العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

غزة حررت العالم

تحية‭ ‬شكر‭ ‬وتقدير‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نوجهها‭ ‬للملكة‭ ‬رانيا‭ ‬العبدالله‭ ‬ملكة‭ ‬المملكة‭ ‬الأردنية‭.‬

السبب‭ ‬ما‭ ‬قالته‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬خلال‭ ‬كلمة‭ ‬لطلبة‭ ‬خريجي‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬عمان‭.‬

قالت‭: ‬‮«‬إن‭ ‬غزة‭ ‬حررت‭ ‬الكثيرين‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬وهم‭ ‬الانبهار‭ ‬بالغرب‮»‬‭. ‬وأضافت‭: ‬‮«‬التقدم‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬التفوق‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتقني‭ ‬ولا‭ ‬يقاس‭ ‬بارتفاع‭ ‬ناطحات‭ ‬السحاب‭ ‬أو‭ ‬سرعة‭ ‬الإنترنت‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬بعمق‭ ‬قيم‭ ‬الأمة‮»‬‭.‬

وقالت‭ ‬الملكة‭ ‬رانيا‭ ‬أيضا‭: ‬‮«‬عالم‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التناقضات‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬نسمعه‭ ‬وما‭ ‬نراه‭. ‬أنا‭ ‬عربي‭ ‬قولوها‭ ‬دون‭ ‬خجل‭ ‬أو‭ ‬خوف‭ ‬قولوها‭ ‬بكل‭ ‬فخر‭ ‬واعتزاز‭.. ‬

فلا‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬حملة‭ ‬رسالة‭ ‬ملؤها‭ ‬الرحمة‭ ‬التي‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬عالمنا‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‮»‬‭.‬

‭ ‬ما‭ ‬قالته‭ ‬الملكة‭ ‬رانيا‭ ‬العبدالله‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬وهي‭ ‬تخاطب‭ ‬الشباب‭ ‬الخريجين‭ ‬دقيق‭ ‬جدا‭ ‬ويستحق‭ ‬التوقف‭ ‬عنده‭ ‬مطولا،‭ ‬إذ‭ ‬يثير‭ ‬جانبين‭ ‬كبيرين‭ ‬مهمين‭:‬

الجانب‭ ‬الأول‭: ‬إن‭ ‬غزة‭ ‬حررت‭ ‬العالم‭ ‬بالفعل‭. ‬حررته‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أوهام‭ ‬الانبهار‭ ‬بالغرب،‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬أوهام‭ ‬أخرى‭.‬

الغرب‭ ‬ظل‭ ‬عبر‭ ‬العقود‭ ‬الطويلة‭ ‬الماضية‭ ‬يصور‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنه‭ ‬موطن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحرية‭ ‬والتعددية‭ ‬واحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬وظلت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬تنصب‭ ‬نفسها‭ ‬وصيا‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭.‬

بمجرد‭ ‬أن‭ ‬بدأت‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الصهيونية‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬اكتشف‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬مدى‭ ‬وحشية‭ ‬وهمجية‭ ‬الغرب‭.‬

كان‭ ‬سقوط‭ ‬الغرب‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والسياسي‭ ‬مدويا‭. ‬انحط‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬هاوية‭ ‬سحيقة‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬القيم‭ ‬والمشاعر‭ ‬الإنسانية‭. ‬فوجئ‭ ‬العالم‭ ‬بالغرب‭ ‬يهب‭ ‬عن‭ ‬بكرة‭ ‬أبيه‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬دعما‭ ‬لأبشع‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬البشرية،‭ ‬ودفاعا‭ ‬عن‭ ‬كيان‭ ‬إرهابي،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تفيق‭ ‬قطاعات‭ ‬شعبية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬هول‭ ‬ما‭ ‬ارتكبته‭ ‬حكوماتها‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬بموقفها‭.‬

اكتشف‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬الذي‭ ‬يتفاخر‭ ‬به‭ ‬الغرب،‭ ‬وكل‭ ‬دعاوى‭ ‬الحرية‭ ‬واحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬مجرد‭ ‬قناع‭ ‬يخفي‭ ‬وجها‭ ‬بشعا‭ ‬من‭ ‬العنصرية‭ ‬والوحشية‭ ‬وانعدام‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق‭.‬

أن‭ ‬ينحاز‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وأن‭ ‬يدعمه‭ ‬بالمال‭ ‬والسلاح‭ ‬والتأييد‭ ‬السياسي‭ ‬والإعلامي،‭ ‬وأن‭ ‬يؤيد‭ ‬استمرار‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬طوال‭ ‬هذه‭ ‬الأشهر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬شعور‭ ‬بالذنب‭ ‬أو‭ ‬الخجل،‭ ‬يمثل‭ ‬قمة‭ ‬البشاعة‭ ‬والانحطاط‭ ‬الحضاري‭ ‬والإنساني‭ ‬والسياسي‭.‬

تحرر‭ ‬الكثيرون‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬وهم‭ ‬الانبهار‭ ‬بالغرب‭ ‬كما‭ ‬قالت‭ ‬الملكة‭ ‬رانيا‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬تبعات‭ ‬إيجابية‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭. ‬يعزز‭ ‬هذا‭ ‬أولا‭ ‬الاستقلالية‭ ‬والاعتزاز‭ ‬بالهوية‭ ‬والثقافات‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬الغربية‭. ‬كما‭ ‬سيعجل‭ ‬بسقوط‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية،‭ ‬ويعزز‭ ‬سعي‭ ‬العالم‭ ‬لإقامة‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬التعددية‭ ‬وأكثر‭ ‬عدلا‭ ‬وإنصافا‭ ‬واحتراما‭ ‬للقيم‭ ‬والشعوب‭.‬

ومع‭ ‬سقوط‭ ‬وهم‭ ‬الانبهار‭ ‬بالغرب‭ ‬سقط‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬الوهم‭ ‬الذي‭ ‬ظلوا‭ ‬يرددونه‭ ‬حول‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬ككيان‭ ‬ديمقراطي‭ ‬متقدم‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ليظهر‭ ‬على‭ ‬حقيقته‭ ‬الهمجية‭ ‬وكمجرد‭ ‬عصابة‭ ‬من‭ ‬المجرمين‭ ‬القتلة‭.‬

أما‭ ‬الجانب‭ ‬الثاني‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬الملكة‭ ‬رانيا‭ ‬العبدالله،‭ ‬فيتعلق‭ ‬بما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نربي‭ ‬أبناءنا‭ ‬والأجيال‭ ‬العربية‭ ‬الشابة‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬الاعتزاز‭ ‬بعروبتنا‭ ‬وانتمائنا‭ ‬لأمتنا‭ ‬العربية‭.‬

في‭ ‬العقود‭ ‬الماضية،‭ ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬الانبهار‭ ‬بالغرب‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬قطاعات‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الأجيال‭ ‬العربية‭ ‬الشابة‭ ‬كانت‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬النموذج‭ ‬الغربي‭ ‬مثالي‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬نحتذي‭ ‬به،‭ ‬وأن‭ ‬نسير‭ ‬على‭ ‬نهجه‭.‬

أيضا،‭ ‬فإن‭ ‬استمرار‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والعجز‭ ‬العربي‭ ‬عن‭ ‬ردع‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬ووقف‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أصاب‭ ‬الكثيرين‭ ‬بالإحباط‭ ‬والغضب‭.‬

‭ ‬لهذا‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬جدا،‭ ‬وخصوصا‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬السقوط‭ ‬المدوي‭ ‬للغرب‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يمثله،‭ ‬أن‭ ‬يستعيد‭ ‬أبناؤنا‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬أنفسهم‭ ‬وفي‭ ‬عروبتهم‭ ‬وفي‭ ‬قدرة‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تستعيد‭ ‬مكانتها‭ ‬وقدرتها‭.‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬تتعلم‭ ‬الأجيال‭ ‬العربية‭ ‬الشابة‭ ‬الاعتزاز‭ ‬بأمتها‭ ‬العربية‭.. ‬بقيمها‭ ‬الإنسانية‭ ‬النبيلة‭ ‬وحضارتها،‭ ‬وأن‭ ‬تثق‭ ‬في‭ ‬قدرتها‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الآلام‭ ‬وكل‭ ‬دواعي‭ ‬الإحباط‭.‬

ولهذا‭ ‬كم‭ ‬كان‭ ‬جميلا‭ ‬ومعبرا‭ ‬أن‭ ‬تخاطب‭ ‬الملكة‭ ‬رانيا‭ ‬العبدالله‭ ‬شباب‭ ‬الخريجين‭ ‬وتقول‭ ‬لهم‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬عربي‭.. ‬قولوها‭ ‬دون‭ ‬خجل‭ ‬أو‭ ‬خوف‭.. ‬قولوها‭ ‬بكل‭ ‬فخر‭ ‬واعتزاز‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا