العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عمّن يمسكون بالأقلام

من‭ ‬الأمثال‭ ‬السودانية‭ ‬الجميلة‭ ‬‮«‬القلم‭ ‬لا‭ ‬يزيل‭ ‬البلم‮»‬،‭ ‬والبلم‭ ‬هو‭ ‬البله‭ ‬وعدم‭ ‬الإدراك،‭ ‬ومعنى‭ ‬المثل‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬أي‭ ‬‮«‬التعليم‮»‬‭ ‬لا‭ ‬تجعل‭ ‬منك‭ ‬شخصا‭ ‬حصيفا‭ ‬وحسن‭ ‬الادراك‭ ‬والتصرف،‭ ‬وأنتقل‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬سوداني‭ ‬آخر‭ ‬أمهد‭ ‬له‭ ‬بحكاية‭ ‬القاضي‭ ‬الاسترالي‭ ‬ماركوس‭ ‬إينفيلد‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬قلوب‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬مواطنيه،‭ ‬لسلوك‭ ‬انساني‭ ‬رفيع‭ ‬بدر‭ ‬عنه‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬رفعتها‭ ‬مواطنة‭ ‬أسترالية‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬الأبورجيني،‭ ‬وهم‭ ‬سكان‭ ‬أستراليا‭ ‬الأصليون‭: ‬قوم‭ ‬سود‭ ‬وقصار‭ ‬القامة،‭ ‬كان‭ ‬الأوروبيون‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬يصطادونهم‭ ‬ويضعونهم‭ ‬في‭ ‬أقفاص‭ ‬لـ«الفُرجة‮«‬،‭ ‬وتعرضوا‭ ‬حينا‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬لمثل‭ ‬ما‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭..‬

حكت‭ ‬السيدة‭ ‬للقاضي‭ ‬صنوف‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬والتعنيف‭ ‬والإذلال‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬ولدها‭ ‬الصغير‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬فانهمرت‭ ‬الدموع‭ ‬من‭ ‬عيني‭ ‬القاضي،‭ ‬وصار‭ ‬أمثولة‭ ‬للحس‭ ‬الإنساني‭ ‬الرفيع‭. ‬ثم‭ ‬صار‭ ‬اينفيلد‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬الأسترالية‭ ‬العليا،‭ ‬وبعدها‭ ‬ترك‭ ‬القضاء‭ ‬وافتتح‭ ‬مكتبا‭ ‬للمحاماة،‭ ‬وصار‭ ‬أشهر‭ ‬محام‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬أثرى‭ ‬أثرياء‭ ‬رجال‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬بلاده،‭ ‬ولكن‭ ‬حظه‭ ‬العاثر‭ ‬شاء‭ ‬ان‭ ‬ينشر‭ ‬صحفي‭ ‬شقيّ‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬ذا‭ ‬دايلي‭ ‬تلغراف‭ ‬الاسترالية‭ ‬حكاية‭ ‬عن‭ ‬صاحبنا‭ ‬هذا‭ ‬جعلته‭ ‬بين‭ ‬عشية‭ ‬وضحاها‭ ‬محل‭ ‬احتقار‭ ‬أهل‭ ‬بلاده،‭ ‬فقد‭ ‬قام‭ ‬شرطي‭ ‬بتسجيل‭ ‬مخالفة‭ ‬مرورية‭ ‬على‭ ‬اينفيلد،‭ ‬وتعين‭ ‬عليه‭ ‬دفع‭ ‬غرامة‭ ‬تعادل‭ ‬55‭ ‬دولارا‭ ‬أمريكيا،‭ ‬ولكن‭ ‬الغرامة‭ ‬سقطت‭ ‬عنه‭ ‬لأنه‭ ‬قال‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يقود‭ ‬السيارة‭ ‬عند‭ ‬تسجيل‭ ‬المخالفة‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تقودها‭ ‬البروفيسور‭ ‬الأمريكية‭ ‬تيريزا‭ ‬بينان،‭ ‬التي‭ ‬استعارت‭ ‬السيارة‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قوله‭ ‬للشرطة،‭ ‬ولكن‭ ‬الصحفي‭ ‬اكتشف‭ ‬ان‭ ‬تيريزا‭ ‬بينان‭ ‬هذه‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬توفيت‭ ‬قبل‭ ‬تلك‭ ‬المخالفة‭ ‬بسنوات‭. ‬عندها‭ ‬قال‭ ‬المحامي‭ ‬اللامع‭: ‬يخلق‭ ‬من‭ ‬الاسم‭ ‬‮«‬أربعين‮»‬،‭ ‬وأنه‭ ‬بالتأكيد‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أستاذة‭ ‬جامعية‭ ‬أمريكية‭ ‬تحمل‭ ‬ذلك‭ ‬الاسم،‭ ‬وأضاف‭ ‬انه‭ ‬يرجح‭ ‬ان‭ ‬‮«‬تكون‭ ‬بينان‭ ‬التي‭ ‬استعارت‭ ‬سيارتي‭ ‬مقيمة‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬بنغلاديش‮»‬‭. (‬وعيش‭ ‬يا‭ ‬حمار‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬الشرطة‭ ‬بحصر‭ ‬أسماء‭ ‬الأجانب‭ ‬في‭ ‬بنغلاديش‭ ‬كي‭ ‬تقفل‭ ‬ملف‭ ‬مخالفة‭ ‬مرورية‭ ‬بسيطة‭!)‬،‭ ‬المهم،‭ ‬صدقت‭ ‬الشرطة‭ ‬التقرير‭ ‬الصحفي‭ ‬ونبشت‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬اينفيلد‭ ‬واكتشفت‭ ‬انه‭ ‬ارتكب‭ ‬أربع‭ ‬مخالفات‭ ‬مرورية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالسرعة‭ ‬الزائدة‭ ‬خلال‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬وأنه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬ضلل‭ ‬الشرطة‭ ‬وتفادى‭ ‬دفع‭ ‬الغرامة‭ (‬55‭ ‬دولارا‭ ‬لكل‭ ‬مخالفة‭). ‬هذا‭ ‬علما‭ ‬بأنه‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يتقاضى‭ ‬خمسة‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الواحدة‭. ‬وهكذا‭ ‬واجه‭ ‬13‭ ‬تهمة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالكذب‭ ‬وعرقلة‭ ‬سير‭ ‬العدالة‭ ‬وتم‭ ‬سحب‭ ‬رخصته‭ ‬كمحام‭.‬

‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬تم‭ ‬إيقاف‭ ‬القاضي‭ ‬الأسترالي‭ ‬جيف‭ ‬شو‭ ‬بعد‭ ‬ضبطه‭ ‬وهو‭ ‬يقود‭ ‬سيارة،‭ ‬وهو‭ ‬سكران‭ ‬طينة،‭ ‬واقتيد‭ ‬الى‭ ‬مستشفى‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬سحب‭ ‬عينات‭ ‬من‭ ‬دمه‭ ‬لتحديد‭ ‬نسبة‭ ‬الكحول‭ ‬في‭ ‬دمه،‭ ‬وفجأة‭ ‬اختفت‭ ‬عينات‭ ‬الدم‭ ‬وتم‭ ‬العثور‭ ‬عليها‭ ‬لاحقا‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬حضرة‭ ‬القاضي‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬نأتي‭ ‬الى‭ ‬المثل‭ ‬السوداني‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬يمسك‭ ‬بالقلم‭ ‬‮«‬ما‭ ‬يكتب‭ ‬نفسه‭ ‬شقي‮»‬،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬بيده‭ ‬القرار‭ ‬وحق‭ ‬إصدار‭ ‬القرار‭ ‬لا‭ ‬يجلب‭ ‬الشقاء‭ ‬والتعب‭ ‬لنفسه،‭ ‬بل‭ ‬يستغل‭ ‬صلاحياته‭ ‬ليكون‭ ‬‮«‬في‭ ‬السليم‮»‬‭ (‬والسليم‭ ‬هنا‭ ‬تعني‭ ‬نقيض‭ ‬معناها‭ ‬الأصلي‭!) ‬يعني‭ ‬ليست‭ ‬بلداننا‭ ‬وحدها‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬قانون‭ ‬للناس‭ ‬اللي‭ ‬فوق،‭ ‬وآخر‭ ‬للناس‭ ‬اللي‭ ‬تحت‭.‬

‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬مثل‭ ‬القاضي‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬تومسون‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬شكت‭ ‬بعض‭ ‬السيدات‭ ‬اللواتي‭ ‬مثلن‭ ‬أمامه‭ ‬كشهود‭ ‬ومتهمات‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يتعمد‭ ‬كشف‭ ‬عورته‭ ‬أمامهن‭ ‬خلال‭ ‬الجلسات‭ ‬المغلقة،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تختص‭ ‬بالقضايا‭ ‬البسيطة‭ ‬وتعقد‭ ‬عادة‭ ‬داخل‭ ‬مكتب‭ ‬القاضي،‭ ‬ولأنه‭ ‬كان‭ ‬يمسك‭ ‬بالقلم‭ ‬فقد‭ ‬طلع‭ ‬منها‭ ‬كالشعرة‭ ‬من‭ ‬العجين،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬ضبطه‭ ‬بالجرم‭ ‬المشهود‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬لاحق،‭ ‬وهناك‭ ‬لاعب‭ ‬البيسبول‭ ‬الأشهر‭ ‬أو‭. ‬جيه‭. ‬سيمسون‭ ‬الذي‭ ‬قتل‭ ‬زوجته‭ ‬وطلع‭ ‬منها‭ ‬‮«‬براءة‮»‬‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الأدلة‭ ‬الدامغة‭ ‬التي‭ ‬تدينه‭: ‬دفع‭ ‬غرامة‭ ‬بالملايين‭ ‬لأنه‭ ‬قتلها،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يسجن‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يكلف‭ ‬بغسل‭ ‬الحمامات،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬الحسناء‭ ‬نيومي‭ ‬كامبل‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬خادمتها‭ ‬بالموبايل‭ ‬ضربة‭ ‬خفيفة‭ ‬سببت‭ ‬لها‭ ‬جرحا‭ ‬تطلب‭ ‬أربع‭ ‬غرز‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا