العدد : ١٦٩٠٤ - الخميس ٠٤ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ ذو الحجة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٩٠٤ - الخميس ٠٤ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ ذو الحجة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

حتى لا تكون الإجازة الصيفية كابوسا

بقلم: د. نبيل العسومي

الثلاثاء ٠٢ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

تتصادف‭ ‬الإجازة‭ ‬المدرسية‭ ‬السنوية‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬موسم‭ ‬الصيف‭ ‬وما‭ ‬يرافقه‭ ‬من‭ ‬حرارة‭ ‬عالية‭ ‬تتراوح‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬بين‭ ‬45‭ ‬و50‭ ‬درجة‭ ‬مئوية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬الرطوبة‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬100%‭ ‬والتي‭ ‬تستمر‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬مما‭ ‬يخلق‭ ‬مشاكل‭ ‬عديدة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬طلبة‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استحالة‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الفضاءات‭ ‬المفتوحة‭ ‬مثل‭ ‬الحدائق‭ ‬العامة‭ ‬والشواطئ‭ ‬البحرية‭ ‬القليلة،‭ ‬مما‭ ‬يضيق‭ ‬من‭ ‬الحركة‭ ‬والاستمتاع‭ ‬بأوقات‭ ‬الفراغ‭ ‬الطويلة‭.‬

ويواجه‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬معضلة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الفترة‭ ‬تطول‭ ‬من‭ ‬منتصف‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬أي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬ونصف‭ ‬الشهر،‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬من‭ ‬جلوس‭ ‬أبنائهم‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬برامج‭ ‬تشغل‭ ‬وقت‭ ‬فراغهم‭ ‬بالمفيد‭ ‬من‭ ‬الأنشطة،‭ ‬ولذلك‭ ‬يندفع‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬أو‭ ‬الإبحار‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬في‭ ‬عوالم‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬مفيدة‭ ‬بل‭ ‬تكون‭ ‬مضرة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬أبنائهم‭ ‬وعقولهم‭ ‬ونفسياتهم،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الاستخدام‭ ‬المفرط‭ ‬للتليفون‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأبناء‭ ‬خلال‭ ‬أشهر‭ ‬عدة‭ ‬عرضة‭ ‬لحالات‭ ‬أصبحت‭ ‬توصف‭ ‬نفسيا‭ ‬بأنها‭ ‬قد‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬التوحد‭ ‬وقد‭ ‬أثبتت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬التربوية‭ ‬والنفسية‭ ‬ذلك‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬هنالك‭ ‬مجالات‭ ‬وفضاءات‭ ‬مفتوحة‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬الإجازة‭ ‬الصيفية‭ ‬مثل‭ ‬الأنشطة‭ ‬التي‭ ‬تنظمها‭ ‬المجمعات‭ ‬التجارية‭ ‬والسينما،‭ ‬لكنها‭ ‬تكون‭ ‬ذات‭ ‬كلفة‭ ‬مادية‭ ‬عالية‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬عليها‭ ‬كل‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬خاصة‭ ‬الألعاب‭ ‬التي‭ ‬تكلف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إحجام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬عنها‭.‬

ويعاني‭ ‬كذلك‭ ‬الطلبة‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬الشباب‭ ‬المراهقين‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‭ ‬من‭ ‬الفراغ‭ ‬وعدم‭ ‬الاستمتاع‭ ‬الأمثل‭ ‬من‭ ‬الإجازة‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬الإجازة‭ ‬كابوسا‭ ‬عليهم‭ ‬وعلى‭ ‬أسرهم‭ ‬فهؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬طاقات‭ ‬كبيرة‭ ‬وحيوية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مجالات‭ ‬وقنوات‭ ‬مثل‭ ‬الأنشطة‭ ‬والفعاليات‭ ‬والألعاب‭ ‬والسفر،‭ ‬وهذا‭ ‬طبعا‭ ‬غير‭ ‬متاح‭ ‬للجميع‭ ‬ولهذا‭ ‬يعاني‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ‭ ‬القاتل‭ ‬الممتد‭ ‬لعدة‭ ‬أشهر‭ ‬وقد‭ ‬يؤدي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬المراهقون،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬محدودية‭ ‬الإمكانيات‭ ‬أو‭ ‬محدودية‭ ‬البرامج‭ ‬والأنشطة‭ ‬المتاحة‭ ‬بالرغم‭ ‬مما‭ ‬تبذله‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬والأهلية‭ ‬من‭ ‬جهود‭ ‬كبيرة‭ ‬لوضع‭ ‬برامج‭  ‬وفعاليات‭ ‬وأنشطة‭ ‬تجذب‭ ‬الشباب‭ ‬والأطفال‭ ‬أغلبها‭ ‬مجانية،‭ ‬وهي‭ ‬جهود‭ ‬مشكورة‭ ‬ومقدرة‭ ‬لمواجهة‭ ‬الفراغ‭ ‬وتوجيه‭ ‬طاقة‭ ‬الشباب‭ ‬والأطفال‭ ‬نحو‭ ‬الجوانب‭ ‬الإيجابية‭ ‬مثل‭ ‬الرياضة‭ ‬والمسابقات‭ ‬وحفظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وتنظيم‭ ‬الفعاليات‭ ‬الكشفية‭ ‬التي‭ ‬يشارك‭ ‬فيها‭ ‬الطلبة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المراحل‭.‬

إن‭ ‬أضرار‭ ‬الفراغ‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬والشباب‭ ‬وعلى‭ ‬الأسرة‭ ‬وعلى‭ ‬المجتمع،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف،‭ ‬كبيرة‭ ‬لأن‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬الفراغ‭ ‬إلى‭ ‬جنوح‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬أو‭ ‬إغراقهم‭ ‬في‭ ‬متاهات‭ ‬عالم‭ ‬الإنترنت‭ ‬وما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬مصائب‭ ‬ومخاطر‭ ‬نفسية‭ ‬وعقلية‭ ‬ووجدانية‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬يواجه‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬أسرهم‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬حل‭ ‬أمامه‭ ‬سوى‭ ‬هذه‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المتاحة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الفراغ‭ ‬وصعوبة‭ ‬الخروج‭ ‬خارج‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحرارة‭ ‬العالية،‭ ‬حيث‭ ‬يجد‭ ‬الطفل‭ ‬نفسه‭ ‬بلا‭ ‬هدف‭ ‬وبلا‭ ‬ملاحظة‭ ‬لحياته‭ ‬اليومية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تغلق‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬أبوابها‭ ‬فإنه‭ ‬يواجه‭ ‬حالة‭ ‬نفسية‭ ‬صعبة‭ ‬في‭ ‬الغالب‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬الاسرة‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يسند‭ ‬الجهود‭ ‬الرسمية‭ ‬والأهلية‭ ‬والأندية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عمل‭ ‬خطة‭ ‬لأبنائهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬سد‭ ‬وقت‭ ‬الفراغ‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬الطفل‭ ‬بالملل‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬للفراغ‭ ‬مجالا‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الأبناء‭ ‬والبنات،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬للأسرة‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬خطة‭ ‬في‭ ‬الإجازة‭ ‬الصيفية‭ ‬تتكيف‭ ‬مع‭ ‬احتياجات‭ ‬الأبناء‭ ‬وأولوية‭ ‬رعايتهم‭ ‬والاهتمام‭ ‬بهم،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬الشباب‭ ‬منهم‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬دروس‭ ‬اجتماعية‭ ‬وثقافية‭ ‬وفنية‭ ‬ليكون‭ ‬دور‭ ‬الأسرة‭ ‬مساندا‭ ‬لدور‭ ‬الدولة‭ ‬ودور‭ ‬الجمعيات‭ ‬الاهلية،‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬وذلك‭ ‬لتوظيف‭ ‬الإمكانيات‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬الدولة‭ ‬لخدمة‭ ‬الشباب‭ ‬والأطفال‭ ‬وبالتالي‭ ‬إيجاد‭ ‬برامج‭ ‬لطلبة‭ ‬المدارس‭ ‬لسد‭ ‬الفراغ‭ ‬خلال‭ ‬الإجازة‭ ‬الصيفية‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان،‭ ‬وخصوصا‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬الرياضة‭ ‬والفنية‭ ‬تحديدا‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬موارد‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭ ‬فهي‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬والأندية‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭.‬

إذن‭ ‬هنالك‭ ‬حلول‭ ‬والمطلوب‭ ‬فقط‭ ‬حسن‭ ‬التنظيم‭ ‬وتضافر‭ ‬الجهود‭ ‬لتحويل‭ ‬الإجازة‭ ‬الصيفية‭ ‬إلى‭ ‬فرص‭ ‬لتنمية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الإبداع‭ ‬وتنمية‭ ‬المهارات‭ ‬والقدرات‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الإجازة‭ ‬الصيفية‭ ‬فرصة‭ ‬للنوم‭ ‬والكسل‭ ‬والوقوع‭ ‬في‭ ‬مستنقع‭ ‬البرامج‭ ‬الرقمية‭ ‬المضرة‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا