العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٠ - الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ملاحظات حول مؤتمر الحرب الأوكرانية في سويسرا

بقلم: د. نبيل العسومي

الجمعة ١٤ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

من‭ ‬غرائب‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬عالم‭ ‬اليوم،‭ ‬والذي‭ ‬يبدو‭ ‬فقد‭ ‬العقلانية،‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمر‭ ‬سلام‭ ‬في‭ ‬سويسرا‭ ‬موضوعه‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬ورقة‭ ‬قدمها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬المنتهية‭ ‬ولايته‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬مايو‭ ‬الماضي‭ ‬فلاديمير‭ ‬زيلينسكي،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬دعوة‭ ‬الطرف‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬وهو‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬غريب،‭ ‬بل‭ ‬مدهش‭ ‬لم‭ ‬يشبه‭ ‬له‭ ‬مثيل‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المفاوضات‭ ‬السلمية،‭ ‬حيث‭ ‬تتم‭ ‬دعوة‭ ‬طرف‭ ‬واحد‭ ‬ويهمل‭ ‬الطرف‭ ‬الثاني‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬المواجهة‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬فشل‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬جملة‭ ‬وتفصيلا‭ ‬ومقدما‭ ‬قبل‭ ‬انعقاده‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الشهر‭ ‬الحالي‭ ‬وذلك‭ ‬لثلاثة‭ ‬أسباب‭:‬

الأول‭: ‬إن‭ ‬مقدم‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬‮«‬السلمية‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬زيلينسكي‭ ‬الذي‭ ‬انتهت‭ ‬ولايته‭ ‬وإنه‭ ‬فاقد‭ ‬للشرعية‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬قانونيا‭ ‬ودستوريا‭ ‬الشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬وهذه‭ ‬معضلة‭ ‬كبيرة‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬افترضنا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬قد‭ ‬تخرج‭ ‬عنه‭ ‬قرارات‭ ‬ومقترحات‭ ‬سلمية‭ ‬لأن‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬مواطن‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يطعن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وفي‭ ‬شرعية‭ ‬هذه‭ ‬التوصيات‭ ‬أو‭ ‬المقترحات‭ ‬التي‭ ‬ينتظر‭ ‬أن‭ ‬يختتم‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬أعماله‭.‬

فموضوع‭ ‬الشرعية‭ ‬السياسية‭ ‬والدستورية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الإشكاليات‭ ‬الأخرى‭ ‬المتعقلة‭ ‬بهذا‭ ‬الصراع‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭ ‬وبالغ‭ ‬الخطورة‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬يمثل‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متمتعا‭ ‬بشرعية‭ ‬دستورية‭ ‬وهذه‭ ‬نقطة‭ ‬استفهام‭ ‬كبيرة‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬الطرف‭ ‬الروسي‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬إصرار‭ ‬زيلينسكي‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬ومناشدته‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بالحضور‭ ‬يستهدف‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬شرعية‭ ‬سياسية‭ ‬يفتقدها‭ ‬طالما‭ ‬أنه‭ ‬ألغى‭ ‬الانتخابات‭ ‬التي‭ ‬تفترض‭ ‬ان‭ ‬تعيده‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬تأتي‭ ‬برئيس‭ ‬آخر‭ ‬بشكل‭ ‬ديمقراطي‭.‬

الثاني‭: ‬وهو‭ ‬الأكثر‭ ‬إشكالية‭ ‬هي‭ ‬عدم‭ ‬دعوة‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬لهذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬الحاضرين‭ ‬وهم‭ ‬ممثلو‭ ‬حوالي‭ ‬50‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أي‭ ‬ربع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬بقية‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬تستجب‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬وذلك‭ ‬لقناعتها‭ ‬الأكيدة‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمر‭ ‬سلام‭ ‬بدون‭ ‬حضور‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬هذا‭ ‬الاجتماع‭ ‬مجرد‭ ‬عملية‭ ‬استعراضية‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬سويسرا‭ ‬نفسها‭ ‬الدولة‭ ‬المنظمة‭ ‬للمؤتمر‭ ‬قد‭ ‬أشار‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬تصريحاته‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬مفيدا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حضور‭ ‬الطرف‭ ‬الروسي،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬التوقعات‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬تظل‭ ‬ضئيلة‭.‬

الثالث‭: ‬إن‭ ‬المشروع‭ ‬السلمي‭ ‬الحقيقي‭ ‬موجود‭ ‬بالفعل‭ ‬وتم‭ ‬التفاوض‭ ‬بشأنه‭ ‬بشكل‭ ‬مطول‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أبريل‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬بين‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬جولات‭ ‬متعددة‭ ‬برعاية‭ ‬تركية‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬تضمن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النقاط‭ ‬التفصيلية‭ ‬قد‭ ‬وافقت‭ ‬عليها‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬ووافقت‭ ‬عليها‭ ‬جمهورية‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬إلا‭ ‬التوقيع‭ ‬عليه‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬روسيا‭ ‬ما‭ ‬فتئت‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬والمفاوضات‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬التي‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وافقت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬لكانت‭ ‬الحرب‭ ‬انتهت‭ ‬خلال‭ ‬أيام‭ ‬ولما‭ ‬قتل‭ ‬من‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬وقتل‭ ‬من‭ ‬الروسي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬شخص،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الخسائر‭ ‬المالية‭ ‬الهائلة‭ ‬والخسائر‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الضخمة‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬قد‭ ‬حولت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬الدولة‭ ‬الغنية‭ ‬والقوية‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬مهدمة‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬صدقات‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬ومعوناتها‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬دونها‭ ‬تسقط‭ ‬الدولة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬سقوطا‭ ‬كاملا‭.‬

إن‭ ‬الغرب‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬الروس‭ ‬الغرب‭ ‬الجماعي‭ ‬الذي‭ ‬يشمل‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬ودولا‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬استراليا‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬واليابان‭ ‬قد‭ ‬ورطوا‭ ‬أوكرانيا‭ ‬عندما‭ ‬أعطوها‭ ‬اعتقادا‭ ‬بأنها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬هزيمة‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وبأنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬عظمى‭ ‬وأن‭ ‬تؤدي‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬بروزها‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬ودخولها‭ ‬إلى‭ ‬الناتو‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬كجائزة‭ ‬على‭ ‬محاربتها‭ ‬لروسيا‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬أوكرانيا‭ ‬اليوم‭ ‬تعيش‭ ‬أسوأ‭ ‬كابوس‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1991‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تنهي‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬بأقل‭ ‬الخسائر‭ ‬وأن‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬علاقاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والأمنية‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬كدولتين‭ ‬شقيقتين‭ ‬بينهما‭ ‬تاريخ‭ ‬مشترك‭ ‬وعلاقات‭ ‬اجتماعية‭ ‬عميقة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الورطة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬الغربي‭ ‬وخاصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬أصرت‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬العبثة‭ ‬التي‭ ‬يخسر‭ ‬فيها‭ ‬الطرفان‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي‭ ‬إلا‭ ‬باللجوء‭ ‬إلى‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬لا‭ ‬قدر‭ ‬الله‭.‬

انطلاقا‭ ‬مما‭ ‬تقدم‭ ‬فإن‭ ‬المؤتمر‭ ‬المشار‭ ‬إليه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬يؤمل‭ ‬منه‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام،‭ ‬بل‭ ‬سيكون‭ ‬مجرد‭ ‬مؤتمر‭ ‬استعراض‭ ‬إعلامي‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للتسويق‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬الطرف‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬غير‭ ‬موجود،‭ ‬اللهم‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬هو‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬لمواصلة‭ ‬الحرب‭ ‬وهذا‭ ‬يجعل‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تتحفظ‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا