العدد : ١٦٩٠٣ - الأربعاء ٠٣ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ ذو الحجة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٩٠٣ - الأربعاء ٠٣ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ ذو الحجة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

الفاروق.. والجرأة على الاجتهاد!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٣٠ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

كان‭ ‬إسلامه‭ ‬نصرًا،‭ ‬وكانت‭ ‬هجرته‭ ‬فتحًا،‭ ‬وكانت‭ ‬خلافته‭ ‬رحمة‭.‬

وقالوا‭ ‬عنه‭: ‬حكمت،‭ ‬فعدلت،‭ ‬فأمنت،‭ ‬فنمت‭.. ‬يا‭ ‬عمر‭!‬

ولقد‭ ‬حرص‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬على‭ ‬أن‭ ‬ينوه‭ ‬بفضل‭ ‬أصحابه،‭ ‬وخاصة‭ ‬الرعيل‭ ‬الأول‭ ‬منهم،‭ ‬وخاصة‭ ‬خلفاءه‭ ‬الأربعة‭: ‬أبابكر‭ ‬الصدِّيق،‭ ‬وعمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب،‭ ‬وعثمان‭ ‬بن‭ ‬عَفَّان،‭ ‬وعلي‭ ‬ابن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ (‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنهم‭). ‬

واليوم‭ ‬نحن‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬أبي‭ ‬حفص،‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬الذي‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬فضائله،‭ ‬وتميزه‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬الصحابة‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‭).‬

كان‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬شخصية‭ ‬متفردة‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬يوم‭ ‬إسلامه‭: ‬إنه‭ ‬‮«‬‭ ‬الفاروق‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬قد‭ ‬فرق‭ ‬به‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬والباطل،‭ ‬وفِي‭ ‬رؤيا‭ ‬رآها‭ ‬له‭ ‬قال‭: ‬لم‭ ‬أر‭ ‬عبقريًا‭ ‬يفري‭ ‬فريه‭!‬،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭): ‬إن‭ ‬الشيطان‭ ‬ليهابك‭ ‬يا‭ ‬عمر‭!. . ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬العظيمة‭ ‬والمتميزة‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬الصحابة‭ ‬اجتهادًا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬بينهم‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬يعلن‭ ‬رأيه‭ ‬أو‭ ‬فهمه‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مخالفًا‭ ‬لبقية‭ ‬الصحابة،‭ ‬وكان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنه‭ ‬لا‭ ‬يدخر‭ ‬وسعًا،‭ ‬ولا‭ ‬يمنع‭ ‬فهمًا‭ ‬رزقه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عن‭ ‬المسلمين،‭ ‬وخاصة‭ ‬حين‭ ‬علم‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الأوامر‭ ‬والنواهي‭ ‬ليست‭ ‬كلها‭ ‬وحي‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬لا‭ ‬يتقدم‭ ‬عليها‭ ‬المسلمون‭ ‬ولا‭ ‬يتأخرون،‭ ‬فأعمل‭ ‬عقله‭ ‬ورشده‭ ‬في‭ ‬تدبر‭ ‬النص‭ ‬من‭ ‬قرآن‭ ‬وسَنَة،‭ ‬ولَم‭ ‬يكتف‭ ‬بهذا،‭ ‬بل‭ ‬أعلن‭ ‬رأيه‭ ‬أو‭ ‬فهمه‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬دون‭ ‬حرج،‭ ‬فإذا‭ ‬خالف‭ ‬فهمه‭ ‬جماعة‭ ‬المسلمين‭ ‬خضع‭ ‬لإجماعهم‭ ‬ولقد‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬أسرى‭ ‬بدر‭ ‬حين‭ ‬خالف‭ ‬عمر‭ ‬إجماع‭ ‬الصحابة،‭ ‬فنزل‭ ‬على‭ ‬رأيهم‭ ‬رغم‭ ‬الخلاف‭ ‬معهم،‭ ‬ولقد‭ ‬شجع‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬الصحابة‭ ‬على‭ ‬الاجتهاد‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬النصوص‭ ‬الدينية‭ ‬من‭ ‬قرآن‭ ‬وسَنَة،‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬شجعهم‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬فهمهم‭ ‬وإن‭ ‬خالف‭ ‬جماعة‭ ‬المسلمين،‭ ‬فإن‭ ‬رأوا‭ ‬رأي‭ ‬عمر‭ ‬صوابًا‭ ‬أخذوا‭ ‬به،‭ ‬وإن‭ ‬رأوا‭ ‬رأيه‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬الصواب‭ ‬أخذوا‭ ‬برأي‭ ‬الجماعة،‭ ‬وخاصة‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬رأي‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬في‭ ‬صفهم،‭ ‬ويكفي‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬شرفًا‭ ‬وعلو‭ ‬قَدر‭ ‬أنه‭ ‬وافق‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موضع،‭ ‬مثل‭: ‬أسرى‭ ‬بدر،‭ ‬واتخاذ‭ ‬من‭ ‬مقام‭ ‬إبراهيم‭ ‬مصلى،‭ ‬وأيضًا‭ ‬في‭ ‬حجاب‭ ‬زوجات‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬وعلم‭ ‬الصحابة‭ (‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭) ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بأمور‭ ‬الدنيا‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬يجتهدوا‭ ‬فيه،‭ ‬وأما‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالوحي،‭ ‬فعليهم‭ ‬أن‭ ‬يصدقوه‭ ‬ويسارعوا‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬به،‭ ‬وأن‭ ‬يعلنوا‭ ‬ذلك‭ ‬بقولهم‭: ‬سمعنا‭ ‬وأطعنا‭ ‬غفرانك‭ ‬ربنا‭ ‬وإليك‭ ‬المصير‭.‬

ومن‭ ‬الاجتهادات‭ ‬التي‭ ‬عمل‭ ‬بها‭ ‬وأعلنها‭ ‬للناس‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بنصيب‭ ‬المؤلفة‭ ‬قلوبهم‭ ‬حين‭ ‬علق‭ ‬العمل‭ ‬به‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬تأليف‭ ‬قلوبهم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قوي‭ ‬الإسلام‭ ‬وإذا‭ ‬احتاج‭ ‬الإسلام‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬تأليف‭ ‬قلوبهم،‭ ‬فمن‭ ‬الممكن‭ ‬إعادة‭ ‬العمل‭ ‬بهذا‭ ‬النص‭.‬

ومن‭ ‬الاجتهادات‭ ‬التي‭ ‬رآها‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عدم‭ ‬تقسيمه‭ ‬لأرض‭ ‬السواد‭ ‬باعتبارها‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬حققه‭ ‬المسلمون،‭ ‬وحفظها‭ ‬تأمينًا‭ ‬لمستقبل‭ ‬أبناء‭ ‬المسلمين‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬رفض‭ ‬كبار‭ ‬الصحابة‭ ‬لهذا‭ ‬القرار‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬وافقه‭ ‬جمع‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الصحابة،‭ ‬وكان‭ ‬اجتهادًا‭ ‬مباركا‭ ‬وموفقًا‭.‬

واجتهاده‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬حد‭ ‬السرقة‭ ‬لوجود‭ ‬شبهة‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يسرق‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬عذر،‭ ‬والحدود‭ ‬تدرأ‭ ‬بالشبهات‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬قوله‭: ‬‮«‬ادرؤوا‭ ‬الحدود‭ ‬عن‭ ‬المسلمين‭ ‬ما‭ ‬استطعتم،‭ ‬فإن‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬مخرج‭ ‬فخلوا‭ ‬سبيله‭ ‬فإن‭ ‬الإمام‭ ‬أن‭ ‬يخطئ‭ ‬في‭ ‬العفو‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يخطئ‭ ‬في‭ ‬العقوبة‮»‬‭ ‬البخاري‭.‬

ولقد‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬شبه‭ ‬إجماع‭ ‬على‭ ‬أقضية‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬ابن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬لما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬الخلافة‭ ‬مختارة‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬أخواله‭ ‬أن‭ ‬يأتوه‭ ‬بأقضية‭ ‬عمر‭ ‬لتكون‭ ‬له‭ ‬مرجعًا‭ ‬في‭ ‬أقضيته‭ ‬حين‭ ‬تتشابه‭ ‬علة‭ ‬ما‭ ‬يرفع‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬والعلة‭ ‬التي‭ ‬أصدر‭ ‬بموجبها‭ ‬هذه‭ ‬الأقضية‭ ‬العمرية‭.‬

إذًا،‭ ‬فقد‭ ‬صار‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬وأحكامه‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الشريعة‭ ‬وخاصة‭ ‬أنها‭ ‬جاءت‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مصدر‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬الشريعة‭ ‬وهو‭ ‬الإجماع‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب،‭ ‬ثاني‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭.. ‬فاروق‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬وعبقريها‭.. ‬الرجل‭ ‬الصالح‭ ‬الذي‭ ‬استفاد‭ ‬من‭ ‬مستجدات‭ ‬العصر‭ ‬ونقلها‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬جرأة‭ ‬يحسد‭ ‬عليها،‭ ‬ويعتبر‭ ‬المؤسس‭ ‬الحقيقي‭ ‬لدولة‭ ‬الإسلام‭ ‬الراشدة‭ ‬المباركة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا