العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

أحب الثلاجة والمكيف و«الريموت»

في‭ ‬تقديري‭ ‬فإن‭ ‬تطويع‭ ‬الكهرباء‭ ‬بمختلف‭ ‬الأغراض‭ ‬هو‭ ‬اهم‭ ‬اكتشاف‭ ‬عرفته‭ ‬البشرية،‭ ‬ولا‭ ‬يهمني‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬الكهرباء‭ ‬انها‭ ‬قامت‭ ‬بتسريع‭ ‬عجلة‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية،‭ ‬وأنها‭ ‬مهدت‭ ‬لاختراعات‭ ‬مهمة‭ ‬كبيرة،‭ ‬بل‭ ‬فقط‭ ‬أنها‭ ‬سمحت‭ ‬باستخدام‭ ‬الثلاجة‭ ‬ومكيف‭ ‬الهواء،‭ ‬وهما‭ ‬عندي‭ ‬أهم‭ ‬اختراعين‭ ‬عرفتهما‭ ‬البشرية،‭ ‬فلا‭ ‬شيء‭ ‬عندي‭ ‬يعدل‭ ‬الهواء‭ ‬والماء‭ ‬الباردين،‭ ‬فلأنني‭ ‬أنتمي‭ ‬على‭ ‬بلد‭ ‬فيه‭ ‬ثلاثة‭ ‬فصول‭: ‬صيف‭ ‬حاف‭ ‬جاف،‭ ‬وصيف‭ ‬حار‭ ‬جدا،‭ ‬وصيف‭ ‬بروفة‭ ‬جهنم،‭ ‬فبديهي‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬عاشقا‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬بارد‭ (‬ولكنني‭ ‬لا‭ ‬أطيق‭ ‬الإنسان‭ ‬البارد‭)‬،‭ ‬وورثت‭ ‬حب‭ ‬الماء‭ ‬البارد‭ ‬عن‭ ‬أبي،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يقبل‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬حتى‭ ‬حبة‭ ‬فستق‭ ‬واحدة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مصحوبة‭ ‬بكوب‭ ‬ماء‭ ‬بارد‭.‬

ويدهشني‭ ‬ان‭ ‬كثيرين‭ ‬يعتبرون‭ ‬تقديري‭ ‬العالي‭ ‬للثلاجة‭ ‬ومكيف‭ ‬الهواء‭ ‬دليل‭ ‬عدم‭ ‬مواكبة‭ ‬للمخترعات‭ ‬الحديثة،‭ ‬وعندما‭ ‬أقوم‭ ‬بتوجيه‭ ‬نفس‭ ‬السؤال‭ ‬الى‭ ‬آخرين‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬أهم‭ ‬اختراع‭ ‬في‭ ‬تقديرهم‭ ‬هو‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬أو‭ ‬الانترنت‭ ‬او‭ ‬الهواتف‭ ‬او‭ ‬الطائرة‭ ‬أو‭ ‬التلفزيون‭. ‬وللناس‭ ‬فيما‭ ‬يعشقون‭ ‬مذاهب،‭ ‬ولكنني‭ ‬أرى‭ ‬ان‭ ‬معظم‭ ‬الاختراعات‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬الثلاجة‭ ‬ومكيف‭ ‬الهواء،‭ ‬لها‭ ‬وبها‭ ‬سلبيات،‭ ‬وفوق‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬استخداماتها‭ ‬محدودة‭ ‬الأجل،‭ ‬فالكمبيوتر‭ ‬يعينك‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬مهام‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قياسي،‭ ‬ولكنك‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬اليه‭ ‬معظم‭ ‬الوقت،‭ ‬واستخدام‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬لا‭ ‬يجعلك‭ ‬تحس‭ ‬بالراحة‭ ‬الجسدية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬عند‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مكيف‭ ‬الهواء‭ ‬ومحتويات‭ ‬الثلاجة‭.‬

ورغم‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يمر‭ ‬يوم‭ ‬لا‭ ‬أستخدم‭ ‬فيه‭ ‬الانترنت،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬أدرك‭ ‬أنه‭ ‬حرمني‭ ‬بدرجة‭ ‬او‭ ‬بأخرى‭ ‬من‭ ‬متعة‭ ‬القراءة‭. ‬ففي‭ ‬عصر‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الانترنت‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬كتاب‭ ‬مفتوح‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬سريري،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فإن‭ ‬قراءة‭ ‬كتاب‭ ‬من‭ ‬120‭ ‬صفحة‭ ‬قد‭ ‬تستغرق‭ ‬مني‭ ‬شهرا‭. ‬والهواتف‭ ‬بأنواعها‭ ‬والتلفزيون‭ ‬لديها‭ ‬فوائد‭ ‬جمة،‭ ‬ولكنهما‭ ‬قتلا‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬أحيانا‭ ‬يجلس‭ ‬عشرون‭ ‬شخصا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المكان‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يتبادلوا‭ ‬كلمة‭ ‬واحدة،‭ ‬لأن‭ ‬أعينهم‭ ‬ترصد‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬أما‭ ‬الهواتف‭ ‬فقد‭ ‬صارت‭ ‬أدوات‭ ‬لـ«كلفتة‮»‬‭ ‬العلاقات،‭ ‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬أزورك‭ ‬لأطمئن‭ ‬على‭ ‬أحوالك‭ ‬فإنني‭ ‬أرفع‭ ‬السماعة‭ ‬وأوجه‭ ‬اليك‭ ‬اسئلة‭ ‬قصيرة‭ ‬سائلا‭ ‬الله‭ ‬ألا‭ ‬تطيل‭ ‬في‭ ‬الأجوبة‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬العداد‭ ‬شغال‮»‬،‭ ‬وأختتم‭ ‬المحادثة‭: ‬نشوفك‭ ‬على‭ ‬خير‭ .. ‬بس‭ ‬حبيت‭ ‬أطّمِّن‭ ‬عليك‭! ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬الواتساب‭ ‬وقضى‭ ‬على‭ ‬الكلام‭ ‬المنطوق‭. ‬أما‭ ‬المكيّف‭ ‬فهو‭ ‬ينعشك‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭ ‬ولا‭ ‬يتدخل‭ ‬في‭ ‬وتيرة‭ ‬حياتك،‭ ‬بل‭ ‬يجعل‭ ‬مزاجك‭ ‬رائقا‭.. ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬قيمة‭ ‬الثلاجة‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬العصر‭ ‬الجليدي،‭ ‬وكان‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يأكلوا‭ ‬في‭ ‬العشاء‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬طعام‭ ‬الغداء،‭ ‬أو‭ ‬يأكلوا‭ ‬في‭ ‬الفطور‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬طعام‭ ‬العشاء‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬قابعا‭ ‬في‭ ‬ركن‭ ‬ما،‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬تسمى‭ ‬مجازا‭ ‬‮«‬مطبخا‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬عرف‭ ‬رائحة‭ ‬الطعام‭ ‬السكند‭ ‬هاند‭ ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬طبع‭ ‬قبلة‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬الثلاجة‭ ‬كلما‭ ‬مر‭ ‬بها‭ .. ‬أذكر‭ ‬كيف‭ ‬كنا‭ ‬نتسابق‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الصبا‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬لحجز‭ ‬مكان‭ ‬للاستلقاء‭ ‬قرب‭ ‬المَزْيَرة‭. ‬وكان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬مكان‭ ‬مسقوف‭ ‬كثير‭ ‬الفتحات‭ ‬توضع‭ ‬فيه‭ ‬أزيار‭ ‬الماء‭ ‬على‭ ‬قوائم‭ ‬حديدية،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬المزيرة‭ ‬بمثابة‭ ‬وحدة‭ ‬التكييف‭ ‬المركزي‭!‬

ولكنني‭ ‬غيَّرت‭ ‬رأيي‭ ‬حول‭ ‬أهم‭ ‬المخترعات‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬سمعت‭ ‬بجهاز‭ ‬‮«‬تي‭ ‬في‭ ‬بي‭ ‬غون‮»‬ TV B gone ‭.. ‬ومعناه‭ ‬حرفيا‭ ‬‮«‬روح‭ ‬في‭ ‬داهية‭ ‬يا‭ ‬تلفزيون‮»‬‭.. ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬ريموت‭ ‬كونترول‭ ‬يجعلك‭ ‬تغلق‭ ‬وتفتح‭ ‬التلفزيون‭.. ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬فرق،‭ ‬فالريموت‭ ‬كونترول‭ ‬الذي‭ ‬عندك‭ ‬حاليا‭ ‬لا‭ ‬يتحكم‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬التلفزيون‭ ‬الخاص‭ ‬بك،‭ ‬والأجهزة‭ ‬المنتجة‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الشركة،‭ ‬ولكن‭ ‬الجهاز‭ ‬الجديد‭ ‬يجعلك‭ ‬تغلق‭ ‬أي‭ ‬تلفزيون‭ ‬سواء‭ ‬عند‭ ‬الجيران‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المقاهي‭ .. ‬ولا‭ ‬تزيد‭ ‬قيمته‭ ‬على‭ ‬15‭ ‬دولارا‭.. ‬سأشتري‭ ‬منه‭ ‬مائة‭ ‬قطعة‭ ‬وأشكل‭ ‬عصابة‭ ‬تطوف‭ ‬بالأحياء،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬بعد‭ ‬الإفطار‭ ‬مباشرة‭ ‬لـ«تطخ‮»‬‭ ‬كافة‭ ‬أجهزة‭ ‬التلفزيون‭ ‬في‭ ‬المواعيد‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬بث‭ ‬ملوثات‭ ‬الذوق‭ .. ‬فإذا‭ ‬توقف‭ ‬جهاز‭ ‬تلفزيونك‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬فجأة‭ ‬فاهتف‭: ‬يا‭ ‬ناس‭ ‬يا‭ ‬بجم‭ ‬ابو‭ ‬الجعافر‭ ‬هجم‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا