ‬فدان‭ ‬وتوليد‭ ‬1‭.‬4‭ ‬مليون‭ ‬كيلووات‭/‬ساعة‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬كهرباء‭ ‬وحمى‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬الفيضانات‭ ‬ودورات‭ ‬الجفاف‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحدث‭ ‬مع‭ ‬الفيضانات‭ ‬المنخفضة‭.‬

لقد‭ ‬سمح‭ ‬عبدالناصر‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭ ‬والإفريقي‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬بأن‭ ‬تستيقظ‭ ‬وتثور‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬وأن‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬وحقوق‭ ‬شعوبها‭. ‬وكانت‭ ‬الثورة‭ ‬المصرية‭ ‬البيضاء‭ ‬دون‭ ‬إراقة‭ ‬دماء‭ ‬إيجابية‭ ‬لها‭ ‬إنجازات‭ ‬لا‭ ‬تُنسى،‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬المجيدة‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬بمصر‭ ‬إلى‭ ‬مسار‭ ‬سياسي‭ ‬واقتصادي‭ ‬جديد،‭ ‬أفضل‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬ملكية‭ ‬مدعومة‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬وسمحت‭ ‬للمصريين‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬بأن‭ ‬يحكموا‭ ‬أنفسهم‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬إقرار‭ ‬الديمقراطية‭.‬

النتيجة‭ ‬الإجمالية‭ ‬لتحرك‭ ‬عبدالناصر‭ ‬وزملائه‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار‭ ‬هي‭ ‬نشر‭ ‬وعي‭ ‬كبير‭ ‬بالأهمية‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وبعد‭ ‬72‭ ‬عامًا‭ ‬نجحت‭ ‬الثورة‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬تجريد‭ ‬المحتلين‭ ‬والمستعمرين‭ ‬الغربيين‭ ‬من‭ ‬أجزاء‭ ‬ودول‭ ‬تغيرت‭ ‬وانتصرت‭ ‬لحقوقها‭ ‬وأوجدت‭ ‬الثورة‭ ‬قاعدة‭ ‬لمناضل‭ ‬يستحق‭ ‬التكريم‭ ‬لفهمه‭ ‬ورؤيته‭ ‬المستقبلية‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬يحتضر‭ ‬ويُسرق‭ ‬ويُقسّم‭ ‬بيد‭ ‬مستعمر‭ ‬شرس‭ ‬طامع‭ ‬في‭ ‬ثروات‭ ‬الأمة‭ ‬وله‭ ‬تابعون‭ ‬زرعهم‭ ‬في‭ ‬خاصرة‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ليكونوا‭ ‬مساندين‭ ‬للصهيونية‭ ‬وكيانًا‭ ‬مصطنعًا‭ ‬مدعومًا‭ ‬بحكام‭ ‬كشفتهم‭ ‬أحداث‭ ‬غزة‭ ‬الأخيرة‭ ‬ومعاهدات‭ ‬استسلام‭ ‬مسكونة‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬تحت‭ ‬ادعاء‭ ‬بطولات‭ ‬كاذبة‭.‬

فهم‭ ‬عبدالناصر‭ ‬واكتشف‭ ‬مبكرًا‭ ‬الروايات‭ ‬المأساوية‭ ‬لاستعمار‭ ‬الشعوب‭ ‬وأسلوب‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬زعزعة‭ ‬الاستقرار‭ ‬وسرقة‭ ‬ثروات‭ ‬الأوطان‭ ‬فتم‭ ‬التآمر‭ ‬عليه‭ ‬لكسر‭ ‬صورته‭ ‬الجماهيرية‭ ‬فكانت‭ ‬حربًا‭ ‬مفتعلة‭ ‬أمريكية‭ ‬بريطانية‭ ‬فرنسية‭ ‬إسرائيلية‭ ‬متكررة‭ ‬في‭ ‬1956‭ ‬و1967‭ ‬وبدعم‭ ‬من‭ ‬رجعية‭ ‬عربية‭ ‬مكروهة‭ ‬شعبيًا‭ ‬ومضطربة‭ ‬تخشى‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬اقتلاع‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬لها‭ ‬والثورة‭ ‬عليها‭.‬

ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬1952‭ ‬محفورة‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬والعربي‭ ‬وأصداؤها‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬تضيء‭ ‬الأوطان،‭ ‬فقد‭ ‬فجرت‭ ‬براكين‭ ‬الغضب‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬وحررت‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬الوهن‭ ‬والذل‭ ‬وأنارت‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬وطن‭ ‬حر‭ ‬مستقل‭ ‬ذي‭ ‬كرامة‭ ‬واحترام‭ ‬يرفع‭ ‬فيه‭ ‬الإنسان‭ ‬رأسه،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الزعيم‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬‮«‬فقد‭ ‬مضى‭ ‬عهد‭ ‬الاستعمار‮»‬‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا