يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
حرب إبادة غزة وصوت المواطن العربي-1
قراءة فـي نتائج أهم ثلاثة استطلاعات للرأي العام العربي
لسنا بحاجة إلى القول بأن حرب الإبادة الصهيونية لغزة على نحو ما تابعنا ويتابع العالم فصولها تعتبر نقطة فاصلة في تاريخنا العربي على كل المستويات. والحرب كانت أيضا نقطة تحول كبرى في الرأي العام العالمي ومواقفه من القضية الفلسطينية وكل قضايا الصراع العربي الصهيوني.
بعيدا عن المواقف الرسمية للدول العربية وأيضا مواقف مختلف دول العالم والمنظمات الدولية، يبقى أحد أهم الأسئلة المطروحة: ما مواقف وآراء المواطنين العرب من حرب الإبادة الصهيونية بكل أبعادها وجوانبها؟
بالطبع المواطنون العرب في كل الدول العربية عبروا عن مواقفهم في صور علنية معروفة مثل المظاهرات التي خرجت إلى الشوارع تضامنا مع أهلنا في غزة وتنديدا بالهمجية الصهيونية، ومثل حملات المقاطعة الناجحة لمنتجات كل الشركات التي تدعم العدو الصهيوني.. وهكذا.
لكن معرفة مواقف وآراء المواطنين العرب بحاجة إلى تفاصيل أكثر، وإلى معرفة المواقف من قضايا وجوانب أكثر محددة.
مثلا، ما الموقف الآن من القضية الفلسطينية بكل جوانبها؟.. ما الموقف من المقاومة الفلسطينية، ومن أولوية القضية؟
ما موقف المواطنين العرب من الكيان الإسرائيلي والدروس التي يستخلصها من جرائم الإبادة في غزة؟
ما تقييم المواطنين العرب لمواقف القوى العالمية الكبرى وخصوصا أمريكا والدول الأوروبية وأيضا دول مثل الصين وروسيا؟
وما تقييم المواطنين لمواقف الحكومات العربية من الحرب؟
كيف يرى المواطنون العرب المستقبل على ضوء حرب الإبادة؟
معرفة الإجابة عن مثل هذه التساؤلات يتم عادة عن طريق استطلاعات الرأي العام العربي، وخصوصا إذا كانت استطلاعات منضبطة وموثوقة.
للأسف ليس لدينا بشكل عام اهتمام كبير في الدول العربية باستطلاعات الراي مثلما هو الحال في الدول الغربية.
لهذا اخترنا ثلاثة من أهم استطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز أمريكية حول حرب الإبادة في غزة.
اخترنا هذه الاستطلاعات الثلاثة لأن الجهات والمراكز التي أجرتها لديها تاريخ طويل في إجراء الاستطلاعات، وهي مراكز محترمة عموما.
سنعرض النتائج الي توصلت اليها هذه الاستطلاعات الثلاثة، ثم سنناقش الدروس التي يجب استخلاصها من هذه النتائج بالنسبة لنا في الوطن العربي.
استطلاع «الباروميتر العربي»
استطلاعات الرأي العام لها أهمية كبرى وخصوصا في أوقات الأزمات والتطورات العاصفة. مع كل التحفظات التي يمكن إبداؤها على بعض الاستطلاعات من حيث موثوقيتها وما إذا كانت تعكس فعلا مواقف الرأي العام، إلا أنه من المؤكد في كل الأحوال أن نتائج الاستطلاعات تعطي مؤشرات مهمة عن توجهات الرأي العام لا يجوز تجاهلها. وبالتالي المفروض أن تعطي نتائج استطلاعات الرأي مؤشرات مهمة لصناع السياسة ومتخذي القرارات وترسم لهم ملامح عامة للمواقف والسياسات التي يجب أن يأخذوا بها.
ومنذ اندلاع حرب إبادة غزة تم إجراء عدد كبير جدا من استطلاعات الرأي العام العربي، قليل منها عربي وأغلبها أجنبية.
وكما ذكرت اخترنا من بين هذه الاستطلاعات ثلاثة هي الأهم في تقديرنا.
أول هذه الاستطلاعات، ويعتبر من أهم استطلاعات الرأي العام العربي التي جرت مؤخرا، استطلاع أجراه «الباروميتر العربي»، وهو مؤسسة بحثية أمريكية محايدة غير حزبية تجري استطلاعات موسعة للرأي العام العربي منذ عام 2006. مجلة «فورين افيرز» الأمريكية الشهيرة نشرت مؤخرا عرضا تفصيليا وتحليلا موسعا لنتائج الاستطلاع كتبه ثلاثة من الخبراء المعروفين هم، مايكل روبنز مدير الباروميتر العربي وباحث أول مشارك في أعماله، وأماني جمال مشاركة في تأسيس الباروميتر العربي وباحثة أولى مشاركة في أعماله، وهي عميدة مدرسة الإدارة الحكومية والعلاقات الدولية، و أستاذة كرسي إدوارد س. سانفورد للعلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة برنستون، ومارك تيسلر مشارك في تأسيس الباروميتر العربي وباحث أول مشارك في أعماله، وهو أستاذ كرسي صامويل ج. إلدرسفيلد للعلوم السياسية في جامعة ميشيجان.
الاستطلاع أجري أواخر 2023 ومطلع 2024 في خمس دول عربية هي، الأردن، والكويت، ولبنان، وموريتانيا، والمغرب.
فيما يلي أهم النتائج التي انتهى إليها الاستطلاع.
. تطرق الاستطلاع إلى تقييم المواطنين العرب للهجوم الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر. الأغلبية الساحقة رفضت وصف الهجوم بـ«العمل الإرهابي». على العكس من هذا اعتبرت الأغلبية الساحقة أن «الحملة الإسرائيلية في غزة هي التي يجب أن تُصنّف كعمل إرهابي».
ردا على السؤال، أي من هذه كلمات تصف الأحداث الجارية في غزة وهي «حرب»، «أعمال قتالية»، «مجزرة»، «إبادة جماعية» - كان المصطلح الأكثر اختيارًا من المواطنين في كل الدول عدا واحدة هو «الإبادة الجماعية».
.. أظهر الاستطلاع أن المواطنين العرب في أغلبيتهم يعتبرون أنه لا الأمم المتحدة ولا الدول الغربية تدافع عن الفلسطينيين، وأن الغرب وأمريكا خصوصا هي التي تحمي إسرائيل.
ردا على سؤال: «من بين الجهات التالية، من تعتقد أنها ملتزمة بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين؟» والاختيار بين قائمة مكونة من عشر دول والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. لم يوافق أكثر من 17 في المائة من المشاركين في أي بلد على أن الأمم المتحدة تدافع عن حقوق الفلسطينيين. وكان أداء الاتحاد الأوروبي أسوأ، لكن الولايات المتحدة الأمريكية حصلت على أدنى الدرجات، فقد وافق 8 بالمائة من المُستطلعة آراؤهم في الكويت، و6 بالمائة في كل من المغرب ولبنان، و5 بالمائة في موريتانيا، و2 بالمائة في الأردن على أنها تدافع عن الفلسطينيين. وعندما سُئل المبحوثون عمّا إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحمي حقوق إسرائيل، أيد أكثر من 60 بالمائة ممن أجابوا الاستطلاع في الدول الخمس المقولة.
.. أظهر الاستطلاع أن المواطنين العرب لديهم نظرة سلبية جدا إزاء الولايات المتحدة. أظهرت النتائج أن أقل من الثلث عبروا عن آراء إيجابية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.
.. أظهرت نتائج الاستطلاع أن الصين هي المستفيدة الأساسية من تراجع شعبية الولايات المتحدة الأمريكية عند الجماهير العربية، فقد قال نصف المبحوثين على الأقل إن آراءهم تجاه الصين إيجابية.
وردا على سؤال إذا كانت السياسات الأمريكية أم الصينية هي الأفضل لأمن المنطقة، قال المبحوثون في ثلاث من خمس دول شملها الاستطلاع إنهم يفضلون النهج الصيني.
.. ردا على سؤال: أي قضية يتعين على إدارة بايدن أن تجعلها على رأس أجندتها، فيما يتعلق بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكان الاختيار بين اختيارات هي، التنمية الاقتصادية، والتعليم، وحقوق الإنسان، والبنية التحتية، والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، والقضية الفلسطينية. في ثلاث من الدول الأربع التي طُرح فيها السؤال أيد عدد كبير من المبحوثين ضرورة أن تعلي إدارة بايدن أولوية القضية الفلسطينية، أكثر حتى من القضايا الأساسية الحرجة التي تواجه دولهم.
.. أظهر الاستطلاع أن شعبية إيران ما زالت متدنية المستوى في صفوف الجماهير العربية؛ حيث أعرب 36 بالمائة في لبنان و25 بالمائة في الأردن و15 بالمائة فقط في الكويت عن آراء إيجابية تجاه إيران.
دروس لأمريكا
كيف نقرأ نتائج استطلاع «الباروميتر العربي»؟ بمعنى أدق كيف يقرأون هم في أمريكا هذه النتائج؟
من المفهوم بطبيعة الحال أن أي مركز أمريكي يجري استطلاعا للرأي العام العربي فهو يفعل هذا وفي اعتباره المصلحة الأمريكية أولا وأخيرا. بعبارة أخرى، يكون هدفه الأساسي الأكبر هو استخلاص الدروس بما من شأنه ترشيد السياسة وخدمة المصلحة الأمريكية.
وعلى ضوء هذا، الخبراء الثلاثة الذين كتبوا التحليل المطول للاستطلاع في مجلة «فورين افيرز» قدموا قراءة تفصيلية لنتائجه من وجهة نظر ما يعنيه بالضبط بالنسبة إلى أمريكا وسياساتها، وما يجب على الإدارة الأمريكية أن تفعله بناء على ذلك.
أول ما يستخلصه الخبراء من نتائج هو أنه بسبب الحرب في غزة، «انقلب الرأي العام العربي بشكل حاد ضد حليفة إسرائيل الأشدّ دعمًا لها، الولايات المتحدة الأمريكية» وهو أمر من الممكن أن تكون له نتائج خطيرة بالنسبة إلى أمريكا.
يقول الخبراء إن الاستطلاع، وغيره من استطلاعات الرأي، أظهرت
«أن مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في أعين المواطنين العرب قد تراجعت إلى حد كبير».
الأمر الثاني المهم الذي استخلصه الخبراء، ويعتبرون أنه مثير للدهشة، ما أظهره الاستطلاع بأن «ما فقدته الولايات المتحدة الأمريكية من شعبية ربحته الصين». يقولون إن آراء المواطنين العرب إزاء الصين تحسّنت في استطلاعات الرأي التي أجروها مؤخرا. ومع هذا، فردًا على سؤال عمّا إذا كانت الصين قد بذلت جهودًا صادقة لحماية حقوق الفلسطينيين، أيد المقولة عدد قليل من المواطنين. ويظهر من هذه النتيجة أن آراء المواطنين العرب تعكس السخط العميق على الولايات المتحدة الأمريكية، وليس الدعم للسياسات الصينية تجاه غزة تحديدًا.
ومن أهم خلاصات الخبراء أن نتائج الاستطلاع تعني في رأيهم أن الولايات المتحدة لن تتمكن من تحقيق أهدافها في المنطقة بشكل عام. يقولون إنه سيكون من الصعب تحقيق أهداف مثل، السعي إلى تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو حماية الاقتصاد الدولي عن طريق حماية البحر الأحمر، أو جهودها لاحتواء إيران وصد نفوذ الصين المتزايد في الشرق الأوسط.
يقول الخبراء في تحليلهم إنه من أجل تحقيق أي من هذه الأهداف فإن أمريكا بحاجة إلى شراكة مع الدول العربية، وهو أمرٌ ستزداد صعوبته إذا ظلّت الشعوب العربية مرتابة من أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. ولّد هذا الرأي السلبي.
ويثير الخبراء قضية مهمة جدا بالنسبة إلى أمريكا في رأيهم إذ يحذرون من الاستهانة بـ«الشارع العربي» ومواقفه وآرائه. سبب هذا التحذير أن محللي السياسات الأمريكية والساسة الأمريكان دأبوا على عدم الاكتراث بـ«الشارع العربي» لأن القادة العرب في تقديرهم لا يهتمون كثيرا بالرأي العام. وبالتالي بمقدور صناع السياسة في أمريكا أن يمضوا قدما في سياساتهم بغض النظر عن كسب عقول وقلوب المواطنين العرب طالما هناك توافق بينها وبين الحكومات العربية.
يقول الخبراء إن فكرة عدم اهتمام القادة العرب بالرأي العام ومواقفه وآرائه فكرة وهمية. في الوقت الحالي بالذات لا يرغب القادة العرب أن يُنظر إليهم بصفتهم يتعاونون بشكل واضح وصريح مع واشنطن، نظرًا إلى التصاعد الحاد في الرفض الشعبي لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية في دولهم.
يقول الخبراء إن فقدان الدعم الشعبي العربي يحمل المخاطر بالنسبة لأمريكا ويحمل خصوصا المخاطرة باستمرار دعم القادة العرب، وأيضًا المخاطرة باستقرار الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية.
هذا ما خلص إليه الخبراء الأمريكيون من قراءتهم لنتائج استطلاع الرأي العام العربي. وهي خلاصات مهمة بالنسبة إلى أمريكا تحديدا.
لكن ماذا عنا نحن في الوطن العربي؟.. ماذا تعني هذه النتائج بالنسبة لنا؟
في المقال القادم سنعرض نتائج استطلاعين مهمين آخرين للرأي العام العربي بعد اندلاع حرب إبادة غزة ثم سنقدم قراءة للدروس التي يجب أن نخلص إليها نحن في الوطن العربي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك