زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عندما يختل ميزان العدالة
أعتقد أن ما أهلني لدخول عالم الصحافة هو أنني كنت قارئا نهما، فقد دخلت ذلك العالم من الشباك، أي أنني لم أدرس الصحافة والإعلام، ومع هذا اختبرني أرباب ورؤساء تحرير الصحف وقبلوا بي محررا للأخبار وكاتبا للافتتاحيات، ولسنوات طوال كان من طقوس حياتي اليومية، قراءة نحو ست صحف عربية وصحيفة إنجليزية واحدة على الأقل، إلى جانب مجلتي تايم ونيوزويك الأسبوعيتين الأمريكيتين، (وبالمناسبة فإنني من جيل لا يرتاح لقراءة النسخ الإلكترونية للصحف).
قل عني انني مصاب بعقدة الخواجات، وستكون قد ظلمتني، فحقيقة الأمر هي ان قراءة صحيفة إنجليزية واحدة، يستغرق مني ضعف المدة التي أقضيها في قراءة ست صحف عربية مجتمعة، وليس سرا أن أفضل وسيلة لمعرفة حقيقة ما يدور في الجزء الذي يخصنا من العالم هي مطالعة الصحف الأجنبية، ولو أردت معرفة تفاصيل حدث مهم في بلدك أيها العربي النشمي فعليك ب بي بي سي أو سي إن إن، أو وكالات رويترز وأسوشيتد برس وفرانس برس إلخ.
في كل الجرائد الصادرة في أوروبا وأمريكا الشمالية، صفحة كاملة مخصصة للوفيات، ويشرف عليها صحفي حانوتي، (الحانوتي هو متعهد تجهيز الموتى للدفن نظير أجر معلوم)، والغريب في الأمر أنه لا يوكل الإشراف على تلك الصفحة إلا لمحرر مثقف وواسع الاطلاع، وتحمل تلك الصفحة دائما عنوانا ثابتا هو أبتشاريز obituaries وتعني حرفيا «النعي» وتهتم بسير الشخصيات المعروفة التي تنتقل من فوق الأرض الى تحتها، وعندما عملت في تلفزيون بي بي سي كلفوني لبعض الوقت بإعداد «نعي» شخصيات على قيد الحياة وأحسست بالضيق، لأنني أحسست بأنني كمن يستعجل موت بعض الشخصيات البارزة المحبوبة سياسيين كانوا أم أدباء أم مخترعين، ثم لم أعد أتضايق من تكليفي بتلك المهمة، فحقيقة الأمر هي اننا جميعا سنموت، ولا ينبغي لوسيلة إعلامية تلفزيونية أن تعاني من الهلع عند حدوث وفاة -ولو فجائية- لشخصية عامة معروفة، وتضطر الى نعيه فقط ببعض الكلمات. وإذا كنت شخصية ذات وزن في مجال معين فمت مطمئنا واترك أمر ذكر محاسنك لأبي الجعافر ورفاقه (بصراحة فإننا كعاملين في شبكات تلفزيونية، عندما نجهز النعي لأي شخصية عامة، فإننا لا نغفل سيئاته بل نوردها لأن الأمر - وفي التحليل الأخير - سيرة ذاتية). خذ مثلا نائب الرئيس العراقي الأسبق طارق عزيز، الذي صدر بحقه حكمان بالإعدام بعد الغزو الأمريكي للعراق، فبمجرد صدور الحكمين تبارت عدد من قنوات التلفزة لبث تقارير مطولة عن سيرته ومسيرته، بما لها وما عليها.
أسوأ ما في الصحف الأجنبية هو أخبار الجرائم. ومازال العالم يذكر حكاية النمساوي جوزيف فيرتزل الذي احتجز بنته الوحيدة طوال 25 سنة في قبو وأنجب منها 8 عيال.. وقبل مرور أقل من عام على تلك الجريمة أدانت محكمة في شيفيلد بإنجلترا رجلا إنجليزيا باغتصاب بنتيه على مدى ثلاثين سنة، وأنجب منهما تسعة أطفال (هناك عشرة أطفال آخرين ماتوا قبل او بعد الولادة). وحكمت عليه المحكمة بالسجن المؤبد 25 مرة، (يعني نظريا 25 في 25) ولكن القاضي العادل قال لهذا الحيوان: ستقضي على الأقل 19 سنة ونصف السنة في السجن.. يحيا العدل.. طيب ما لزوم الفيلم الهندي بالخمسة والعشرين حكما بالمؤبد. أتعرفون ما هو شعور هذا الخنزير إزاء انفضاح أمره؟ كتب رسالة من السجن يقول فيها: أنا اللي رحت فيها أوانطة. البنتان على الأقل نالتا مني تسعة أطفال أما أنا فنصيبي السجن.. أين العدل؟ صحيح أين العدل؟ لو كان هناك عدل لقضت المحكمة بإعدامه 25 مرة، يتم في كل مرة قطع جزء من جسمه ابتداء بما يجعله ينتمي الى جنس الرجال، بينما هو ينتمي من حيث العقل والأخلاق الى أحط مراتب البهائم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك