العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العرب والتصدي لحملات التضليل الإعلامي الصهيونية في العالم بشأن جرائم إسرائيل

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الخميس ١١ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

هَسْبَرَة‭ ‬أو‭ ‬هاسبارا‭ ‬كلمة‭ ‬عبرية‭ ‬تعني‭ ‬‮«‬الشرح‭ ‬والتفسير‮»‬،‭ ‬وتشير‭ ‬إلى‭ ‬جهود‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬لنشر‭ ‬‮«‬المعلومات‮»‬‭ ‬الإيجابية‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬أو‭ ‬الدعاية‭ ‬لـ‮«‬دولة‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وشرح‭ ‬سياساتها‭ ‬وتبرير‭ ‬أفعالها،‭ ‬وتستخدم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ومؤيديها‭ ‬كـ«تقنية‭ ‬دبلوماسية‮»‬‭ ‬لربط‭ ‬حرب‭ ‬المعلومات‭ ‬بالأهداف‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬دولة‭ ‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬ولوصف‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬وأنصارها‭ ‬من‭ ‬الصهيونيين‭ ‬والمتصهينين‭ ‬لتوضيح‭ ‬وجهة‭ ‬نظرها،‭ ‬وتعزيزها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ما‭ ‬تعتبره‭ ‬بالإعلام‭ ‬‮«‬السلبي‮»‬،‭ ‬ومواجهة‭ ‬ما‭ ‬تعتبره‭ ‬محاولات‭ ‬نزع‭ ‬الشرعية‭ ‬عن‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬ومعاداتها‭ ‬واستهدافها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭. ‬كما‭ ‬هي‭ ‬تهدف‭ ‬اساساً‭ ‬إلى‭ ‬تكوين‭ ‬صورة‭ ‬إيجابية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬على‭ ‬المسرح‭ ‬العالمي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خطوات‭ ‬وبرامج‭ ‬موظفة‭ ‬للتأثير‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬الأجنبية‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭.‬

لطالما‭ ‬اعتمدت‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬على‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الدبلوماسية‭ ‬الشعبية‭ ‬العامة‮»‬‭ ‬في‭ ‬تبييض‭ ‬صفحتها‭ ‬والتلاعب‭ ‬بالرأي‭ ‬العام‭. ‬ومع‭ ‬تصاعد‭ ‬اعتداءاتها‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬يستمر‭ ‬تأطير‭ ‬الرواية‭ ‬السائدة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تداولها‭ ‬غالبًا‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬بشكل‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬الرواية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬والتي‭ ‬تصور‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬جهة‭ ‬فاعلة‭ ‬عقلانية‭ ‬وبريئة،‭ ‬يثيرها‭ ‬‮«‬تهديد‭ ‬إرهابي‭ ‬وجودي‭ ‬غير‭ ‬عقلاني‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬أي‭ ‬انتقاد‭ ‬لأفعال‭ ‬وجرائم‭ ‬إسرائيل‭ ‬بمثابة‭ ‬اعتذار‭ ‬فعلي‭ ‬عن‭ ‬الإرهاب‭.‬

وفي‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة،‭ ‬تسعى‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬العسكرية‭ ‬المستعرة‭ ‬في‭ ‬حصد‭ ‬أرواح‭ ‬آلاف‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬برأيها‭ ‬ما‭ ‬يبررها‭ ‬باعتبارها‭ ‬‮«‬عملية‭ ‬دفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‮»‬‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬شنها‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬واستخدامهم‭ ‬المدنيين‭ ‬كدروع‭ ‬بشرية‭! ‬ولطالما‭ ‬اهتمت‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬الإعلامية‭ ‬الصهيونية‭ ‬المرتبطة‭ ‬ببناء‭ ‬‮«‬سردية‭ ‬خاصة‮»‬‭ ‬حول‭ ‬‮«‬الأحداث‮»‬‭ ‬لكسب‭ ‬تعاطف‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬وحشد‭ ‬أكبر‭ ‬دعم‭ ‬ممكن‭. ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬السرديات‮»‬‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬العسكرية‭.‬

تدرك‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬جيدا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬ترتكب‭ ‬جرائم‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬آمنة‮»‬‭ ‬مع‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬آلة‭ ‬دعاية‭ ‬قوية‭ ‬يمكنها‭ ‬النشر‭ ‬والتجييش‭ ‬عند‭ ‬الطلب‭ ‬لمواجهة‭ ‬الإدانة‭ ‬العامة‭ ‬الحتمية‭ ‬المفترضة‭ ‬والتضامن‭ ‬الدولي‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬ولإنجاز‭ ‬مهمتها،‭ ‬تستهدف‭ ‬‮«‬الهزبرة‮»‬‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬والسياسيين‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاتصالات‭ ‬المباشرة‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬عديد‭ ‬المعاهد‭ ‬والوكالات‭ ‬الحكومية،‭ ‬ومراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬والجامعات‭ ‬والمنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬وجماعات‭ ‬الضغط‭.‬

‭ ‬وتقدم‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬زمالات‭ ‬ومنحا‭ ‬دراسية‭ ‬لتعزيز‭ ‬الدعوة‭ ‬المؤيدة‭ ‬لها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يعمل‭ ‬عديد‭ ‬الصحفيين‭ ‬والمدونين‭ ‬لتكوين‭ ‬صورة‭ ‬إيجابية‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الدولة‮»‬‭ ‬لدى‭ ‬شعوب‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬توظيف‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الاتصال‭ ‬الحديثة‭ ‬ومنصات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬ربط‭ ‬للعلاقة‭ ‬العملية‭ ‬بين‭ ‬ممارسة‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬الدولية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬الشعبية‭.‬

وعبر‭ (‬الهزبرة‭)‬،‭ ‬تستمر‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬في‭ ‬تسويق‭ ‬روايتها‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬الضحية‭ ‬البريئة‭ ‬للإرهاب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬منحها‭ ‬حق‭ ‬الدفاع‭ ‬السيادي‭ ‬ضد‭ ‬‮«‬الاعتداء‭ ‬الوجودي‮»‬‭!! ‬هذا،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬احتلالها‭ ‬ومتابعة‭ ‬اعتداءاتها‭ ‬وتصعيدها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة،‭ ‬وامتلاكها‭ ‬قوة‭ ‬جوية‭ ‬متقدمة‭ ‬ضد‭ ‬خصم‭ ‬لا‭ ‬يملكها،‭ ‬وتفريغها‭ ‬مئات‭ ‬أطنان‭ ‬القنابل‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬السكان‭ ‬العزل‭! ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬انتشار‭ ‬لصور‭ ‬الدمار‭ ‬وجثث‭ ‬المدنيين‭ ‬الأبرياء‭ ‬الفلسطينيين‭ (‬والعرب‭) ‬الممزقة‭ ‬أوصالهم‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬يضطر‭ ‬مؤيدو‭ ‬‮«‬الهزبرة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬مضاعفة‭ ‬جهودهم‭ ‬في‭ ‬حملات‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬المنظمة‭ ‬جيدًا،‭ ‬وتبرير‭ ‬أي‭ ‬استخدام‭ ‬غير‭ ‬متكافئ‭ ‬للقوة‭!‬

لقد‭ ‬استخدمت‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وتستخدم‭ ‬مفهوم‭ ‬معاداة‭ ‬السامية،‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬التحيز‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬اليهودي‭ ‬والتعامل‭ ‬معه‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬أحكام‭ ‬مسبقة،‭ ‬لحماية‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬المساءلة،‭ ‬ولإخفاء‭ ‬حقيقة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وإنكار‭ ‬السيادة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المفهوم‭ ‬نفسه‭ ‬يستخدم‭ ‬اليوم‭ ‬لتبرير‭ ‬عدوان‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ (‬والضفة‭ ‬الغربية‭) ‬وإسكات‭ ‬الانتقادات‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬وكذريعة‭ ‬لارتكاب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬بقصد‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭.‬

ونظن‭ ‬وليس‭ ‬كل‭ ‬الظن‭ ‬إثما‭ ‬أنه‭ ‬مازال‭ ‬في‭ ‬جعبة‭ ‬أو‭ ‬ترسانة‭ ‬مهندسي‭ ‬‮«‬الهزبرة‮»‬‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬التي‭ ‬سيلجؤون‭ ‬إليها‭ ‬عاجلا‭ ‬أم‭ ‬آجلا‭ ‬لاستعادة‭ ‬‮«‬الصورة‭ ‬الزاهية‮»‬‭ ‬للدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬ولمحو‭ ‬صورتها‭ ‬القبيحة‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬بعده‭. ‬

وربما‭ ‬كان‭ ‬‮«‬التكتيك‮»‬‭ ‬الأكثر‭ ‬شيوعًا‭ ‬هو‭ ‬الإمعان‭ ‬في‭ ‬ربط‭ ‬أي‭ ‬انتقاد‭ ‬للسياسات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬سواء‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬أو‭ ‬الاستعمار‭/ ‬الاستيطان‭ ‬غير‭ ‬القانوني‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العدوان‭ ‬أو‭ ‬الجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬بـتهمة‭ ‬‮«‬معاداة‭ ‬السامية‮»‬‭ ‬المعلبة‭ ‬والجاهزة‭.‬

والحال‭ ‬كذلك،‭ ‬وعلى‭ ‬درب‭ ‬تكريس‭ ‬عملية‭ ‬تحول‭ ‬‮«‬الهزبرة‮»‬‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الى‭ ‬‮«‬زعبرة‮»‬‭ ‬مكشوفة‭ ‬عالمياً،‭ ‬هل‭ ‬نسارع،‭ ‬من‭ ‬الآن،‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬مؤسسة‭ ‬إعلامية‭ ‬تستفيد‭ ‬اساساً‭ ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬الإعلامية‭ ‬المتحققة‭ ‬فلسطينياً‭ ‬وتقوم‭ ‬بتجنيد‭ (‬والاهم‭: ‬مأسسة‭) ‬الصورة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬القبيحة‭ ‬التي‭ ‬تكرست‭ ‬منذ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وكذلك‭ ‬مأسسة‭ ‬السردية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وما‭ ‬تتضمنه‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬الطويلة‭ ‬والحقوق‭ ‬المسلوبة‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬وقف‭ ‬تلك‭ ‬المعاناة‭ ‬واسترداد‭ ‬تلك‭ ‬الحقوق؟‭ ‬ذلكم‭ ‬هو‭ ‬التحدي‭ ‬الكبير‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا