العدد : ١٦٩٠١ - الاثنين ٠١ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ذو الحجة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٩٠١ - الاثنين ٠١ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ذو الحجة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

الكيان الصهيوني ارتكب جميع أنواع الإبادة

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الخميس ٢٧ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬الشاملة‭ ‬والجماعية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬ضد‭ ‬المجتمعات‭ ‬البشرية،‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬الأنواع‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬خلال‭ ‬أشهر‭ ‬الحرب‭ ‬الهمجية‭ ‬والبربرية‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬منذ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭. ‬وهذا‭ ‬الإجرام‭ ‬الشامل‭ ‬والجماعي‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬سابقة‭ ‬تاريخية‭ ‬تُمثل‭ ‬صفحة‭ ‬سوداء‭ ‬مظلمة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية،‭ ‬فلم‭ ‬يشهد‭ ‬التاريخ‭ ‬قط‭ ‬في‭ ‬عمره‭ ‬الطويل،‭ ‬قيام‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬بقعة‭ ‬من‭ ‬عالمنا‭ ‬الواسع‭ ‬الكبير‭ ‬بكل‭ ‬أنواع‭ ‬الإبادة‭ ‬لأي‭ ‬مجتمع‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد،‭ ‬وفي‭ ‬زمن‭ ‬محدود‭ ‬وقصير‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬الحروب‭.‬

فمن‭ ‬أكثر‭ ‬أنواع‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬شيوعاً‭ ‬وتوثيقاً‭ ‬ووضوحاً‭ ‬هو‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للبشر‭ (‬Genocide‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تعريفها‭ ‬بأنها‭: ‬‮«‬التدمير‭ ‬المتعمد‭ ‬والمنهجي‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬بسبب‭ ‬عرقهم،‭ ‬أو‭ ‬جنسيتهم،‭ ‬أو‭ ‬دينهم،‭ ‬أو‭ ‬أصلهم‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للبشر‭ ‬صُنِّفت‭ ‬بإجماع‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬كجريمة‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اتفاقيات‭ ‬دولية‭ ‬قد‭ ‬وثقت‭ ‬وعرَّفت‭ ‬بالتفصيل‭ ‬هذا‭ ‬النوع،‭ ‬وأولها‭ ‬اتفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬لعام‭ ‬1948‭. ‬

فالأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬اعترفْت‭ ‬رسمياً‭ ‬بعدة‭ ‬مجازر‭ ‬بشرية‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬وصنفتها‭ ‬كجرائم‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬وجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬منها‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الشاملة‭ ‬في‭ ‬رواندا،‭ ‬ومجزرة‭ ‬صبرا‭ ‬وشاتيلا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الصهاينة،‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للمسلمين‭ ‬البوسنيين‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الصرب‭ ‬في‭ ‬سربرنيشا‭.‬

واليوم‭ ‬نشهد‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬للإنسان‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة‭ ‬وبالنقل‭ ‬المباشر‭ ‬حياً‭ ‬أمامنا‭ ‬دقيقة‭ ‬بدقيقة،‭ ‬وساعة‭ ‬بساعة،‭ ‬فلا‭ ‬يحتاج‭ ‬إثابتها‭ ‬إلى‭ ‬دليل‭ ‬علمي،‭ ‬أو‭ ‬تقارير‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬ينكر‭ ‬وجودها،‭ ‬ويتجاهل‭ ‬وقوعها‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬اعترفت‭ ‬رسمياً‭ ‬بهذه‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬كما‭ ‬اعترفت‭ ‬بها‭ ‬أيضاً‭ ‬منظمة‭ ‬أممية‭ ‬أخرى‭ ‬هي‭ ‬المفوضية‭ ‬السامية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬تقريرها‭ ‬الأخير‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬يونيو‭ ‬2024‭. ‬

والنوع‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬تعترف‭ ‬بها‭ ‬منظمات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬هي‭ ‬الإبادة‭ ‬الشاملة‭ ‬للحجر‭ ‬والمرافق‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة،‭ ‬حيث‭ ‬تُصنَّف‭ ‬كذلك‭ ‬كجريمة‭ ‬حرب‭ ‬دولية‭.‬

وهنا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أُقسم‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬إلى‭ ‬صنفين‭ ‬رئيسين،‭ ‬الأول‭ ‬الإبادة‭ ‬الشاملة‭ ‬للسكن‭ ‬والعمارات‭ ‬والمباني‭ ‬التي‭ ‬يقيم‭ ‬فيها‭ ‬ويسكن‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للإنسان‭ ‬العيش‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬ومنتجة‭ ‬ومستدامة‭ ‬بدون‭ ‬هذه‭ ‬المساكن‭ ‬التي‭ ‬تأويه‭. ‬والثاني‭ ‬فهو‭ ‬الإبادة‭ ‬الشاملة‭ ‬للتراث‭ ‬البشري،‭ ‬وتدمير‭ ‬المرافق‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬بُعد‭ ‬ثقافي‭ ‬وإنساني،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدولة‭ ‬نفسها‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬البشرية‭ ‬جمعاء‭.‬

أما‭ ‬الصنف‭ ‬الأول‭ ‬فيُطلق‭ ‬عليه‭ ‬رسمياً‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬دُوْمِيسَيدْ‮»‬‭ (‬domicide‭)‬،‭ ‬وأصله‭ ‬عبارة‭ ‬لاتينية‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬كلمتين،‭ ‬الأولى‭ (‬domus‭) ‬بمعنى‭ ‬بيت‭ ‬ومنزل،‭ ‬والثانية‭ (‬cide‭) ‬أو‭ (‬caedo‭) ‬بمعنى‭ ‬القتل‭ ‬المتعمد،‭ ‬والتعريف‭ ‬الدولي‭ ‬هو‭: ‬‮«‬التدمير‭ ‬المتعمد‭ ‬الشامل‭ ‬لأماكن‭ ‬السكن‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬المنطقة‭ ‬غير‭ ‬صالحة‭ ‬وغير‭ ‬ملائمة‭ ‬للحياة‮»‬،‭ ‬كذلك‭ ‬هناك‭ ‬تعريف‭ ‬آخر‭ ‬هو‭: ‬‮«‬التدمير‭ ‬المتعمد‭ ‬والمنهجي‭ ‬للمنازل‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الأساسية‭ ‬بحيث‭ ‬يصبح‭ ‬المكان‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للسكن‭ ‬والحياة‮»‬‭. ‬

أما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ففي‭ ‬28‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022‭ ‬نشرتْ‭ ‬‮«‬مفوضية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬العليا‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‮»‬‭ ‬تقريراً‭ ‬من‭ ‬إعداد‭ ‬‮«‬بالاكريشنان‭ ‬راجاغوبال‮»‬‭ (‬Balakrishnan‭ ‬Rajagopal‭) ‬المقرر‭ ‬الخاص‭ ‬بالحَقْ‭ ‬في‭ ‬السكن‭ ‬اللائق‭. ‬وجاء‭ ‬التقرير‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬يجب‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالـ‭(‬دُوْمِيسَايد‭) ‬كجريمة‭ ‬دولية‮»‬،‭ ‬وأكد‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬عُرض‭ ‬على‭ ‬الجمعية‭ ‬العمومية‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أهمية‭ ‬الاعتراف‭ ‬بهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬الشاملة‭ ‬كجريمة‭ ‬حرب‭ ‬دولية‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭.‬

وفي‭ ‬29‭ ‬يناير‭ ‬2024،‭ ‬نَشر‭ ‬هذا‭ ‬المقرر‭ ‬الأممي‭ ‬الخاص‭ ‬بالسكن‭ ‬اللائق‭ ‬مقالاً‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬النيويورك‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬لماذا‭ ‬يجب‭ ‬تصنيف‭ ‬‮«‬الدوموسيد‮»‬‭ ‬كجريمة‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬شامل‭ ‬للسكن‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الخدمية‭ ‬للمدنيين‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬جريمة‭ ‬حرب،‭ ‬لما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬التعدي‭ ‬الواضح‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الأساسية‭ ‬والتي‭ ‬منها‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬السكان‭ ‬المناسب‭ ‬والملائم‭ ‬الذي‭ ‬يجعله‭ ‬يعيش‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬ولائقة‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تدمير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الخدمية‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬كمحطات‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء،‭ ‬والماء،‭ ‬ومعالجة‭ ‬مياه‭ ‬المجاري‭ ‬وغيرها‭.‬

أما‭ ‬الصنف‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬الإبادة‭ ‬الشاملة‭ ‬للتراث‭ ‬الإنساني‭ ‬التاريخي،‭ ‬وهناك‭ ‬معاهدة‭ ‬أممية‭ ‬تُشرف‭ ‬عليها‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬اليونسكو‮»‬‭ ‬حول‭ ‬التراث‭ ‬الإنساني‭ ‬الطبيعي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والتراث‭ ‬الإنساني‭ ‬الثقافي‭ ‬والتاريخي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬التدمير‭ ‬الشامل‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإرث‭ ‬الإنساني‭ ‬الفريد‭ ‬من‭ ‬نوعه،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لم‭ ‬تُصنفه‭ ‬بعد‭ ‬ضمن‭ ‬تصنيفات‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬أو‭ ‬الجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭. ‬فما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬خسارة‭ ‬ثقافية‭ ‬وتراثية‭ ‬إنسانية‭ ‬ليس‭ ‬للمجتمع‭ ‬الإسلامي‭ ‬العربي‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬للمجتمع‭ ‬المسيحي‭ ‬واليهودي‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬حدٍ‭ ‬سواء‭.‬

فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬المسجد‭ ‬العمري‭ ‬العظيم‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تدميره،‭ ‬ولهذا‭ ‬الجامع‭ ‬الأثري‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬التاريخية،‭ ‬والثقافية،‭ ‬والفنية‭ ‬المعمارية،‭ ‬حيث‭ ‬يُقدر‭ ‬عمره‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬1500‭ ‬عام،‭ ‬وشهد‭ ‬تغييرات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬هويته‭. ‬كذلك‭ ‬هناك‭ ‬الكنيسة‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬الشرقية‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬الزيتون‭ ‬القديم‭ ‬وتُعتبر‭ ‬ثالث‭ ‬أقدم‭ ‬كنيسة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬حيث‭ ‬تَعُود‭ ‬أصولها‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬أو‭ ‬عام‭ ‬407،‭ ‬وتُعرف‭ ‬بكنيسة‭ ‬القديس‭ ‬‮«‬برفيريوس‮»‬‭ (‬Saint‭ ‬Porphyrius‭).‬

وأما‭ ‬النوع‭ ‬الثالث‭ ‬والأخير‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬أيدي‭ ‬الغدر‭ ‬والهمجية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فهو‭ ‬التدمير‭ ‬الشامل‭ ‬للبيئة‭ ‬الطبيعية‭ ‬الحية‭ ‬الأصلية،‭ ‬أو‭ ‬الإبادة‭ ‬الشاملة‭ ‬للتنوع‭ ‬الإحيائي‭ ‬الفطري‭ ‬من‭ ‬الأشجار‭ ‬القديمة‭ ‬المعمرة،‭ ‬والمزارع‭ ‬والحقول‭ ‬المثمرة،‭ ‬والمتنزهات‭ ‬والحدائق‭ ‬العامة،‭ ‬والبيوت‭ ‬الزجاجية‭. ‬وهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ (‬topocide‭) ‬أو‭ (‬ecocide‭). ‬ويُعرَّف‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬التغيير‭ ‬المتعمد،‭ ‬أو‭ ‬التدمير‭ ‬المنهجي‭ ‬الشامل‭ ‬للبنية‭ ‬الطبيعية،‭ ‬والبيئة‭ ‬الطبيعية‭ ‬الأصلية‭ ‬الفطرية‭ ‬التي‭ ‬خلقها‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التمدد‭ ‬والتوسع‭ ‬الصناعي،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ارجاعها‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬إلى‭ ‬طبيعتها‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬الممنهجة‭ ‬والمتعمدة‭.  ‬

ففي‭ ‬حالة‭ ‬غزة‭ ‬هناك‭ ‬تدمير‭ ‬متعمد‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الزراعية‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬الغذاء‭ ‬للشعب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وتدميرها‭ ‬يعني‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬مصدر‭ ‬فطري‭ ‬طبيعي‭ ‬للغذاء‭ ‬لسكان‭ ‬غزة،‭ ‬مما‭ ‬يهددهم‭ ‬بسوء‭ ‬التغذية‭ ‬والمجاعة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬الآن‭ (‬راجع‭ ‬تحقيق‭ ‬صحيفة‭ ‬الواشنطن‭ ‬بوست‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬مايو‭ ‬2024‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الهجمات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬دمرت‭ ‬قدرة‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬زراعة‭ ‬غذائها‮»‬‭). ‬وهذه‭ ‬البيئة‭ ‬الطبيعية‭ ‬الزراعية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تزود‭ ‬الناس‭ ‬بالغذاء‭ ‬تم‭ ‬تدميرها‭ ‬وجرفها‭ ‬وإزالتها‭ ‬إما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المتفجرات‭ ‬الحارقة‭ ‬والصواريخ‭ ‬المدمرة،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الجرافات‭ ‬والآليات‭ ‬الثقيلة‭ ‬التي‭ ‬دهستها‭ ‬فدمرت‭ ‬التربة‭ ‬الزراعية‭.‬

فهل‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬المقتضب‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يشك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التدمير‭ ‬الشامل‭ ‬والجماعي‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬واحد‭ ‬ووقت‭ ‬واحد‭ ‬للبشر،‭ ‬والشجر،‭ ‬والحجر،‭ ‬والتراث‭ ‬الثقافي‭ ‬الإنساني،‭ ‬والسكن‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬له‭ ‬مثيل‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭ ‬جمعاء؟

وهل‭ ‬يشك‭ ‬أحد‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬البربري‭ ‬قام‭ ‬بما‭ ‬لم‭ ‬يقم‭ ‬به‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬ارتكاب‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد،‭ ‬ومكان‭ ‬واحد،‭ ‬وفي‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬قصيرة‭ ‬جداً؟

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

 

‭ ‬

 

 

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا