زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عمّن يمسكون بالأقلام
من الأمثال السودانية الجميلة «القلم لا يزيل البلم»، والبلم هو البله وعدم الإدراك، ومعنى المثل هو ان القدرة على القراءة والكتابة أي «التعليم» لا تجعل منك شخصا حصيفا وحسن الادراك والتصرف، وأنتقل إلى مثل سوداني آخر أمهد له بحكاية القاضي الاسترالي ماركوس إينفيلد الذي دخل قلوب الملايين من مواطنيه، لسلوك انساني رفيع بدر عنه عندما كان ينظر في قضية رفعتها مواطنة أسترالية من شعب الأبورجيني، وهم سكان أستراليا الأصليون: قوم سود وقصار القامة، كان الأوروبيون فيما مضى يصطادونهم ويضعونهم في أقفاص لـ«الفُرجة«، وتعرضوا حينا من الدهر لمثل ما تعرض له الهنود الحمر في الولايات المتحدة..
حكت السيدة للقاضي صنوف التمييز العنصري والتعنيف والإذلال التي تعرض لها ولدها الصغير في المدرسة، فانهمرت الدموع من عيني القاضي، وصار أمثولة للحس الإنساني الرفيع. ثم صار اينفيلد عضوا في المحكمة الأسترالية العليا، وبعدها ترك القضاء وافتتح مكتبا للمحاماة، وصار أشهر محام في البلاد، ومن ثم من أثرى أثرياء رجال القانون في بلاده، ولكن حظه العاثر شاء ان ينشر صحفي شقيّ في جريدة ذا دايلي تلغراف الاسترالية حكاية عن صاحبنا هذا جعلته بين عشية وضحاها محل احتقار أهل بلاده، فقد قام شرطي بتسجيل مخالفة مرورية على اينفيلد، وتعين عليه دفع غرامة تعادل 55 دولارا أمريكيا، ولكن الغرامة سقطت عنه لأنه قال أمام المحكمة إنه لم يكن يقود السيارة عند تسجيل المخالفة بل كانت تقودها البروفيسور الأمريكية تيريزا بينان، التي استعارت السيارة منه على حد قوله للشرطة، ولكن الصحفي اكتشف ان تيريزا بينان هذه كانت قد توفيت قبل تلك المخالفة بسنوات. عندها قال المحامي اللامع: يخلق من الاسم «أربعين»، وأنه بالتأكيد هناك أكثر من أستاذة جامعية أمريكية تحمل ذلك الاسم، وأضاف انه يرجح ان «تكون بينان التي استعارت سيارتي مقيمة الآن في بنغلاديش». (وعيش يا حمار على بال ما تقوم الشرطة بحصر أسماء الأجانب في بنغلاديش كي تقفل ملف مخالفة مرورية بسيطة!)، المهم، صدقت الشرطة التقرير الصحفي ونبشت في سجل اينفيلد واكتشفت انه ارتكب أربع مخالفات مرورية تتعلق بالسرعة الزائدة خلال ثلاث سنوات، وأنه في كل مرة ضلل الشرطة وتفادى دفع الغرامة (55 دولارا لكل مخالفة). هذا علما بأنه من النوع الذي يتقاضى خمسة ملايين دولار عن القضية الواحدة. وهكذا واجه 13 تهمة تتعلق بالكذب وعرقلة سير العدالة وتم سحب رخصته كمحام.
في عام 2014 تم إيقاف القاضي الأسترالي جيف شو بعد ضبطه وهو يقود سيارة، وهو سكران طينة، واقتيد الى مستشفى حيث تم سحب عينات من دمه لتحديد نسبة الكحول في دمه، وفجأة اختفت عينات الدم وتم العثور عليها لاحقا في مكتب حضرة القاضي. ومن هنا نأتي الى المثل السوداني الذي يقول ان من يمسك بالقلم «ما يكتب نفسه شقي»، بمعنى أن من بيده القرار وحق إصدار القرار لا يجلب الشقاء والتعب لنفسه، بل يستغل صلاحياته ليكون «في السليم» (والسليم هنا تعني نقيض معناها الأصلي!) يعني ليست بلداننا وحدها التي يكون فيها قانون للناس اللي فوق، وآخر للناس اللي تحت.
قبل أشهر قليلة مثل القاضي الأمريكي دونالد تومسون أمام محكمة بعد ان شكت بعض السيدات اللواتي مثلن أمامه كشهود ومتهمات من أنه كان يتعمد كشف عورته أمامهن خلال الجلسات المغلقة، وهي التي تختص بالقضايا البسيطة وتعقد عادة داخل مكتب القاضي، ولأنه كان يمسك بالقلم فقد طلع منها كالشعرة من العجين، إلى أن تم ضبطه بالجرم المشهود في تاريخ لاحق، وهناك لاعب البيسبول الأشهر أو. جيه. سيمسون الذي قتل زوجته وطلع منها «براءة» رغم كل الأدلة الدامغة التي تدينه: دفع غرامة بالملايين لأنه قتلها، ولكنه لم يسجن أو حتى يكلف بغسل الحمامات، كما حدث مع الحسناء نيومي كامبل التي ضربت خادمتها بالموبايل ضربة خفيفة سببت لها جرحا تطلب أربع غرز.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك